شحاتة زكريا يكتب : سيناريوهات مشتعلة على خط النار .. تحولات الصراع في غزة ولبنان وملامح المستقبل
مع مرور الوقت واقتراب الحرب في غزة من إتمام عامها الأول ، نجد أنفسنا أمام مشهد معقد لا يبدو أن نهايته قريبة. لم تعد المعارك محصورة في حدود قطاع غزة بل توسعت لتشمل جبهات جديدة ، أبرزها جنوب لبنان هذه الحرب الدائرة لا تشبه أية مواجهات سابقة بين الأطراف المعنية فهي ليست فقط مواجهة بين إسرائيل وحماس ، بل هي صراع إقليمي يحمل بين طياته جذورا أعمق وتحديات أكبر.
إن الخطوات التي اتخذتها إسرائيل في لبنان تشير إلى رغبة واضحة في تغيير قواعد اللعبة. عمليات الاغتيالات والاختراقات التي نفذتها تل أبيب مؤخرا داخل الأراضي اللبنانية تعد مؤشرا على أن إسرائيل تسعى لفرض واقع جديد .. لكن هذا الواقع لا يقتصر فقط على الصراع التقليدي مع حزب الله؛ بل يعكس تحولا أكبر في الاستراتيجية الإسرائيلية ، حيث تلوح مواجهة إقليمية مباشرة مع إيران في الأفق.
حرب الوكالة إلى مواجهة مباشرة
لطالما كانت إيران لاعبا رئيسيا في هذا الصراع ، ولكن عبر أذرعها المحلية كحماس وحزب الله. اليوم يبدو أن إسرائيل تهدف إلى نقل المعركة مباشرة إلى طهران وإنهاء حقبة الحروب بالوكالة. مع تصاعد التوترات وعمليات الاغتيال، خاصة مقتل قيادات مهمة من حزب الله، يتساءل الكثيرون: هل نحن على أعتاب حرب إقليمية كبرى؟ أم أن هذا التحرك هو مجرد جزء من تكتيكات إسرائيل لزيادة الضغط على إيران ودفعها للتفاوض أو الاستسلام؟
الأمر الذي يزيد من تعقيد الصورة هو أن نتنياهو رغم تصعيده العسكري في لبنان وغزة ، لا يسعى لفتح جبهات جديدة ، وإنما يحاول عبر هذه المناورات تحسين موقعه الاستراتيجي. والهدف من وراء ذلك ربما يكون تقسيم الجبهات ، أو على الأقل إجبار الأطراف الأخرى على الدخول في مفاوضات على شروطه.
مصر: الجهد الدبلوماسي لإنقاذ المنطقة
في وسط هذه الفوضى تواصل مصر جهودها الدبلوماسية المكثفة لتجنب كارثة إقليمية جديدة. تسعى القاهرة منذ اندلاع الحرب إلى توحيد الفصائل الفلسطينية ، وإيجاد مسار سياسي يحول دون تدهور الأوضاع إلى حرب إقليمية شاملة. فمصر بخبرتها الطويلة في التعامل مع النزاعات الإقليمية تدرك جيدا أن استمرار هذه الحرب لن يجر سوى المزيد من الدمار ، ليس فقط على غزة ولبنان ، بل على المنطقة بأسرها.
تعمل مصر على صياغة حلول دبلوماسية بالتعاون مع الأطراف الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة وقطر بهدف دفع الجميع نحو طاولة المفاوضات. ليس الهدف فقط وقف إطلاق النار ، بل تحقيق تسوية مستدامة تضمن حقوق الفلسطينيين وتجنب المنطقة صراعات مستقبلية.
المأزق الإقليمي والدور الأمريكي
في الوقت الذي تحاول فيه مصر حشد الدعم الدولي للحل السياسي ، تقف الولايات المتحدة في موقف صعب. من جهة ، تدعم إسرائيل في حربها ضد حماس وحزب الله ومن جهة أخرى ، تحاول تجنب الانجرار إلى مواجهة إقليمية مع إيران. إدارة بايدن تدرك جيدا أن أي تصعيد في لبنان قد يدفع المنطقة بأكملها نحو حرب لا تُحمد عقباها ، لذا تعمل على تهدئة الأوضاع من خلف الكواليس.
ومع ذلك لا يزال الغموض يكتنف كيفية تصرف الأطراف المعنية في هذه المرحلة الحرجة. هل ستنجح الجهود الدبلوماسية في إنهاء هذا النزاع قبل أن يتحول إلى حرب شاملة؟ أم أن المصالح المتعارضة ستظل عقبة أمام الحل؟
قراءة في المستقبل
لا شك أن ما يحدث الآن هو نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي-الإسرائيلي. هذا التحول لا يتعلق فقط بالمواجهات العسكرية، بل هو تحوّل أعمق في موازين القوى الإقليمية. الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران لم يعد مجرد احتمال؛ بل بات واقعا يفرض نفسه على الساحة السياسية والعسكرية.
وفي هذا السياق ستظل مصر تلعب دورا حاسما في صياغة معادلات الحلول ، بالتنسيق مع القوى الدولية. وإذا كانت إسرائيل تسعى لحسم الصراع بالقوة العسكرية فإن مصر ومن خلفها الدول الكبرى تعي تماما أن الحل النهائي لهذا الصراع يجب أن يكون سياسيا، ليس فقط لحفظ ماء وجه الأطراف بل لضمان استقرار المنطقة على المدى الطويل.
وفي الأخير إننا أمام مرحلة حساسة للغاية ، حيث تتشابك فيها الحروب التقليدية مع تحولات كبرى في اللعبة السياسية الدولية. مصير غزة ولبنان بات مرتبطا بشكل وثيق بتحركات إقليمية ودولية معقدة ، تجعل من الصعب التنبؤ بما سيأتي. ولكن المؤكد أن العالم بأسره يراقب بقلق فيما تواصل مصر مساعيها لانتشال المنطقة من حافة الهاوية، وتحقيق الاستقرار عبر مسارات سياسية قد تكون هي الحل الأخير المتبقي.
شحاتة زكريا
باحث في علوم السياسة والاقتصاد
متخصص في تحليل المشهد السياسي