خبير : مؤشرات لوجود تنسيق روسي تركي بشأن مرحلة ما بعد الأسد

0

 

أثار السقوط السريع خلال عشرة أيام لقوات الرئيس السوري بشار الأسد تساؤلات كثيرة حول مسبباته، خصوصا في ظل الحرب المستمرة بالمنطقة منذ 7 أكتوبر 2023. فيما يبقى مستقبل البلاد مفتوحا على كل الاحتمالات في خضم غياب هيكل سياسي واضح وموحد لقيادة المرحلة الانتقالية.

سقوط نظام الأسد يوجه ضربة قاصمة للمشروع الإيراني في الشرق الأوسط

انتهت أسطورة “وبقي بشار الأسد” بعد أكثر من 13 عاما من اندلاع الثورة السورية في مارس آذار 2011 والتي أعقبتها حرب أهلية تداخلت فيها قوى إقليمية ودولية.

وأثار سقوط الأسد بعد كل هذه السنوات من “التشبث بالسلطة” تساؤلات عدة حول انهيار الجيش في مدة لا تتجاوز 10 أيام منذ بدء فصائل المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” هجومها على مختلف المدن السورية وصولا إلى العاصمة دمشق وإعلان “سقوط النظام”.

اليوم يبرز اسم قائد الهيئة الملقب بـ”أبو محمد الجولاني” والذي تخلى عنه ليستخدم بشكل رسمي اسمه الحقيقي أحمد الشرع كقائد للمرحلة الانتقالية. وترافقه تساؤلات بشأن مستقبل بلاد “الشام” في خضم عدم وجود آليات واضحة للحفاظ على تماسك الدولة.

اقرأ أيضامن التطرف إلى البراغماتية… من هو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام؟

عن كل هذه المحاور، حاورت فرانس24 الخبير الأمني والاستراتيجي اللبناني ناجي ملاعب.

فرانس24: ما تفسيرك للانهيار السريع للجيش السوري أمام هجوم هيئة تحرير الشام وحلفائها، وهل لذلك علاقة بالتطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط؟

ناجي ملاعب: يبدو أن الجيش السوري لم يكن يتوقع أن يتعرض لهجوم يصل إلى حلب وأبعد منها ولم يقم أي خط عسكري للدفاع عنها. والانسحاب من حماة ومن ثم حمص وعدم خوض قتال للدفاع عن العاصمة دمشق مرده تخلي قيادة الجيش عن رأس النظام الذي تسبب في إيصال الجيش لعدم امتلاك القوات العسكرية للعتاد والتدريب والأموال ما أوصله إلى حالة مزرية. وحتى القوى الرديفة ومن بينها حزب الله لم يكن لديها القدرة على الدفاع عن الأسد بعد أن رأوا أن الجيش لم يعد يقاتل وبالتالي خيرت الانسحاب من المعركة.

حماس تطلب من فصائل بغزة إحصاء الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم سواء أحياء أو أمواتا

ما يمكن قوله عن القوى الخارجية المساندة للنظام المنهار وما مصير القواعد العسكرية الروسية؟

عند دخول القوات الروسية إلى سوريا في 2015 بطلب من إيران، كان هناك اتفاق بين موسكو وتركيا لخفض التصعيد، واستطاع الجيش السوري -بفضل التفاهم الروسي التركي- تحقيق تقدم ميداني وبالتالي خفض التصعيد. وبموجب هذا الاتفاق، تم نقل مقاتلي المعارضة السورية إلى إدلب التي تحولت إلى ملاذ لنحو 3 ملايين لاجئ. ووقعت دمشق حينها اتفاقا مع روسيا تمنح بموجبه موسكو قاعدة عسكرية في طرطوس لمدة 50 عاما. واليوم، كانت هناك مؤشرات تدل على أن موسكو تخلت عن الرئيس الأسد، وتخلت عن القواعد التي ينتشر فيها الجنود الروس على حدود المناطق التي يسطير عليها الأكراد في شمال سوريا لتركيا -التي تنظر بعين الريبة إلى النشاط الكردي- ما يؤشر إلى وجود تنسيق روسي تركي بشأن مرحلة ما بعد الأسد. كما سحبت روسيا كل السفن القتالية من اللاذقية وطرطوس بحجة القيام بمناورات في البحر المتوسط .

في السياق، جرت اتصالات بين رئيس أركان الجيش الروسي ونظيره الأمريكي قبل بدء هجوم هيئة تحرير الشام ومن المرجح أن الاتصال يتعلق بتفاهمات بشأن مرحلة ما بعد بشار الأسد. روسيا ما تزال تملك مواقع عسكرية في مختلف أنحاء سوريا على الأرجح أنه تم إخلاؤها. وأعتقد أن هناك تفاهما روسيا أمريكيا لم تتضح معالمه بشأن القواعد العسكرية الروسية البحرية في طرطوس وحميميم، وقد يكون مرتبطا بملف تفاهمات حول الحرب في أوكرانيا.

 

سيناريو التقسيم يبقى مطروحا على اعتبار أن الجيش السوري يحافظ إلى حد الآن على السيطرة على الساحل السوري الذي لم يحسم مصيره بعد. كما أن مستقبل “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية ليس واضحا علما أن الجيش السوري انسحب من مواقعه دير الزور والبوكمال والميادين (شرق سوريا) لصالح الأكراد ما يوسع مجال نفوذها. وتركيا لن تسكت عن هذه التطورات في ظل رغبتها (منذ بداية الأزمة السورية) في إبعاد الأكراد عن حدودها في خضم الحماية الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية بوجود ثماني قواعد أمريكية في مناطقها.

الطابع السلمي لتقدم هيئة تحرير الشام هو نتاج لعدم خوض الجيش السوري القتال، وبالتالي فإنه لا وجود لضمانات للمسقبل بأن يكون الانتقال السياسي في الشام سلسا. ولنا عبرة فيما حدث بالسودان عندما تحالف المتظاهرون مع الجيش للإطاحة بعمر البشير، إلا أن الأمور أخذت منحى آخر كما نرى اليوم. في كل الأحوال، الصورة لم تتوضح بعد مع احتفاظ روسيا وإيران ببعض المصالح في سوريا.

 

في المحصلة، إذا ما حصلت تفاهمات بين هيئة تحرير الشام وحلفائها من جهة، مع الأكراد والساحل السوري من جهة أخرى، قد تحافظ سوريا على وحدتها مع الحفاظ على مصالح كل هذه الأطراف. كما أن ملف التعامل مع الطائفة العلوية سيحدد مستقبل البلاد خصوصا في حمص، ويبقى الساحل السوري موضع تساؤل، خصوصا وأن القيادات السياسية والعسكرية العلوية لجأت إلى الساحل السوري. إلا أن تدخلات القوى الإقليمية والدولية هي التي ستحسم ملف الوحدة السورية خصوصا وأن تركيا وإيران والولايات المتحدة تدعم أطرافا مختلفة في سوريا وقد تغرر بهذه الأطراف لكي لا تحصل تفاهمات مع باقي القوى المحلية.