فشل محاولة عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخل الكونغرس الأمريكي، حيث رفض 344 نائبًا إجراءات العزل، بينما أيّدها فقط 79 نائبًا، ما يعني أن المحاولة الأولى لعزل ترامب في فترته الثانية انتهت بالفشل.
الإجراءات الدستورية لعزل الرئيس الأمريكي
من المهم توضيح أن إجراءات عزل الرئيس في الولايات المتحدة معقدة ولم تُؤدِّ سابقًا إلى عزل رئيس أثناء ولايته. تبدأ العملية في مجلس النواب، حيث يُنظر إلى الأعضاء كأنهم “النيابة العامة”؛ يُحضّرون مواد الاتهام ويصوتون عليها بأغلبية بسيطة (50% + 1). في حال الموافقة، يُحال الملف إلى مجلس الشيوخ، والذي يُعد “المحكمة” في هذه الحالة، وتُجرى المحاكمة برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا.
لكن إدانة الرئيس وعزله فعليًا تتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ (أي 67 من أصل 100 سيناتور)، وهو أمر صعب جدًا، خاصة مع سيطرة الجمهوريين أو تماسكهم الحزبي حول الرئيس.
محاولة فاشلة.. ولكن ماذا تعني؟
المبادرة لعزل ترامب قادها عدد من النواب الديمقراطيين أبرزهم ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وبيرني ساندرز، الذين اتهموه بانتهاك الدستور الأمريكي وقانون الحرب، عبر تنفيذ ضربات عسكرية خارجية – خاصة ضد إيران – دون تفويض من الكونغرس، وهو ما يُعد مخالفة واضحة.
لكن المثير أن 128 نائبًا ديمقراطيًا صوتوا ضد العزل، ما يعكس عدم وجود إجماع داخل الحزب الديمقراطي نفسه على هذا المسار، وربما يُظهر بداية انقسام سياسي داخلي سيؤثر في الانتخابات النصفية المقبلة عام 2026.
الأبعاد الاستراتيجية والسياسية
قرار رفض العزل قد يُعد انتصارًا داخليًا لترامب، حيث يعزز صورته أمام أنصاره كمن “أفلت” من محاولات الإطاحة به، رغم تصاعد الانتقادات ضده بسبب استخدامه المفرط للصلاحيات العسكرية. ويبدو أن الحزب الجمهوري ما زال موحدًا خلفه، بينما يعاني الحزب الديمقراطي من تشتت واضح في قراراته الكبرى.
بالمقابل، أثار إرسال 7 قاذفات B2 برفقة أكثر من 125 طائرة حربية أخرى إلى الشرق الأوسط جدلًا كبيرًا داخل الكونغرس، خاصة مع عدم تقديم مبررات واضحة لسبب التصعيد المفاجئ، مما وضع إدارة ترامب في موقف دفاعي وسط اتهامات بـ”المسرحية السياسية” بدلًا من الردع العسكري الحقيقي.
الرسائل السياسية
فشل محاولة العزل يعكس تحفظًا من الكونغرس – ديمقراطيين وجمهوريين – على تحويل الأمر إلى صراع سياسي بحت، دون وجود دلائل قوية. كما يعكس ذلك إدراكًا لأهمية عدم الإضرار بمؤسسات الدولة أو زعزعة ثقة الداخل الأمريكي في الديمقراطية، خاصة قبيل الانتخابات المقبلة.
قد تكون هذه محاولة أولى فاشلة، لكن من غير المرجح أن تكون الأخيرة. الديمقراطيون، وإن فشلوا في كسب الأغلبية الآن، إلا أنهم قد يعيدون المحاولة إذا ظهرت أدلة أو مواقف أكثر وضوحًا. في المقابل، يبدو أن ترامب سيستغل هذا الانتصار البرلماني لتقوية موقعه داخليًا، رغم استمرار التحديات الاقتصادية والأمنية، وعلى رأسها الأزمة مع إيران، والنزاعات التجارية مع الصين.
هل نرى تصعيدًا جديدًا؟ أم تهدئة مدروسة؟ وهل ينجح ترامب في فرض رؤيته كقائد قوي قادر على تجاوز العقبات؟ هذه الأسئلة وأكثر سنناقشها معًا في الحلقات القادمة.
أنا مك شرقاوي، وشكرًا لمتابعتكم. لا تنسوا الاشتراك بالقناة وتفعيل الجرس ليصلكم كل جديد. إلى اللقاء في طريق المعرفة.
د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي
رابط الحلقة: