نادية صبره تكتب.. ابتزاز سياسي

282

مرة أخرى تعود قضية الصحفي السعودي المثير للجدل (جمال خاشقجي) للواجهة مرة أخرى بعد ما يقرب
من عامين ونصف وبلغة السينما كلاكيت ثاني مرة ولكن هذه المرة بسيناريو مختلف ومخرج جديد هو
إدارة الرئيس (جو بايدن) بدء بالإفراج عن تقرير الاستخبارات الأمريكية عن هذا الملف وإرساله للكونجرس
وأعلن البيت الأبيض أنه فعل ذلك استجابة لضغوط من الكونجرس!! ثم تم إتصال هاتفي بين الرئيس بايدن
وجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم صرح بعدها الرئيس الأمريكي بأنه (أخبر العاهل السعودي أنه يتعين
عليهم معالجة ملف حقوق الإنسان إذا أرادوا التعامل معنا).. متناسياً أن المملكة هي شريك استراتيجي
مهم لأمريكا وهي أحد أركان علاقات أمريكا في الشرق الأوسط).

ثم تم الإعلان عن قانون سيتم سنه لا يقبله العقل والمنطق يسمى (قانون حظر خاشقجي) الهدف منه
وضع عقوبات على شخصيات سعودية متورطة في ملف خاشقجي من وجهة النظر الأمريكية أهم اللواء
(أحمد عسيري) نائب رئيس المخابرات السعودية السابق وكذلك وضع قيود على تأشيرات الدخول لـ76
سعودياً قيل أن الهدف منها منع أقدام هؤلاء من أن تطئ التراب الأمريكي…!

بداية.. التباكي على خاشقجي الآن وبعد إسدال الستار على هذه القضية وإصدار القضاء السعودي أحكام
نهائية على المجموعة المنفذة وهي إجراءات كافية وشافية.. أراها محاولة فجة وإبتزاز سياسي للمملكة
العربية السعودية فعلها الرئيس السابق (دونالد ترامب) بالتلميح واليوم يفعلها الرئيس (بايدن) بالتصريح
مع أن هناك أقلية (الإيجور) المسلمة في الصين وما يرتكب في حقها من إنتهاكات وجرائم الاحتلال الاسرائيلي
ضد الشباب الفلسطيني الأعزل الذي يُقتل يومياً بدم بارد وأقلية الروهينجا وغيرها نماذج متعددة تستحق
أن تذرف عليها الولايات المتحدة الدمع الغزير إذا كانت حقاً تسعى لتحقيق العدل والمساواة وحريصة على
حقوق الإنسان كما تدعي.

ثم جاء التصريح الغريب والغير مفهوم وبه تناقض واضح من وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن):
(أن العلاقة مع السعودية مهمة ومستمرة وبيننا مصالح كبيرة وأمريكا لا تزال ملتزمة بالدفاع عن
المملكة ولكن هناك ضبط إيقاع الهدف منها ليس إحداث تصدع في العلاقات ولكن إعادة ضبطها لتكون
أكثر إنسجاماً مع مصالحنا وقيمنا)!!

ثم جاء تصريح آخر للخارجية الأمريكية: (الهدف من إجراءاتنا هو صيانة علاقتنا بالسعودية بشكل جديد
مستقبلاً وفق معطيات وواقع جديد في المقام الأول والمحاسبة وحقوق الإنسان).

أولاً: مفهوم أن العلاقة السعودية الأمريكية لا تزال مهمة والحديث عن ضبط العلاقة يشير إلى تغير في
النسق الديمقراطي عن الجمهوري وفي نفس الوقت هي رسالة إلى الداخل الأمريكي بأن (بايدن) غير
السياسات وهذا شيء لا يعني السعودية ولا يعطي دلالة سياسية معينة فمن الطبيعي أن تتغير السياسات
من إدارة إلى أخرى كما قالت رئيسة الاستخبارات الأمريكية.

ولكن لا أفهم عن أي قيم يتحدث (بلينكن) لقد رأينا القيم الأمريكية بوضوح يوم السادس من يناير
الماضي أثناء اقتحام مبنى الكونجرس وقبلها في حادث مقتل (جورج فلويد) وغيرها من الأمثلة التي
تثبت بأن أمريكا ليست مثالية في معاملتها مع مواطنيها.

كما أن سجل أمريكا بما يسمى حقوق الإنسان ليس سجل ناصع يكفي لتعطي دروساً على الدول الأخرى
كالمملكة وغيرها وكان الأولى على صانع السياسة الأمريكية أن يُدرك أن أمريكا لم تعد بلد قطبي في
الساحة الدولية.. نعم هي تصدرت المشهد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق وعشنا عصر الهيمنة
الأمريكية لكن الآن الساحة ليست خالية لأمريكا وحدها وأن هناك صراع دولي على النفوذ في المنطقة
وتنافس جيوسياسي أمريكي صيني فالصين لن تسمح لها بالهيمنة على المشهد الدولي وكذلك
روسيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر أمريكا عبئ عليها لا أكثر.

ثم أن طرح إدارة بايدن به رعونة لا تنسجم مع الشراكة الاستراتيجية ومطلوب تحليل السلوك الأمريكي
الجديد خاصة السياسة الخارجية التي يغلب عليها عدم الوضوح بل والإرتباك والتخبط وتعطي صورة ضبابية
حول من هم الأعداء، ومن هم الشركاء الحقيقين؟

ثم من قال أن المملكة ليس لديها ثقافة تحمل قيم ومبادئ وحقوق الإنسان وبها قوانين وأعراف ليس
من حق الطرف الآخر مهما كانت الشراكة أن يتدخل فهذا نوع من الضغط والتدخل الغير مقبول في
الشئون الداخلية فترتيب البيت الداخلي خطوط حمراء لا يقررها إلا السعوديون أنفسهم نعم كل دولة
في العالم لديها أخطاء ولكن يجب احترام سيادة الدول وما يتعلق بأمنها القومي فأمريكا كسرت
القانون الدولي عدة مرات لحماية الأمن القومي الأمريكي.

ثم بالحديث عن الالتزام بالدفاع عن السعودية هل أوفت إدارة بايدن بالتزاماتها في الدفاع عن أمن
المملكة؟ بالعكس منذ إلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية وكأن أمريكا أعطتهم صك
الأمان في الهجوم على مطارات مدنية سعودية وتهديد حدود المملكة الجنوبية والتعدي عليها
بصواريخ الحرس الثوري وبأوامر إيرانية..

إن أكثر ما أعجبني هو رفض السعودية لتقرير الاستخبارات الأمريكية ووصفته بأنه غير مقبول ولم يأتي
بجديد.. كما أن التقرير أكد أنه لا علاقة لولي العهد السعودي الأمير (محمد بن سلمان) بالقضية ولا يوجه له إتهام..

واضح أن الرياض تتعامل بعقلانية شديدة وتتفهم جيداً أن هناك نوع من الإختلاف في المجتمع السياسي
الأمريكي فهو ليس طبيعة واحدة ولا رأى واحد كما أن سياسة المملكة واضحة مع الجانب الأمريكي
فهناك مصداقية في القرار السعودي وإلتزام تجاه قضايا السلم والأمن والطاقة ومكافحة الإرهاب
الذي أبلت فيه المملكة بلاءاً حسناً بنسخ مختلفة مع إدارات جمهورية وديمقراطية وكذلك تعاطي
المملكة في القضايا الإنسانية فقد أنفقت فقط على المساعدات الإنسانية لليمن ما يقرب من 18
مليار دولار.. وفي كل المناسبات الإنسانية هي حاضرة وبقوة.. لذا فالعلاقات الأمريكية السعودية ستبقى
قوية ومتينة خاصة مع استمرار ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان) في اتخاذ خطوات ملموسة
لتحديث وتطوير المجتمع السعودي وتنميته..

ولقد سبق أن واجهت المملكة تلك المواقف وكانت تحمل عبارات أشد من ذلك إبان أحداث الحادي عشر
من سبتمبر واستطاع صانع السياسة السعودي أن يتخطاها.. لذا فالعلاقات الأمريكية السعودية سوف
تتجاوز أي عقبات وهذه التسريبات الاستخباراتية هي مجرد منعطف سيمر دون تأثير على العلاقات
الحقيقية الأساسية لأن المملكة هي صانع السياسة في المنطقة وهناك إحتياج أمريكي للشراكة
معها في القضايا العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية ومقاومة الإجراءات الإيرانية المزعزعة
للاستقرار فالسعودية هي الأقدر على فهم الطبيعة الإيرانية أكثر من الطرف الأمريكي وكذلك فهم
الأبعاد الإيدلوجية والسياسية وهناك أيضاً تطابق في الموقف السعودي الأمريكي في الملف اليمني
هذا بالرغم من أن المملكة لديها شراكات دولية أخرى وخيارات واقعية فالمشهد الروسي السعودي
خطى خطوات عملية كبيرة كما أن هناك عرض صيني لبيع الأسلحة للملكة ولدولة الإمارات العربية
الشقيقة.. ولو أن هناك أي بعد نظر أمام صانع السياسة الأمريكي عليه أن يستثمر الشراكة الاستراتيجية
ذات البعد التاريخي مع المملكة وأن يستثمر في أمن واستقرار المنطقة وأن يعلم مدى تأثير السعودية
في الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي.