ألمانيا تخطط لإعادة بناء جيشها بميزانية خيالية

13

تواجه ألمانيا مهمّة صعبة لتحديث جيشها، وهو أمر تعهّدت القيام به غداة الغزو الروسي لأوكرانيا، نظرا لمعدّاته المتقادمة والبيروقراطية المتجذّرة والجنود الذين يفتقرون إلى الحافز.

 

وبعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم، تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس في خطاب تاريخي تخصيص ميزانية قدرها 100 مليار يورو للجيش، وزيادة الإنفاق السنوي على الدفاع ليشكّل أكثر من 2 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي.

 

وبينما ينعش الحديث عن زيادة الإنفاق العسكري قطاع صناعة الأسلحة، تسلّط فرانس برس الضوء على حال الجيش الألماني المعروف بـ”بونديس فير” وتنظر في الكيفية التي سيتم من خلالها توظيف الأموال فيما تسعى أكبر قوة اقتصادية في أوروبا لإعادة التسلّح في تحوّل تاريخي في سياستها.

 

– هل يمكن لألمانيا الدفاع عن نفسها؟ –

 

في الساعات الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، أحدث قائد الجيش البرّي الألماني ألفونس مايس هزّة عبر البلاد بإعلانه أن “الخيارات التي يمكننا عرضها على السياسيين لدعم (حلف شمال الأطلسي) محدودة للغاية”.

 

وكتب على شبكة “لينكد إن” الاجتماعية أن الجيش الألمانية “عارٍ تقريبا”.

 

بدورها، أعلنت مفوضة الدفاع الألمانية إيفا هوغل في آخر تقرير سنوي لها عن “بونديس فير” بأن الجيش في وضع “مقلق”.

 

وحاليا، لا يملك الجيش القدرة حتى على القيام بوظيفته الأساسية المتمثّلة بالدفاع عن ألمانيا في حال تعرّضها لهجوم، بحسب الخبير الدفاعي والنائب عن “الحزب الديموقراطي الحر” الليبرالي ماركوس فابر.

 

وأُنهك الجيش الذي تأسس عام 1955 جرّاء تدابير التقشف التي اتُّخذت على مدى سنوات.

 

ووفق تقرير نشر في كانون الأول/ديسمبر بشأن حال الجيش، فإن أقل من 30 في المئة من السفن التابعة للبحرية الألمانية “تعمل بشكل كامل”، بينما العديد من المقاتلات في وضع لا يسمح لها بالطيران.

 

أما بالنسبة للمعدات البرّية، فلا تعد غير 40 من 350 مركبة قتالية من طراز “بوما” “مؤهلة للحرب”.

 

وحتى وإن امتلك المعدات، لا يملك الجيش الألماني ما يكفي من الجنود لتشغيلها. فبوجود 180 ألف جندي في صفوفه (مقارنة مع 500 ألف عام 1990)، يعتبر عديد قواته أقل بآلاف عن الأعداد اللازمة لمواجهة أي غزو.

ما الذي يتعيّن إصلاحه؟ –

 

تعتقد هوغل أنه بدلا من الاكتفاء بإنفاق المال لشراء معدات جديدة، “ينبغي تحديث الخطط والهياكل التي تتم عبرها عمليات الشراء” أيضا لإحداث تغيّر حقيقي.

 

يقوم الجيش على أساس لا مركزي بترك الإشراف على بناء وإصلاح المباني للسلطات المحلية، ما يعني أن حتى أبسط المشاريع قد تستغرق سنوات.

 

وهناك العديد من الأمثلة لثكنات تفتقد إلى مرافق صحية ومقابس كهربائية ومياه ساخنة أو حتى مياه شرب. وفي إحدى الحالات، استغرقت عملية تجديد ثكنة 23 عاما.

 

وقالت هوغل في تقريرها “لا يؤدي ذلك إلى إحباط في صفوف الجنود فحسب، بل يؤدي أحيانا أيضا إلى فقدان الثقة في العملية السياسية”.

 

وواجه مكتب المشتريات المركزي ومقره كوبلنتس والذي يوظف حوالى 10 آلاف شخص، انتقادات لاعتباره بطيئا للغاية ومشتتا.

 

وقال فابر إنه “حتى بالنسبة لعمليات الشراء الأصغر، وضعت إجراءات مرهقة على مدى السنوات”.

 

وينتظر الجيش الألماني منذ سنوات الحصول على بنادق جديدة مكان تلك المتقادمة من طراز “جي36”. وطوّر العديد من المصنّعين أسلحة جديدة، لكن العملية متوقفة.

 

وأما قوة المشاة الجبلية التي تعد من قوات النخبة، فتحتاج بشدة إلى زلاجات جديدة، بينما كان يتعيّن منذ زمن طويل أيضا استبدال مظلات الجيش التي عفا عليها الزمن.

 

ولتحسين الوضع، تفكّر الحكومة في زيادة الإنفاق بما يفوق الحاجة لعرض مناقصات.

 

– ما الذي يتعيّن شراؤه؟ –

 

أعلنت ألمانيا بالفعل بأنها ستستبدل مقاتلاتها القديمة من طراز “تورنادو” بأسطول جديد من مقاتلات الشبح الأميركية “إف-35” وطائرات “يوروفايتر”، تكلّف كل منها حوالى 100 مليون يورو.

 

كما تراهن على مقاتلات “سكاف” الأوروبية على الأمد البعيد وتريد شراء مسيّرات مقاتلة من إسرائيل، وهو خيار كان الائتلاف الحاكم يرفضه إلى أن غزت روسيا أوكرانيا.

 

كما تسعى ألمانيا لشراء منظومة مضادة للصواريخ من إسرائيل يمكنها توفير غطاء حماية لها ولدول الاتحاد الأوروبي المجاورة.

وتبلغ كلفة نظام “آرو 3” Arrow 3 الإسرائيلي الذي تفكّر برلين بحيازته حوالي ملياري يورو (2,2 مليار دولار) ويمكن أن يبدأ تشغيله اعتبارا من العام 2025.

 

ويمكن تركيب نظام الرادار المقابل له في ثلاثة مواقع في ألمانيا لتنقل بيانات الرقابة التابعة له إلى موقع مركزي حيث يراقب الجنود الوضع تحسبا لأي تهديد على مدى 24 ساعة.

 

وفي حال رصد هجوم صاروخي، يتم إطلاق صاروخ “آرو 3” لاعتراض الصاروخ في الفضاء وتدميره هناك.

 

في الأثناء، هناك إمكانية حيازة “منظومة قتالية برية رئيسية” Main Ground Combat System، وهي دبابة أوروبية جديدة تستخدم في المعارك، لكن ليس قبل العام 2035.

 

سيتعيّن أيضا استبدال مروحيات النقل المستخدمة حاليا، على الأرجح بمروحيات “شينوك” الأميركية.

 

وفي المجمل، سيستغرق تطوير جميع معدات الجيش لتتوافق مع المعايير الحديثة “ما يصل إلى ثماني سنوات”، بحسب فابر، علما أن الأمر لا يروق لكثيرين في ألمانيا.

 

ووقّعت حوالى 600 شخصية عامة من سياسيين وشخصيات دينية وفنانين عريضة على الإنترنت الأسبوع الماضي للتنديد بما وصفوه “سباق تسلّح” وحذروا من أن الإنفاق في هذا المجال سيؤدي إلى خفض الإنفاق على قطاعات أخرى.