كلمة وزيرة الخارجية السودانية في مجلس الأمن بشأن سد النهضة

82

خاطبت د. مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السودانية جلسة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي عقدت مساء اليوم ملخصة موقف ومخاوف السودان المشروعة حول آثار السد السلبية على السودان اذا تم ملؤه وتشغيله دون توافق بين الدول الثلاث وتطلعه للدفع بمفاوضات سد النهضة للتوصل لاتفاق قانوني ملزم.

ولخصت مطالب السودان لمجلس الأمن ودعته للاضطلاع بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلم الإقليمي، بشكلٍ وقائي، وذلك بتعزيز مسار التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي عن طريق دعوة الأطراف إلى استئناف التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي مع اضطلاع المراقبين والوسطاء الدوليين بأدوار تيسير ووساطة تساعد الأطراف على التوصل لاتفاق، وذلك وفق إطار زمني محدد ودعوة إثيوبيا بعدم اتخاذ خطوات أُحادية دون اتفاق تعمل على تهديد ملايين السكان خلف سد النهضة.

فيما يلي تورد “سونا” نص البيان:

السيد الرئيس؛؛ اسمحوا لي أن أتقدم لسيادتكم، في مستهل هذا البيان، بالتهنئة على توليكم رئاسة مجلس الأمن خلال شهر يوليو الجاري، متمنيةً لكم كل التوفيق والسداد، والتهنئة من بعد للمندوب الدائم لإستونيا على نجاح رئاستهم للمجلس في الشهر المنصرم. كما يطيب لي أن أتقدم بالشكر والتقدير لأعضاء المجلس الموقر عامة ولفرنسا بصفة خاصة على استجابتهم الكريمة لتنظيم هذه الجلسة حول سد النهضة الإثيوبي والذي يمثل مسألةً بالغة الأهمية لبلادي، كما يبرز مدى اهتمام الأمم المتحدة بالشراكة مع الاتحاد الإفريقي والعمل من أجل تعزيز السلم والأمن الدوليين في إفريقيا كما في العالم.

 

السيد الرئيس؛؛ يعرب السودان عن تقديره لدور الاتحاد الإفريقي وجهوده منذ بداية انخراطه في عملية التفاوض مع الدول الثلاث حول سد النهضة الإثيوبي، ويؤكد قيادة العملية بواسطة الاتحاد الإفريقي ومواصلة التعاون معه في هذا السياق، بهدف إيجاد حل عادل ومنصف ترتضيه جميع الأطراف.

إننا إذ نخاطبكم اليوم متطلعين إلى عونكم ودوركم الايجابي في حل هذا النزاع الشائك، نؤكد بداية أن السودان كان ولا يزال يقر ويعترف بحقوق الجارة إثيوبيا في الاستغلال الحالي والمستقبلي لمياه النيل، وإننا دعمنا قيام سد النهضة منذ البداية وندرك جيدا أن فوائده لن تقتصر على الجارة إثيوبيا فقط، ولكن بشرط أن يتم ملؤه وتشغيله بموجب اتفاق قانوني بين الدول الثلاث وفقًا للقانون الدولي ومبادئ الاستغلال المنصف والمعقول لموارد المياه العابرة دون إلحاق ضرر ذي شأن بدول المصب، ويحفظ أسس حقوق الإنسان كما يعزز أعراف حسن الجوار بين الدول.

السودان يعلم بفائدة سد النهضة له من حيث الوقاية من الفيضانات وانسياب جريان المياه بصورة منتظمة طول العام، هذه الفوائد تحدث إذا تم ملء السد الكبير وجري تشغيله بصورة تجعل السودان على علم بالكيفية التي يتم بها الملء والتشغيل، وذلك أحد مبادئ الاعراف والقوانين المعمول بها في الانهار العابرة للحدود، وهي اعراف وقوانين راسخة في كل العالم، ولنا في إفريقيا أمثلة حية وناجحة ساعدت على استقرار الدول المشتركة في النهر العابر للحدود كما في التجربة المهمة لاربع من دول غرب إفريقيا التي ظلت تدير بتعاون مستقر نهر السنغال منذ العام 1972م. وثماني من الدول الإفريقية التي استمرت تدير نهر النيجر بصورة مشتركة بناء على اتفاق قانوني وملزم منذ العام 1980م. لكن من غير اتفاق حول ملء وتشغيل السد تتحول فوائد سد النهضة إلى مخاطر حقيقية على نصف تعداد سكان السودان.

سد النهضة هذا المشروع الإفريقي الضخم القادر على أن يكون مثالا للتعاون المثمر لما يزيد عن ربع المليار من المواطنين الافارقة أن أُحسن استخدامه وقام على أسس التعاون والتكامل. فالسودان لديه من الأراضي الزراعية الخصبة بما يوفر للدول الثلاث والإقليم بل للعالم أجمع أمنًا غذائيًا مستدامًا، وبتوفير الكهرباء من إثيوبيا، والإمكانيات التصنيعية التحويلية من مصر مع توفر الأيدي العاملة الخبيرة من الدول الثلاث من الممكن أن يصبح مثالا يحتذى به في التعاون الاقليمي.

السيد الرئيس؛؛

السودان يشدد على أهمية الاتفاق القانوني الملزم على الملء والتشغيل للأسباب التالية:

1. حماية الأمن البشري السوداني

2. حماية السدود السودانية

3. حماية الأمن الاستراتيجي للسودان إن وجود سد ضخم مثل سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السودانية ومن غير تنسيق في إجراءات السلامة مع مجتمعات أدنى السد تشكل خطورة مباشرة على هذه المجتمعات.

فيما يلى حماية الأمن البشري: أسلوب حياة ملايين السودانيين ومنذ آلاف السنوات يقوم على العيش على ضفاف نهر النيل وروافده وهم يعتمدون بصورة أساسية على الزراعة الفيضية فإن سد النهضة سيغير طرق معيشة هؤلاء الملايين من الناس، وسيقلل مساحة هذه الأراضي الفيضية بنسبة 50%، وهو ثمن نحن مستعدون لدفعه بسرور، لإمكانية استفادة هؤلاء الناس من استقرار جريان النيل بجانب حمايتهم من الآثار المدمرة للفيضان. لكن ما لا يمكننا قبوله أن تستخدم طريقة ملء وتشغيل السد الأحادية في ترويع هؤلاء المواطنين والحط من كرامتهم وإهدار حقوقهم الإنسانية، كما فعلت إثيوبيا قبل شهور متعللة بحقها المنفرد في إقرار كيفية تشغيل السدود، فقد قامت إثيوبيا بإرادتها المنفردة في قفل سد تكزي على نهر ستيت– الذي ينبع من إثيوبيا، منذ نوفمبر الماضي بصورة منفردة مما جفف كثير من الأراضي اسفل النهر، ثم قامت في اوائل يونيو الماضي وبصورة أحادية أيضًا بإخطار وزارة الري في السودان أنها ستقوم بفتح السد لتمرير 2. 5 مليار متر مكعب خلال أسبوعين فقط مما حدا بالوزارة أن تخطر عبر الإعلام الساكنين على ضفاف نهر ستيت بإخلاء مواقع سكنهم خلال 72 ساعة، ولكم أن تتصوروا قدر الترويع الذي وقع على هؤلاء المواطنين. ايضا في يوليو الماضي عملت إثيوبيا على ملء سد النهضة للعام الاول بمقدار 5 مليارات متر مكعب، من غير أي اخطار مما تسبب في انخفاض مناسيب النيل الازرق فجأة وخروج العديد من محطات مياه الشرب عن الخدمة لأكثر من 3 أيام في مدينة الخرطوم علمًا بأن الآثار الاقتصادية والسياسية التي ترتبت على ذلك كانت كبيرة وقد كان العالم كله شاهد على ذلك. وأخيرًا أرسل لنا وزير الري الإثيوبي خطابًا بتاريخ 5 يوليو الجاري يؤكد إصرارهم على الملء للعام الثاني على التوالي. إن إثيوبيا عرضت لنا بوضوح كيف تتصرف إزاء المواطنين السودانيين في حال عدم وجود اتفاق قانوني ملزم دون مراعاة لحقوق الجيرة وتستعمل قدرتها المنفردة في إدارة السدود المقامة على أراضيها في تهديد أمن وسلامة المواطن السوداني. بالنسبة لحماية السدود السودانية: فإن سد الروصيرص الرملي الذي يبعد 100 كيلومتر من سد النهضة هو أقل من عشر حجم سد النهضة من حيث السعة الاستيعابية للمياه وهو السد الذي يروي 70% من مشاريع السودان الزراعية المروية سوية مع السدود الأخرى والتي تقوم بتوليد ما يقارب 40% من كهرباء السودان، وعليه ما لم تتوفر المعلومات بصورة راتبة ومنتظمة عن الكيفية التي يتم بها ملء وتشغيل سد النهضة فإن سلامة سد الروصيرص تكون في خطر كبير، كما أن قدرته على توليد الكهرباء وتوفير المياه للمشاريع الاستراتيجية الضخمة في مشروع الجزيرة والمشاريع الأخرى التي يعول عليها السودان في أمنه الغذائي واستثماراته الزراعية تكون عرضة للضياع والفشل. بالنسبة لحماية أمن السودان الاستراتيجي: كما أسلفنا فإن 70% من مشاريع السودان الزراعية المروية القائمة حاليًا تعتمد على سدود السودان القائمة على حوض نهر النيل الازرق. لذلك فإن الاطلاع على كيفية ملء وتشغيل سد النهضة أمر حيوي لتنظيم تشغيل سد الروصيرص ليتمكن السودان من التخطيط الحالي والمستقبلي لمشاريعه الزراعية. كما تعلمون فإن السودان اليوم انفتح على العالم بعد نجاح ثورته العظيمة التي افتداها الشباب السوداني بدمائهم وقادتها نساء السودان ورجاله بشجاعة ومثابرة أبهرت العالم. وقد تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بإنهاء ثورة الشعب السوداني من الحكم الشمولي الذي روع أهل السودان واستهدف مجموعاته السكانية في دارفور والمنطقتين وفي شرق السودان، ولم تنجو من أفعاله الإجرامية أي من أقاليم السودان. وقد احتفى العالم بهذه الثورة العظيمة التي تسير بشراكة مدنية عسكرية تشكل النموذج السوداني المتفرد والتي عكفت على الوصول بالسلام عبر اتفاقية جوبا وتواصل العمل من أجل تكملة مسارات السلام ويتولي دكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء رئاسة منظمة الإيقاد التي يعمل السودان عبرها لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي في شرق إفريقيا وفي دول جواره في غرب إفريقيا. قد أجرى السودان إصلاحات اقتصادية عميقة إيمانًا بتعاونه مع العالم إذ احتفت فرنسا في مؤتمر باريس بعودة السودان للمجتمع الدولي وقدمته بصورة بهية للعالم مبينة انفتاح السودان على العالم للتعاون البناء والشراكات الذكية في كافة المجالات، والتي تمثل الاستثمارات الزراعية فيها القدح المعلى. لذلك فإن استهداف تعطيل قدرات السودان الزراعية بفرض هيمنة إثيوبيا الأحادية المنفردة على كيفية ملء وتشغيل سد النهضة يعد أمرا بالغ الخطورة ومهددا كبيرا لهذا المستقبل القريب والممكن والذي لاحت أنواره وصعد نجمه خاصة فيما يتعلق بالنهضة الزراعية للسودان وتوسيع رقعة المشاريع الزراعية الاستراتيجية فيه.

جارتنا إثيوبيا التي تشاركنا معها السراء والضراء تتميز علاقتنا بهم بخصوصية اتسمت طوال تاريخها المديد بالتعاون والتعاضد ورعاية المصالح المشتركة وتقوية الأواصر الأخوية للشعبين الشقيقين، الامر الذي يحتم علينا سويا أن نمضي بهذا الامر إلى نهايات مرضية تحفظ هذه العلاقات الأزلية.

السيد الرئيس؛

انطلاقًا من قناعتنا بالتعاون الاقليمي، فقد شارك السودان بحسن نية وفعالية، في جميع جولات التفاوض الثلاثية حول سد النهضة الإثيوبي، منذ انطلاقها، في العام ٢٠١١م وحتى اليوم. وهنا لا بد وان نشير إلى مجهودات السودان الكبيرة في إقناع جارتيه الشقيقتين مصر وإثيوبيا لتوقيع إعلان المبادئ في الخرطوم في مارس 2015. وبعدها مبادرة السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في يونيو 2020 والتي هدفت إلى مواصلة التفاوض حول القضايا الخلافية (المحدودة) المتبقية، بعد جولة واشنطن المنتهية في بدايات 2020. استجاب السودان لمبادرة السيد رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، ورئيس الاتحاد الإفريقي، في دورة العام ٢٠٢٠، بمعالجة الملف داخل البيت الإفريقي ايمانا منا بشعار (الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية)، وشارك السودان في كل جولات التفاوض بفعالية، والتي استمرت لأكثر من نصف العام، إلّا أن عدم تحسين آلية التفاوض بإعطاء دور أكبر للخبراء أدت، مرةً أُخرى، إلى عدم التوصل لاتفاق. ثم واصل السودان انخراطه الإيجابي، وشارك في الجولة الأخيرة التي دعا إليها السيد رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي وقدم السودان مقترح تعزيز آلية التفاوض الإفريقية بتحويلها إلى وساطة بقيادة الاتحاد الإفريقي ومشاركة كل من الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، جنوب إفريقيا (الثلاثة الأخيرين كانوا مراقبين في المفاوضات السابقة). ولذات الأسباب المتعلقة بتصلب الموقف الإثيوبي، ورفضه لكافة المقترحات التي قُدمت، فقد انتهت هذه الجولة دون التوصل للاتفاق المنشود.

السيد الرئيس؛؛ نأمل من المجلس الموقر الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلم الإقليمي، بشكلٍ وقائي، وذلك بتعزيز مسار التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي عن طريق:

– دعوة الأطراف إلى استئناف التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي مع اضطلاع المراقبين والوسطاء الدوليين بأدوار تيسير ووساطة تساعد الأطراف على التوصل لاتفاق، وذلك وفق إطار زمني محدد.

– دعوة إثيوبيا بعدم اتخاذ خطوات أُحادية دون اتفاق تعمل على تهديد ملايين السكان خلف سد النهضة. وقبل الختام فإنني أود أن أقول بوضوح لا لبس فيه أن الأمر المطروح أمامكم هذا قضية عادلة والمطلوب منكم فيها دعم وتعزيز مسار ماثل فيه تعثر ويمكنكم مساعدة هذا المسار بيسر وبدون تكاليف وذلك برفع العنت والمعاناة عن شعب السودان الباسل بأن يتم ملء وتشغيل سد النهضة بناءً على اتفاق قانوني ملزم وشامل. أما صمت المجلس سيرسل رسالة خاطئة بأن الملء الأحادي المضر بمصلحة السودان وشعبه أمر مقبول وستكون له مآلات وخيمة.

السيد الرئيس؛ ختامًا، إننا وبعد أن وضعنا أمام مجلسكم الموقر، هذا الأمر بكل تداعياته الخطيرة والسيادية والقانونية والأمنية والإنسانية، وكونه مهددا خطيرا للامن والسلم الدوليين ومن ثم تحديًا مباشرا لولاية مجلسكم الموقر بنص ميثاق الامم المتحدة نكون قد وضعنا المجلس امام فرصة عمل إجراءات استباقية تاريخية نادرة لتولي مسؤولياته في هذا الصدد بمختلف وسائل وإجراءات الدبلوماسية الوقائية من خلال اعادة الاطراف إلى طاولة التفاوض وتعزيز واستكمال المسار الإفريقي الذي ارتضته الاطراف واعطاء دور اكبر للميسرِين الدوليين في اطار تقوية الشراكة بين الامم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

السيد الرئيس؛؛ في الختام نجدد التأكيد على التزام السودان الصادق بالمشاركة، بحسن نية، في أي جهود من شأنها أن توصل الأطراف إلى الاتفاق الملزم الذي يحقق مصالح الأطراف الثلاثة.