د خالد عمر يكتب .. الانتصار العسكري والسياسي.. قريب أم بعيد؟

79

تقول كثير من التقارير الواردة من أرض ومسرح المعارك العسكرية الطاحنة الدائرة بين القوات الروسية والأوكرانية، إن الأوكرانيين قد ضاعفوا نجاحاتهم العسكرية في الأيام الأخيرة ضد روسيا لدرجة أن هناك الآن المزيد من الحديث عن نصر محتمل لأوكرانيا “لكن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال”.

من ناحية أخرى، هناك القوات الروسية التي انسحبت من مدينة خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، يوم الأحد 15 مايو، ويبدو أنها غير قادرة على عبور نهر دونيتس إلى نهر دونباس، من ناحية أخرى، استغلت القوات الأوكرانية هذه الانتكاسات للتقدم نحو الحدود الروسية.

حتى نهاية حصار آزوفستال، المجمع الصناعي العملاق في ماريوبول، في جنوب البلاد، يمكن اعتباره انتصاراً لمدينة كييف، باعتراف الجميع، انتهى المطاف بجيب المقاومة الأوكرانية بالتراجع يوم الاثنين، 16 مايو، والاستسلام أول أمس 20 مايو، ولكن “بشكل أساسي بسبب نفاد ذخيرة الجنود الأوكرانيين وليس لأن الروس تمكنوا من الاستيلاء على الموقع” كما يقول المتخصصون في القضايا العسكرية الروسية والأبحاث الجيوسياسية.

لقد وجهت هذه المعركة الشرسة، على أي حال، ضربة شديدة لموسكو من حيث الصورة، “دعاية الكرملين الرسمية كانت دائماً – حتى بعد الحرب – تشير إلى أن فلاديمير بوتين يعمل على استعادة عظمة روسيا في الحقبة السوفيتية، لكن في ماريوبول، دمر الجيش الروسي أكبر موقع صناعي في الاتحاد السوفيتي السابق”.

من خاركيف إلى الحدود الروسية

بعد ما يقرب من ثلاثة شهور، من الصراع، تطور ميزان القوى بشكل كبير، حيث يرى المحللون أننا “انتقلنا من وضع يائس لأوكرانيا إلى وضع يمكن أن يلهم تفاؤلاً محسوباً في هيئة الأركان العامة الأوكرانية، كان فشل الروس في الاستيلاء على كييف سريعاً بمثابة انتصار مهم لأوكرانيا، لكن الأهداف الصغيرة لـ “تحرير” دونباس بدت أسهل في تحقيقها بالنسبة لموسكو.

تدمير ثلث الدبابات الروسية

لم يسترد الأوكرانيون الأرض من الروس فقط، كما ألحقوا خسائر فادحة بالعدو، وقالت وزارة الدفاع البريطانية على موقع تويتر يوم 15 مايو / أيار: “ربما فقدت روسيا ما يقرب من ثلث القوات التي التزمت بها لأوكرانيا”.

“هذا تقدير متوافق إلى حد ما مع المعلومات التي تمكنا من جمعها من جانبنا” – وزارة الدفاع البريطانية ..لكن الأهم بالنسبة لهم هو عدد المركبات المدرعة الروسية المدمرة أو المهجورة. “وفقاً للبيانات الواردة من موقع Oryx الذي يحصي الخسائر في المعدات الروسية، حيث خسرت روسيا ما بين ربع وثلث الدبابات في جيشها، وهو ببساطة عدد هائل”.

هنا مرة أخرى، تعمل الديناميكية لصالح الأوكرانيين، نظراً لأن الروس سيجدون صعوبة متزايدة في تجديد المعدات المدمرة، فإن “المعدات التي أرسلها الغرب إلى أوكرانيا – مثل مدافع الهاوتزر الأمريكية أو طائرات بدون طيار أمريكية من طراز Switchblade – بدأت في الوصول إلى الخطوط الأمامية”، تنتهي التقارير بأن مجموعة من العناصر دفعت وزارة الدفاع البريطانية إلى إثارة “احتمال هزيمة روسيا”، “إنه احتمال يمكن النظر فيه الآن، لكن أوكرانيا لا تزال بعيدة عن أن تدعي أنها انتصرت في الحرب”:

أولاً، لأن “روسيا استمرت في التقدم في منطقة دونباس” بينما كانت كل الأنظار على معركة خاركيف، حيث تحتل القوات الروسية الآن تقريباً كل منطقة لوغانسك الإدارية وتحاول أن تفعل الشيء نفسه حول دونيتسك.

ويؤكد الخبراء أن “الروس حققوا مكاسب لكن بثمن باهظ” في هاتين المنطقتين (المناطق الإدارية) في لوغانسك ودونيتسك يتم تنفيذ كل شيء الآن، وتكمن ميزة الأوكرانيين في “موقعهم الدفاعي القوي جداً على الجانب الآخر من نهر دونيتس”، كما يؤكد الجميع أنه يكفي لجعل الاستيلاء على المدن الرئيسية في المنطقة التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية – مثل كراماتورسك أو سلوفيانسك – أمراً صعباً للغاية بالنسبة للروس.

هل هناك انتصار أوكراني محتمل؟ لكن أي انتصار!

النصر المحتمل للقوات الأوكرانية يتوقف على قدرتها على استعادة المدن التي احتلتها روسيا بالفعل، “الأمر معقد للغاية لأن استعادة خيرسون، على سبيل المثال، سيتعين عليهم عبور عدة أنهار صغيرة والروس ليسوا وحدهم من يواجهون صعوبة في عبور هذه العوائق الطبيعية”، ناهيك عن أن الذخيرة بدأت أيضاً في النفاد على الجانب الأوكراني، و”كل شيء يعتمد على قدرة الدول الغربية على مواصلة إرسال المعدات إلى الجيش الأوكراني”.

التداعيات والآثار السياسية للحرب الأوكرانية على دول آسيا الوسطى

بسبب الحرب في أوكرانيا، ودول آسيا الوسطى تبتعد عن موسكو شيئاً فشيئاً، فمنذ اندلاع غزو أوكرانيا، نأت العديد من دول آسيا الوسطى بنفسها عن موسكو، ورفض موقف المواءمة الذي يكشف العلاقة المعقدة والمتضاربة التي تربط هذه الجمهوريات السوفيتية السابقة مع حليفهم التاريخي.

هل ينبغي اعتبار ذلك بداية لفقدان النفوذ الروسي في آسيا الوسطى؟

منذ اندلاع العملية العسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط، لوحظ بانتظام أن كازاخستان ودول أخرى في المنطقة تبتعد عن حليفها القوي وجارتها روسيا.

فقد ألغت وزارة الدفاع الكازاخستانية عرضاً عسكرياً في 9 مايو للاحتفال بيوم النصر ضد النازية، في ذكرى ذات أهمية حاسمة في نظر فلاديمير بوتين، في أوائل مارس/ آذار، في هذا البلد الذي يوصف بالاستبدادي حيث يتم تنظيم التجمعات العامة بشكل صارم، تم السماح بالمظاهرات المؤيدة لأوكرانيا.

بالإضافة إلى ذلك، أرسلت أوزبكستان وكازاخستان عدة عشرات من الأطنان من المساعدات الإنسانية إلى كييف، وخاصة المعدات الطبية، والأهم من ذلك، أن هذين البلدين، اللذين تربطهما علاقات جيدة مع أوكرانيا، لا يعترفان باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين ذاتياً.

“لم تعترف كازاخستان بالفعل بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، استمرت العلاقات مع روسيا في التدهور”، ويقول الباحثين في مركز Ifri، المتخصص في آسيا الوسطى، في الوقت الحالي، يشعر سكان كازاخستان بقلق بالغ إزاء ما يحدث في أوكرانيا.”

على الجانب الخطأ من “الستار الحديدي”

نظراً لعلاقاتها الأمنية والاقتصادية القوية مع موسكو – تعتمد قيرغيزستان وطاجيكستان بشكل خاص على وارداتها من المنتجات المكررة من روسيا – إلا أن جمهوريات آسيا الوسطى حريصة على عدم في المبالغة والرضا بموقف الحياد الصارم داخل المؤسسات الدولية، فلم يصوت أي منهم لصالح قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/ آذار لإدانة الغزو الروسي، علاوة على ذلك، رفضت كازاخستان دعم استبعاد موسكو من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

“بالطبع، أرادت روسيا منا أن نكون أكثر في صفها، لكن كازاخستان تحترم وحدة أراضي أوكرانيا”، أوضح في نهاية مارس/ آذار، تيمور سليمينوف، مدير الإدارة الرئاسية، في مقابلة مع موقع المعلومات الأوروبية Euractiv، أن بلاده لا تنوي وضعها في “نفس سلة” روسيا والسماح لموسكو بالالتفاف على العقوبات الغربية، متحالفة مع روسيا.

كازاخستان لا تنوي أن تجد نفسها وراء “ستارة حديدية” جديدة، كما أكد للصحافة الألمانية نائب وزير الخارجية، رومان فاسيلينكو، داعياً الغربيين إلى الاستثمار في البلاد.

“آسيا الوسطى.. المنطقة المرغوبة”

“طيلة 30 عاماً، بنت كازاخستان سياستها الخارجية بطريقة لا تحصر نفسها في شراكة حصرية مع الروس أو الصينيين، وقد أكدت الحرب في أوكرانيا هذا المنطق، الشريك الاقتصادي الرئيسي للبلاد هو أوروبا، وهو وضع فريد جداً في آسيا الوسطى”.

الخوف من سيناريو “أوكراني”

أثار هذا الفتور من كازاخستان المستقلة منذ عام 1991، السخط والهجمات الكلامية العنيفة منذ اندلاع الحرب، قال تيغران كيوسان، مقدم البرامج الروسي الموالي للكرملين ومن بين مؤيدي فلاديمير بوتين، على قناته على موقع يوتيوب في نهاية أبريل/ نيسان: “أيها الإخوة الكازاخستانيون، انظروا بعناية إلى أوكرانيا، وفكروا بجدية” ، مما أثار حفيظة الدبلوماسية الكازاخستانية.

لعدة سنوات في روسيا، كان هناك خطاب يتمثل في القول بأن الدولة الكازاخستانية لم تكن موجودة على الإطلاق. مؤخراً، أوضح نائب في مجلس الدوما أنه كان من الضروري تشويه سمعة كازاخستان”، يوضح ميشيل ليفيستون، مثل أوكرانيا، تعيش أقلية كبيرة من الناطقين بالروسية على أراضي كازاخستان.

بالنسبة للعالم اللغوي باتريك سيريوت، فإن فلاديمير بوتين يسخر من مصير المتحدثين بالروسية في أوكرانيا”،على الرغم من هذه التوترات الناجمة عن غزو أوكرانيا، تظل موسكو شريكاً أساسياً لبلدان المنطقة، لا سيما من الناحية الأمنية، في يناير/ كانون الثاني، اضطر الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف إلى استدعاء قوات من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) لقمع الاضطرابات المدنية غير المسبوقة الناجمة عن الارتفاع الحاد في أسعار غاز البترول المسال.

وفقاً لـ ليفيستون: “اليوم، في حالة حدوث أزمة في آسيا الوسطى، تتدخل روسيا، وعلى المدى القصير، تظل القوة الكبرى لتحقيق الاستقرار في المنطقة”، ولا سيما بالنسبة لطاجيكستان وتركمانستان، اللتين تشتركان في أطول حدود آسيا الوسطى مع أفغانستان، “تهديد كبير لأمن هذين البلدين، والمنطقة ككل”.

الناتو: السويد وفنلندا أمام تركيا

بعد تقدم حكومة البلدين في السويد وفنلندا رسمياً طلب الانضمام إلى حلف النات ، الأمر الذي لقي ترحيب من أمريكا وأعضاء الحلف، وبالطبع قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتحذير كلا البلدين من مغبة هذا القرار، والذي أصدر قراره بقطع الكهرباء والطاقة عن فلندا اعتباراً من يوم 21 مايو الجاري، ورداً على ذلك أيضاً تقرر إنشاء ما يقرب من 12 قاعدة عسكرية في غرب البلاد لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وكندا، ومن ورائهم بريطانيا.

“تركيا”.. الرابح الأكبر

لم تتوانَ تركيا في الإعلان عن رفضها التام والقاطع لانضمام فنلندا والسويد، بداعي دعمهم الإرهابيين، والمقصود هو اعترافهم بالمنظمات المسلحة الكردية، فهل هي خطوة استباقية من جانب تركيا للضغط على كلا البلدين لسحب ووقف تأييدهم للقضية الكردية وهي “القضية المحورية لتركيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً”.

من المؤكد أن تركيا في نهاية المطاف لن تقف أمام قيادة ورغبة حلف الناتو لانضمام فلندا والسويد، وسوف ترضخ في نهاية الأمر، ولكن بعد الحصول على أقصى استفادة ممكنة، سواء من حلف الناتو، أو من الدولتين “فنلندا والسويد”، حيث تتسم المواقف السياسية التركية مؤخراً بسرعة التغير والتقلب، وتحويل بوصلتها، وهو ما شهدناه في الفترة الآخيرة مع السعودية والإمارات المتحدة وإسرائيل، وإيران والوساطة بين أوكرانيا وروسيا، وملفات أخرى في مناطق متفرقة في أفريقيا وآسيا الوسطى، وسوريا وشمال المتوسط، فهي تسعى دائماً للحصول على أكثر فائدة ممكنة ومتاحة، خاصة وأن اقتصادها سريع التأثر بالمتغيرات الدولية والعالمية، وهو الأمر الذي ينعكس على الانهيار السريع بين الحين والآخر في سعر صرف الليرة التركية.

بوتين وماكرون.. اشتعال بعد الهدوء

بعد أقل من مرور أسبوعين من بداية الولاية الثانية لرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلنت فرنسا ودون سابق إنذار عن طرد ما يقرب من 30 دبلوماسي روسي بحجة أنهم أشخاص غير مرغوب بهم، وفي المقابل قامت روسيا بالرد بطرد عدد مماثل من الدبلوماسيين الفرنسيين العاملين في روسيا ولنفس السبب.

وما أشعل الوضع تصريح الرئيس الفرنسي بتهديد روسيا باستخدام السلاح النووي وضرب روسيا، بعد قيامها بتهديد السويد وفنلندا علانية من قبل الرئيس الروسي، وهو التصريح شديد اللهجة والخطير الذي يدلي به الرئيس الفرنسي، بعد أن كان أكثر الزعماء الغربيين تواصلاً مع الرئيس الروسي منذ بداية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكان حلقة وصل وتواصل بين الروس والغرب.

التحليل والتعليق

فيما جاء مقدماً، نجد أن المواقف العسكرية على أرض المعركة أصبحت أكثر تعقيداً، ولكنها أكثر وضوحاً عما كانت عليه في بداية المعارك، كما أن التصريح الفرنسي العلني بتهديدها وتحذيرها لروسيا بالمساس أو التدخل في الشأن السويدي والفنلندي، قد يكون رسالة ردع للجانب والقيادة الروسية، للتريث والهدوء وإعادة الحسابات، وهو الأمر الذي قد يمهد إلى حل واتفاق سلمي قريب بين روسيا وأوكرانيا، هو الأمر الذي يتمناه الجميع اليوم قبل الغد، خاصة مع توابع ذلك الصراع المسلح عالمياً، من النقص الحاد في المصادر والمحاصيل الغذائية، وارتفاع أسعارها بشكل كبير وتعرض الملايين للفقر والجوع، وهو ما يهدد دول كثيرة حول العالم.

أم أن العناد والتعنت سوف يستمر، ويكون هو سيد الموقف، وتزداد الأمور سوءاً وتعقيداً، مما يزيد من مشاكل العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، فنحن لا نملك سوى الصبر والانتظار، لما سوف تسفر عنه الأيام القادمة.