الطقطوقة الجبلية حين يبوح الجبل بأسراره أنغاما وحكايات

37

كتبت لنياء ابن احساين

في أعالي جبال مناطق جبالة بشمال المملكة المغربيىة حيث تختلط صخور الزمن بأصداء الرياح،تتردد أصوات الطقطوقة الجبلية أوالعيطة الجبلية بنغماتها المتميزة بين أنغام الفنون المتنوعة في المغرب ، فهي ليست فقط غناءًَ تراثيا بل ثقافة تعكس تاريخ المنطقة وتفاصيل الحياة اليومية ومقاومة النسيان؛هي فن البساطة والصدق حيث الكلمات تحاكي الهم والحلم والمقامات الموسيقية تلتف كمسالك الجبال تتصاعد تدريجيا ثم تهبط كأنها تروي أسرارا خبأها الجبل لقرون طويلة .
هناك لا تكتب الحكايات بالحبر بل تروى نغما،هي فن شعبي نسجته الذاكرة الشعبية في مناطق جبالة في القرى المحيطة بمدن شمال المغرب كتطوان ،وزان ، العرائش ، طنجة ، شفشاون ، تاونات، القصر الكبير وأصيلة. في قبائل أهل سريف وبني حسان والخماس وسوماتة وبني جرفط وبني زكاف وبني زروال وجبل حبيب .إلا أن الباحثين يعتبرون قبيلة بني عروس هي المنبع الرئيسي والأصلي للطقطوقة الجبلية، يؤدى باللهجة الجبلية حيث اللغة العربية الفصحى ممزوجة بالعامية في تميز فريد للكنة الجبلية المميزة لسكان الشمال الغربي تتميز الطقطوقة الجبلية بإيقاعاتها الخفيفة واستخدام آلات موسيقية كالطر والبندير والكمان والعود والعزف على آلة مصنوعة من ظهر السلحفاة تسمى” سوسين”ولشبابة وهي قصبة للنفخ أكبر من الناي والرباب العربي”ذو وترين اثنين”،لحنها بسيط لكنه عميق يتكرر بإيقاع هادئ و متوازن موضوعاتها لا تخرج عن الغزل والحنين ووصف الطبيعة وذكر الجبال والوديان والسهول وأسماء القبائل الجبلية والفراق والإطراء على الشجاعة التي تكون مطلوبة في رجال القبائل وساداتها خلال الحقب المارة في تاريخ المغرب وذكر لأشهر الأحداث التاريخية التي عرفتها المناطق الشمالية، كما ساهمت بشكل كبير في مقاومة الاستعمار الإسباني وإيقاظ الروح الوطنية.
كما لم تغفل الطقطوقة ذكرأولياء الله الصالحين الذين لا تخلو منهم أي مدينة أوقرية مغربية،إلى جانب التغني بالغزل والمرأة حيث ذكر لاسم شامة الذي يضاهيه اسم ليلى في الشعر العربي.
يمثل هذا النوع من الموسيقى ذاكرة حية للمنطقة الشمالية، حيث يتم تناقله شفهيا من جيل لآخر ويشكل حلقة وصل بين الماضي والحاضروبين القرية والعالم الحديث. تولد من رحم الطبيعة وتشبه تضاريس جبال الشمال المغربي لها ثلاثة أنماط غنائية أساسية هي نقل الخبر وانتقاد الوضع وهما نمطان من صنف العيطة والثالث وهو التغني بالطبيعة والغزل المقتبس من الأنماط الأندلسية المعروفة في هذا المجال ونطاقها الصوتي من ثلاث إلى أربع درجات،ونوع “جهجوكة
جزءمنها وجهجوكة هي قرية جبلية تقع قرب مدينة القصرالكبير، سميت بالطقوقة بسبب إيقاعها الموسيقي(طق طق)
بينما يرى العديد أن تلك التسمية ترتبط بطلقات البنادق خلال احتفالات الانتصارات والحفلات والمناسبات التي تعزف فيها الطقطوقة ولا تكتمل إلا برقصة مصاحبة لها خصوصا رقصة الحصادة التي تحاكي قيام الفلاحين بحصاد القمح.
لم تنفصل المرأة الجبلية عن الطقطوقة بل كانت جزءً منها؛ تتماهى الحناجر مع روح الجبل وتستخدم غنائها للتعبير عن مواقف يصعب قولها علنا لذا يمكن قراءة هذا النوع من الفن على أنه وثيقة نسوية شفهية ومتنفس وجداني لقضايا المرأة في مجتمع تقليدي يصعب فيه تقبل تمرد المرأة فمثلت بأدائها صوت الأرض والأمل والمعاناة ، المرأة في الطقطوقة لا يمكن فصلها عن مكانة الرجل في المجموعة الغنائية التي تضيف على النوع الغنائي لباسها المأخوذ من أناقة الجبل وروح التراث والهوية ” الطرابق والشاشية والمنديل والكرزية” لباس يعبر عن كبرياء المرأة الجبلية واحتفائها بتراثها الأصيل. أما الرجل فيتميز لباسه بالجلابة الجبلية الواسعة والقصيرة والرزة المغربية (العمامة).
من روادها الذين أغنوا أرشيف هذا الفن الجبلي محمد العروسي،وشامة الزاز أحمد الكرفطي وعبد المالك الأندلسي وحاجي السريفي.
لم تبقى الطقطوقة أوالعيطة الجبلية حبيسة الحدود المغربية بل وصلت للعالمية من خلال تمرير مشعل هذا التراث إلى الشباب المتشبع بروح هذا الفن من بين فنون كثيرة تتميز بها مناطق المغرب وتحاول الفرق الغنائية الجمع بين أصالة الموروث وحداثة الأداء.
الطقطوقة ليست مجرد نغمة تطرب السمع بل هي مرأة تعكس عمق الثقافة الجبلية المغربية ،ونبض الحياة في جبال الشمال وبين اللحن والكلمة تظل شاهدة على قدرة الفن الشعبي في مقاومة النسيان وفي خلق الجمال من البساطة ونسج خيوط الارتباط بالانتماء والهوية في أصوات النساء والرجال الذين جعلوا منها مسرحا للفرح والحنين وسردية الجبل التي لم تكتبها الكتب .