شحاتة زكريا يكتب: الانفجار.. نتنياهو بين رفح الثانية ورعب البحر الأحمر

4

تتّجه الحرب في غزة إلى مرحلة جديدة أكثر ظلمة ووحشية ، لا لشيء إلا لأن بنيامين نتنياهو يرفض أن ينهزم ويخشى أن يسقط. لا المعايير الإنسانية تردعه ، ولا الضغوط الدولية تقنعه ولا حتى تمزق الجبهة الداخلية الإسرائيلية يردّه خطوة للوراء. الرجل في سباق مع الزمن ليس لحسم الحرب بل للنجاة الشخصية من سكين القضاء وصوت الشارع.

في الميدان يبدو أن إسرائيل بدأت بالفعل تطبيق ما يُشبه “نموذج رفح” كسياسة ممنهجة داخل القطاع: تهجير، حصار، أرض محروقة. الخطة تتجاوز فكرة نزع سلاح حماس إلى محو الجغرافيا السياسية لغزة كما نعرفها. لم تعد القضية استعادة رهائن أو اجتثاث بنية عسكرية بل إعادة رسم للواقع بالسلاح والمجارف والمستعمرات.

لكن ما لا يفهمه نتنياهو أن توسيع الحرب في غزة يعني بالضرورة توسيع نطاق الاشتعال في الإقليم. من البحر الأحمر إلى الجنوب اللبناني ، ومن العراق إلى مطار بن غوريون تتحرك الخطوط كلها. الحوثي يضرب وحزب الله يتوعد وطهران تراقب وتنتظر اللحظة. والخريطة تزداد اشتعالا.

أخطر ما في المشهد ليس ما يحدث في غزة بل ما يتداعى خارجها. صاروخ يمني واحد عطل مطار تل أبيب وأعاد النقاش حول قدرة إسرائيل على تأمين عمقها الجغرافي. وفي الخلفية تظهر واشنطن كمن يسحب يده تدريجيا من نار أشعلها بنفسه. التصريحات الأمريكية صارت مملة والتنديد الأوروبي مجرد تسجيل حضور.

أما الداخل الإسرائيلي فيغلي . احتجاجات الأهالي جنائز الجنود تذمر الجنرالات ، وخلافات الحكومة ، كلها تقول شيئا واحدا: هذه حرب بلا أفق. وكأن قدر نتنياهو أن يقاتل الجميع في غزة وفي تل أبيب وفي حزبه وفي المحكمة. وكأن إسرائيل كلها تُستنزف على مذبح إنقاذ رجل.

لكن ماذا بعد؟ هل تستطيع إسرائيل فعلا احتلال غزة مجددا؟ هل يقبل العالم بتكرار نكبة جديدة؟ هل يصمت جنوب لبنان طويلا؟ هل يضمن الخليج أن النار لن تصل إلى مياهه؟ الأسئلة كثيرة والإجابات أقل. لكن المؤكد أن توسيع الحرب لن يوسع المكاسب بل سيعمّق الخسائر ويوسّع دوائر الموت والدمار والانعزال.

غزة ليست جبهة واحدة. إنها مرآة الإقليم كله. فيها تنعكس الحسابات، وتُختبر التحالفات، وتتكشف حدود القوة. ولهذا فإن أي خطة عسكرية لا تراعي هذا التعقيد ستفشل مهما بدت جريئة. ونتنياهو في اندفاعه يبدو كمن يخطو بثقة نحو الهاوية لا بحثا عن نصر بل هربا من هزيمة سياسية قاتلة.

حين نكتب عن غزة لا نكتب فقط عن عدوان بل عن اختبار تاريخي لمفهوم الدولة والضمير الإنساني والمنظومة الدولية. ولهذا فإن وقف الحرب ليس مصلحة فلسطينية فقط بل ضرورة عالمية عاجلة. كل ساعة تأخير تقرّب العالم أكثر من الانفجار الكبير.