لمى أبو النجا تكتب.. الأبطال لا ينتصرون

111

عنوان قد يبدو متشائم أو سلبي للوهلة الأولى ، لكننا دائما ما نميل لفكرة أن الخير يعم و الشر
يخص و أن الإنسان يلقى الجزاء على صلاح أعماله و على حسن سلوكه فنمضي منتظرين أن ما
قدمناه من خير في الناس سوف يعود لنا بالامتنان أو بقليل من العرفان..

هناك طبيعة في النفس البشرية متأصلة ومتجذرة بقوة وهي الطمع، الإنسان فطر على الطمع
والجشع و حب الناس و المال والشهوات ولهذا نشهد تلك التحولات المفجعة والصادمة في حال حصل
الشخص على ثروة هائلة أو شهرة واسعة أو تولى منصب جديد، يتحول ذلك الإنسان الطيب والخير
واللطيف إلى شيطان مصغر يدفع كل ما يملك وكل ما يلزم لتضخيم ثروته أو تخليد اسمه فقط في
رؤوس الناس أو البقاء في منصبه..

إن أبشع الجرائم إن لخصنا مسبباتها الحقيقية هي إما “خلاف مالي ، او سلطة وسيطرة أو انتقام”

الخير والشر هي معضله تحدث عنها أكبر الفلاسفة على مر العصور ولا يوجد من استطاع حلها أو
الوصول لليقين منها رغم دراستهم وعمقهم في النفس البشرية ، ولكن هناك من تجرأ في الكشف
عن تلك الحقيقة بصورتها الواقعية والبشعة من دون طبطبة أمثال “إيميل سيوران ، نقولا ميكافيلي
و دستيوفيسكي” والكثير ممن خلدت أسمائهم حتى بدون قراءة كتاب واحد لهم..

قرأت كتاب “الأمير” لنيقولا ميكافيلي والذي وصف على أنه الكتاب الأكثر شرّاً وفساداً على مر قرابة
الأربعة قرون والذي من سوء طالعه كما وصف عدة مرات في كتابه قد نال شهرته منه فقط دون
عن كل مؤلفاته الأخرى وعلى إثره وضعت نظرية جديدة في الطب النفسي وسميت باسمه
“الميكيافيلية” وأصبحت توصف على أنها أحد أنواع الاضطرابات النفسية تارة ومنهج فلسفي تارة أخرى.

يقال أن معظم طغاة التاريخ كان لهم هذا الكتاب بمثابة الأجندة أمثال “ستالين وهتلر والإسكندر الأكبر”

ويتحدث الكاتب في هذه الأطروحة العظيمة عن السبل الصحيحة التي على الفرد أن يسلكها إذا أراد
أن يحكم بلاد أو أشخاص معينين ، كيف يجمع الحشود و يسير الجيوش في صالحه ..

أدهشني عمق فهم النفس البشرية عند ميكافيلي واستطاعة تأمل قوى الشر الذي تفنن في
عرضه هكذا خام بلا أي تزيين.

ولعلي أذكر سطرًا واحداً مما جاء في ذلك الكتاب والذي جعلني أن أتسمر في مكاني بما معناها
“إذا أردت أن تتحكم بإنسان فعليك تجريده من كل ما يملك والغدر به بالدرجة التي لا تكون لديه
قوة على الانتقام بعدها إذا احتللت شعباً فعليك بإضعاف أقواهم و أكثرهم صلابة”

بناء على نظرية المفكر السعودي الأستاذ إبراهيم البليهي في مدرسة “علم الجهل” والتي استفرد
بها دون اللحاق بأراء سبقته أو بنظريات تم طرحها قبله أن الجهل هو الأصل والعلم دخيل إن لم نحافظ
عليه فإننا نسقط بالجهل مرة أخرى وشبه ذلك الانسان بالطائرة في السماء العلم هو وقودها للإقلاع
وإن استنفذ فإن الحالة الطبيعية لها أن تسقط بفعل الجاذبية.

وهذا ما يفعله العلم والجهل بالعقل البشري.. وبالنسبة لي هذه النظرية تتطبق على الأخلاق كذلك
الشر هو الأصل والخير هو الدخيل والذي علينا بذل الكثير من الجهد لتأصيله..

تميزت الكثير من أرائي بالصرامة والصراحة الشديدة ولعلي في هذا انتهج نهج سقراط و هي “التجول
في الأسواق والأماكن العامة والتكلم مع الناس وتعليمهم عن طريق الصدمة في معتقداتهم”

المفكر يأتي بفكر جديد والمثقف ملم بكل شيء أما الفيلسوف فمهمته هي الهدم أولاً ، علينا أن
نهدم الأفكار السابقة كلا أردنا ترسيخ أفكار أخرى مثل بناء عماره جديده تتطلب دائما هدم الأسس
القديمة وبناء أسس أكثر صلابة تتناسب و طبيعة الأرض والعمران القائم.

علينا أن نعيش الحياة بتقبل الجانبين فيها بعيدا عن المثالية المفرطة لأن الشرور تبدأ من الرغبة
والإحباط يبدأ من التوقعات الحالمة.

الأبطال لا ينتصرون دائما إلا في السينما و أفلام ديزني لاند.