د. ماك شرقاوي يكتب: محاولة عزل ترامب.. لماذا فشلت؟ وماذا بعد؟

2

موضوع حلقتنا اليوم هو: محاولة عزل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولماذا فشلت هذه المحاولة داخل أروقة الكونغرس؟

في مفاجأة سياسية لعدد كبير من المراقبين، رفض مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة إجراءات عزل ترامب، حيث صوت 344 نائبًا ضد العزل، مقابل 79 نائبًا فقط أيدوا المضي قدمًا في الإجراءات. هذا الرقم لا يعكس مجرد تصويت عادي، بل هو إشارة واضحة إلى التوازنات السياسية المعقدة داخل الكونغرس الأمريكي، والاعتبارات التي تتجاوز الانتماءات الحزبية.

ما هي إجراءات عزل الرئيس في أمريكا؟
في النظام السياسي الأمريكي، عزل الرئيس لا يعني مجرد تصويت ضده، بل هو عملية دستورية معقدة تتطلب مرورًا بعدة مراحل:

المرحلة الأولى تبدأ من مجلس النواب، حيث يتصرف أعضاؤه كأنهم “النيابة العامة”، يقومون بإعداد مواد الاتهام بعد تحقيقات وتقييم للوضع القانوني والدستوري. إذا صوّتت أغلبية بسيطة (50% + 1) من أعضاء مجلس النواب لصالح توجيه الاتهام، تُحال القضية لمجلس الشيوخ.

المرحلة الثانية تكون في مجلس الشيوخ، حيث يتم عقد محاكمة للرئيس، يحضرها رئيس المحكمة الدستورية العليا. هنا، لا يكفي الأغلبية البسيطة، بل يتطلب الأمر موافقة ثلثي الأعضاء (67 من أصل 100) حتى يتم العزل فعليًا.

هذه النسبة المرتفعة توضح مدى صعوبة تحقيق العزل في الولايات المتحدة، وقد فشلت محاولات سابقة مع رؤساء آخرين مثل أندرو جونسون، بيل كلينتون، ودونالد ترامب نفسه في فترته الأولى.

من قدّم مشروع العزل؟ ولماذا؟
المشروع الأخير الذي تم التصويت عليه قُدِّم من قبل شخصيات ديمقراطية بارزة مثل النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز والسيناتور بيرني ساندرز، الذي يُعتبر من رموز الجناح اليساري التقدمي في الحزب الديمقراطي. المحرك الرئيسي لهذه المبادرة كان ما اعتبروه تجاوزًا خطيرًا من ترامب لصلاحياته الدستورية، لا سيما فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية خارج تفويض الكونغرس.

الضربات الأمريكية الأخيرة التي تم تنفيذها ضد أهداف في إيران والعراق دون الرجوع إلى الكونغرس، كانت محور الاتهام الأساسي، حيث استند المشرعون إلى قانون سلطات الحرب (War Powers Resolution)، الذي يمنح الكونغرس وحده سلطة إعلان الحرب أو الموافقة على العمليات العسكرية الكبرى.

لكن لماذا فشل المشروع؟
رغم الحماسة التي ظهرت من بعض النواب الديمقراطيين، إلا أن التصويت كشف عن انقسام داخلي عميق داخل الحزب الديمقراطي نفسه. فقد صوّت 128 نائبًا ديمقراطيًا ضد العزل، ما يعكس تحفظًا من جانبهم على الدخول في معركة سياسية شرسة دون قاعدة قانونية صلبة. فشل المشروع لا يعني فقط انتصارًا لترامب، بل انتكاسة سياسية لقيادات الحزب الديمقراطي.

كما أن الجمهوريين – بطبيعة الحال – وقفوا صفًا واحدًا مع ترامب، الذي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة داخل قاعدته الحزبية، مما جعل جمع ثلثي أصوات مجلس الشيوخ في حكم المستحيل.

البُعد العسكري والسياسي: ما الذي حدث في إيران؟
جزء كبير من الأزمة يرتبط بقرار إدارة ترامب شن ضربة عسكرية مفاجئة ضد أهداف إيرانية، باستخدام 7 قاذفات استراتيجية من طراز B-2 Spirit، بالإضافة إلى 125 طائرة عسكرية أخرى، بما في ذلك مقاتلات حماية، وطائرات تزويد بالوقود، ومرافقة لوجستية.

هذا التحرك العسكري كلّف – بحسب تقديرات غير رسمية – بين 1 إلى 2 مليار دولار، وهو ما أثار تساؤلات قوية داخل الكونغرس: هل كان هناك تهديد حقيقي يستدعي هذه الضربة؟ أم أنها كانت مجرد رسالة سياسية مغلّفة بمشهد عسكري؟

بعد 48 ساعة فقط من تنفيذ الضربة، توقفت العمليات فجأة، وتحدث ترامب عن “إعطاء إيران فرصة للرد”، في مشهد وصفه الكثير من المحللين بـ”المسرحية الهزلية”. تصريحات ترامب التي سبق وأن وعد فيها برد قاسٍ في حال أي استهداف لمصالح أمريكية لم تتحقق، مما أعطى انطباعًا بأن العملية كانت استعراضية أكثر منها دفاعية.

الرد الداخلي: هل استفاد ترامب؟
يمكن القول إن فشل محاولة العزل عزز من موقف ترامب سياسيًا، وأظهره بمظهر من “نجا” من هجوم سياسي غير محسوب. القاعدة الجمهورية احتفت بالقرار، وتم تصويره كـ”محاولة فاشلة للنيل من رئيس شعبي”، وهو ما يمنح ترامب دفعة في استعداداته للانتخابات النصفية 2026 وربما الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لكن في المقابل، تصاعدت أصوات داخل أمريكا تحذر من التهاون في ضبط الصلاحيات الرئاسية، خصوصًا تلك المتعلقة باستخدام القوة العسكرية، والرقابة على قرارات الأمن القومي.

هل هناك جولات أخرى لعزل ترامب؟
ربما. فمحاولة اليوم ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. في ولايته الأولى، خضع ترامب لمحاولتين للعزل: الأولى تتعلق بالتدخل الروسي، والثانية بممارساته السياسية تجاه أوكرانيا. كلتاهما فشلتا، لكنه خرج منهما محملًا بالانتقادات والشكوك.

من غير المستبعد أن تظهر محاولات مستقبلية، خصوصًا إذا تصاعدت الأزمة مع إيران أو تم الكشف عن مخالفات دستورية أخرى.

ما دلالة هذا التصويت على المشهد الأمريكي؟
هذا التصويت يحمل العديد من الرسائل:

أولًا: هناك توازن سياسي دقيق داخل الكونغرس، يجعل من المستحيل تمرير قرارات كبرى دون توافق بين الحزبين.

ثانيًا: الحزب الديمقراطي يعاني من انقسامات داخلية قد تؤثر سلبًا على فرصه في الانتخابات القادمة.

ثالثًا: ترامب، رغم كل الجدل، ما زال يتمتع بقدرة كبيرة على المناورة السياسية، ولديه قاعدة صلبة في الداخل الأمريكي.

في الختام…
المعركة مستمرة. الكونغرس لم يُنهِ بعد كل خلافاته مع ترامب، وملف إيران لا يزال مفتوحًا، وكذلك العلاقة المتوترة بين السلطة التنفيذية والتشريعية.

هل نشهد مزيدًا من محاولات العزل؟
هل تتعافى الديمقراطية الأمريكية من أزماتها المتكررة؟
هل ينجح ترامب في فرض رؤيته الأمنية والعسكرية رغم المعارضة المتزايدة؟
هذا ما سنتابعه في الحلقات المقبلة.

د.ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة :