د. ماك شرقاوي يكتب: ترامب ولوس أنجلوس.. خطاب الحسم أم استعراض انتخابي؟

20

في خضم تصاعد الاحتجاجات بمدينة لوس أنجلوس على خلفية حملات اعتقال المهاجرين غير النظاميين، خرج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بخطاب صاخب، يحمل نبرة عالية من التحدي، ويمزج بين لغة الحسم الأمني والحسابات الانتخابية المتقدمة، في مشهد يعكس ملامح الانقسام الحاد داخل المجتمع الأميركي عشية استحقاقات 2026.

ترامب لم يكتفِ بتوصيف الاحتجاجات بأنها “تمرد منظم”، بل وصف المتظاهرين بـ”الانقلابيين المأجورين”، مطالبًا بنشر الحرس الوطني الفيدرالي في شوارع المدينة دون تنسيق مع سلطات كاليفورنيا، ومهددًا بإرسال مشاة البحرية إذا “لم يُستعد النظام فورًا”. ومن على منصة التواصل الاجتماعي، طالب ترامب بـ”تحرير لوس أنجلوس” من “غزو المهاجرين غير الشرعيين”، في استدعاء صريح للخطاب القومي المتشدد الذي اتسمت به حملته الانتخابية الأولى عام 2016.

لكن المثير للانتباه أن قرار ترامب جاء في تجاهل تام لصلاحيات حاكم الولاية، في خرق واضح لقانون “بوسي كوماتوس”، الذي يمنع استخدام القوات المسلحة الفيدرالية في الشؤون الداخلية للولايات دون إذن تشريعي أو طلب رسمي. وهذا ما دفع حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، إلى التهديد بإجراءات قضائية فدرالية، معتبراً ما جرى “تجاوزاً دستورياً خطيراً”.

من الزاوية الأمنية، لا شك أن الخطاب حشد قاعدة ترامب التقليدية من أنصار “القانون والنظام”، وطمأن الشرائح المحافظة بأن زعيمهم لم يفقد صلابته. لكن في المقابل، فإن عسكرة الحياة المدنية، دون مسوّغ قانوني، قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب وتوترات ميدانية، تزيد من هشاشة المشهد الداخلي الأميركي.

سياسيًا، يبدو أن ترامب يسعى لاستثمار الملف الأمني كورقة انتخابية، يُظهر من خلالها عجز الديمقراطيين عن ضبط الفوضى، ويعيد تصدير نفسه كرجل المرحلة الصارم. وهذا يتناغم مع خطابه المستمر ضد الهجرة، ومحاولته ربط الأمن القومي بالفوضى المدنية، وهو خطاب وجد تجاوبًا كبيرًا في الانتخابات السابقة، وقد يجد صدًى جديدًا في انتخابات الكونغرس المرتقبة عام 2026.

غير أن هذا النهج قد يكون سلاحًا ذا حدين؛ فكما يعزز شعبية ترامب في المناطق الريفية والولايات الجنوبية المحافظة، فإنه قد يضرّ بموقفه بين المعتدلين والمستقلين، وخصوصًا في الولايات المتأرجحة. كما أن الأقليات العرقية والناخبين الحضريين قد يرون في تصرفه تحريضًا على المهاجرين واستفزازًا مباشرًا لحقوقهم المدنية.

في النهاية، خطاب ترامب تجاه لوس أنجلوس قد يحقق له مكاسب ظرفية، لكنه يهدد بانفجار أوسع في الجبهة الداخلية. وإذا كان يراهن على “الحسم الأمني” كوسيلة للعودة إلى البيت الأبيض، فإن التاريخ الأميركي يُظهر أن التوازن بين السلطة والدستور لا يتسامح طويلاً مع مغامرات تُعيد عسكرة الداخل، وتخاطب الجمهور من فوق منصات الخوف لا من داخل مؤسسات القانون.

د.ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة: