أسباب تجعل الاستثمار في العملات المشفرة محفوف بالمخاطر
مع تزايد إقبال المستثمرين على العملات المشفرة الرئيسة مثل “بتكوين” (bitcoin) والمجال المتنامي من المنتجات المالية المرتبطة بها، يجد المنظمون أنفسهم في سباق لوضع قواعد جديدة كي تجاري عالمًا سريع النمو.
وتعهّد المسؤولون في القطاع المالي الذين عينهم الرئيس الأميركي جو بايدن أخيرًا باتخاذ إجراءات صارمة إزاء أي تلاعبات أو انتهاكات في مجال العملات المشفرة، في حين أكد المدافعون عنها ضرورة وضع الحكومة قواعد واضحة ومتسقة ليتبعها الجميع.
وفي تقريره الذي نشرته صحيفة “ذا هيل” (The Hill) الأميركية، ذكر الكاتب سيلفان لين 5 أسباب رئيسة تدفع واشنطن لاتخاذ إجراءات بشأن العملات المشفرة.
ارتفاع الأسعار وتقلبها
ارتفعت أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية خلال عام 2020، وينطبق الأمر ذاته على أسعار العملات المشفره، فقد تضاعف سعر عملة البتكوين من نحو 7300 دولار في بدايات 2020 إلى ذروة تجاوزت حاجز 63 ألف دولار في منتصف أبريل/نيسان من العام الحالي.
كذلك شهدت العملات المشفرة البارزة الأخرى مثل “إثريوم” (ethereum) و”دوجكوين” (dogecoin) ارتفاعات مماثلة، فأشعل ذلك حماسة المستثمرين، بخاصة مع ارتفاع الأسعار وظهور داعمين بارزين مثل إيلون ماسك.
ولكن منحى الارتفاع تعثر بوجه كبير هذه الأيام في أعقاب سحب ماسك دعمه لعملة بتكوين فأدى ذلك إلى تراجع سعرها بنحو 30 ألف دولار -ما يعادل شهرين من النمو- وفقدان 40% من قيمتها منذ الجمعة الماضية.
وقالت لول ديميسي رئيسة “آلي إنفيست” (Ally Invest) إن “البتكوين مثلت حالة كلاسيكية لأي ميدان تجاري مزدهر سرعان ما اتخذ منحى معاكسا”.
وقفز المستثمرون من عملة مشفرة إلى أخرى بحثًا عن أكثرها جلبا للأرباح، وسارع حاملو أسهم العملات المشفرة إلى الفرار بأموالهم بعيدا عنها، في ظل خسارة العملات المشفره الرئيسة الثلاث نحو 30% أو أكثر من قيمتها الأصلية.
تكنولوجيا جديدة
إن البنوك وشركات الاستثمار الكبرى التي رفضت سابقًا العملات المشفره باتت الآن تقبلها بوصفها جزءا دائما من القطاع المالي، وهو ما يساعد على إضفاء الشرعية على هذه التكنولوجيا الجديدة المزدهرة.
وبعد أن سمح مكتب المراقب المالي للعملة للبنوك بالاحتفاظ بالعملة المشفره للعملاء، اتخذت بعض البنوك مثل “يو. إس. بنكورب” (U.S. Bancorp) و”بنك أوف نيويورك ميلون” (Bank of New York Mellon) و”سيتي بنك” (Citibank) خطوات لتقديم خدمات في قطاع العملات المشفرة.
وأعلنت مؤسسة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) المصرفية -التي كانت من أوائل البنوك الاستثمارية التي احتضنت العملة المشفرة- الشهر الحالي خطتها لتقديم منصة لتداول البتكوين وسط طلب مكثف على الرهانات المرتبطة بالعملات المشفرة، وأثار ذلك قلقا بين دوائر المشككين في القطاع.
وخلال جلسة استماع في مجلس النواب الأميركي الأسبوع الماضي أعرب القائم بأعمال مراقب العملات مايكل هسو عن قلقه من أن تلك المبادرات البنكية قد تم تنفيذها دون التنسيق الكامل مع جميع أصحاب المصلحة، ولا يبدو أنها كانت جزءًا من إستراتيجية أوسع تتعلق بالمحيط التنظيمي.
مصاعب النمو على المنصات
وبدأ لاعبو وول ستريت الأقوياء الانغماس في عالم العملات المشفره، في حين تواجه منصات التداول عبر الإنترنت والتطبيقات التي نمت مع طفرة العملات المشفره كثيرا من المطبات الفنية والسياسية.
وشهدت منصة “كوينباس” (Coinbase) -التي تعد أكبر منصة تداول للعملات المشفرة- وشركات أخرى أوقات انقطاع هذا الأسبوع خلال إجراء عمليات بيع العملات المشفرة.
وعمدت منصة “بينانس”(binance) للتداول إلى تقييد ما يقارب جميع عمليات تداول العملة المشفرة وسط هذه الفوضى، وتلقّت جراء ذلك ردًّا عنيفا من المستخدمين.
وأثارت التقلبات الشديدة في الأسعار والمشكلات الفنية مزيدا من الشكوك بين المشرعين الديمقراطيين إزاء مدى شرعية العملات المشفره وسلامتها كمنتجات استثمارية.
والأسبوع الماضي حثّ السيناتور الديمقراطي شيرود براون عن ولاية أوهايو -الذي يشغل منصب رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ- لجنة التجارة الخارجية على إلقاء نظرة فاحصة على القرارات التي اتخذها أسلافه للسماح لبعض الشركات بتداول العملات المشفره ولأمناء الحفظ بتقديم بعض الخدمات المصرفية على المستوى الوطني.
وقال براون إن “الشركة التي لا تستوفي الشروط الصارمة المطبقة على البنوك الأخرى يجب ألا يُسمح لها بتقديم نفسها للجمهور باعتبارها بنكا”، واصفا العملات المشفرة بأنها “محفوفة بالمخاطر وغير ثابتة”.
ولكن بيتر فان فالكنبورغ، مدير الأبحاث في مركز أبحاث العملات المشفرة، يعتقد أن جعل هذا المجال تحت إشراف مكتب المراقب المالي للعملة من المرجح أن يحمي العملاء السابقين لمثل هذه الشركات بدلا من استقطاب عملاء جدد.
مخاوف أمنية
ويرى بعض منتقدي العملات المشفرة أنها مجرد وسائل لغسل الأموال والاحتيال. ومع أنها بعيدة كل البعد عن الاستخدامات الحالية أو المحتملة، فإن الحالات البارزة للجرائم المتعلقة بالعملات المشفرة أثارت مخاوف بشأن الثغرات التنظيمية.
ولا تندرج صناعة العملات المشفرة في نطاق اختصاص أي دولة أو جهة تنظيمية فدرالية معينة، وذلك يجعل توحيد المعايير أو ردع الجرائم المحتملة عسيرا.
وفي حين إن الجهات التنظيمية للبنوك الفدرالية سوف تراقب كيفية تعامل الشركات التي تشرف عليها مع العملات المشفرة، لا توجد وكالة فدرالية واحدة تتمتع بسلطة تنظيم عمليات تبادل العملات المشفرة، وهذا ما يجبر كثيرا من الشركات على الحصول على شهادة من كل ولاية على حدة تندرج ضمن قائمة الهيئات المشرفة على تحويل الأموال.
مزيد من المال والضرائب
ومع ارتفاع عدد المستثمرين الذين يشترون مزيدا من العملات المشفره للحصول على مزيد من الأموال، كثفت مصلحة الضرائب الأميركية جهودها الرامية إلى توعية مالكي العملات المشفرة بالأعباء الضريبية.
وتسببت هذه الوكالة في إثارة ضجة في عام 2019 عندما حددت كيفية كشف مستثمري العملات المشفره عن دخلهم من الاستثمارات وأنه ربما سيكون هناك دفع ضرائب على أرباح رأس المال.
ولكن مصلحة الضرائب الأميركية واجهت سيلا من ردود الفعل العنيفة يوم الخميس الماضي بعد أن أعلنت أنه في إطار خطة الرئيس بايدن لتعزيز الامتثال الضريبي، سيتعين على الأفراد الإبلاغ عن تلقيهم عملة مشفره بقيمة سوقية تزيد على 10 آلاف دولار، مثلما يبلغون حاليا عن المعاملات النقدية.
وهوت قيمة عملة بتكوين بدرجة حادة بعد هذا الإعلان فأثار ذلك مخاوف من دفع فواتير ضريبية باهظة ومن محدودية نمو الأسعار في المستقبل بين صفوف المستثمرين.
وقال بيتر فان فالكنبورغ، مدير الأبحاث في مركز أبحاث العملات المشفره “ما دمنا نوفر معاملة متساوية بين النقد والعملات المشفرة، فإننا بذلك نقدم الوضوح المطلوب، وهذا يكاد يكون دائما أمرا إيجابيا”.