شحاتة زكريا بكتب : الخليج في مفترق طرق .. هل تُغَيِّر واشنطن وطهران قواعد اللعبة؟
في الشرق الأوسط ليست الأحداث وحدها من تحكم المشهد بل توقيتها أيضا. وها نحن أمام لحظة تحمل من الرمزية أكثر مما يبدو على السطح: واشنطن التي أمضت عقودا في سياسة العصا تجاه إيران تفتح باب التفاوض مجددا. وطهران التي لم تغلق الباب تماما يوما تجد نفسها أمام فرصة لإعادة صياغة وجودها الإقليمي بالحبر لا بالبارود.
لكن السؤال الأهم: أين يقف العرب من كل ذلك؟ هل هم جزء من الطاولة أم مجرد أوراق على سطحها؟
دول الخليج صاحبة اليد العليا في معادلة الطاقة والموقع الجيوسياسي تواجه الآن تحديا مزدوجا. من جهة إمكانية استثمار هذه المحادثات الأمريكية الإيرانية لخفض التوتر وفتح صفحة جديدة مع طهران ومن جهة أخرى خطر أن تُختزل مصالحها في تفاهمات ثنائية لا تراعي توازنات المنطقة. فهل تتحرك؟ أم تكتفي بالمراقبة كما حدث في جولات سابقة من التفاهمات الغربية الإيرانية؟
الأمر لا يتعلّق فقط بإيران. فكل انفتاح على طهران يُقابَل بردّ فعل إسرائيلي غالبا ما يتسم بالمغامرة سواء عبر ضربات في سوريا والعراق أو تصعيد في الملف النووي أو حتى حملات ضغط على العواصم الغربية. والمفارقة أن ما تعتبره إسرائيل تهديدا قد تراه دول الخليج فرصة لكبح جماح التوتر وتفادي أن تكون ساحة لصراعات الآخرين.
من هنا تصبح المحادثات الأمريكية الإيرانية ليست فقط مفاوضات نووية بل فرصة استراتيجية لإعادة ترتيب البيت الإقليمي. الدول الخليجية قادرة لو أرادت على أن تتحول من مجرد “عامل تأثير” إلى “طرف فاعل” يُسهم في صياغة مستقبل المنطقة لا انتظاره.
بعيدا عن لغة الشكوى من الحروب بالوكالة يمكن للعرب أن يبادروا بحوارات مباشرة مع إيران برعاية عُمان أو قطر حول ملفات شائكة مثل اليمن وأمن الملاحة وبرامج التسلّح. فكل تهدئة تُخفّف العبء عن كاهل الموازنات وتفتح الطريق للاستثمار والتنمية.
ولا يقل أهمية عن ذلك ضرورة بناء موقف عربي مشترك إزاء السلوك الإسرائيلي في الإقليم. إسرائيل لا تكتفي بدورها في فلسطين بل تتوسع إلى المسرح اللبناني والسوري والعراقي فيما تلوح دوما بفزاعة البرنامج النووي الإيراني. وبدلا من الارتهان للردود الأمريكية يمكن للعرب الدفع باتجاه ضبط إيقاع السلوك الإسرائيلي عبر أدوات دبلوماسية واقتصادية مؤثرة.
صحيح أن المنطقة لم تعرف يوما استقرارا طويل الأمد ، لكن الصحيح أيضا أن اللحظات النادرة للتغيير الحقيقي لا تتكرر كثيرا وهذه واحدة منها.
الخليج ليس مضطرا للاختيار بين واشنطن وطهران. بل عليه أن يختار نفسه أولا.