إلى متى سنستمر في القتل والتدمير ثم نقول “لماذا يكرهنا الجميع”؟

0

 

أعمال الشغب الذي قام بها المسلمون ضد مشجعي مكابي تل أبيب حدث خطير، كان يجب معالجته بشكل حثيث وقوي. الشرطة في هولندا لم تستعد بسرعة ولم تتخذ الخطوات المطلوبة للدفاع عن الضيوف الذين دخلوا عاصمتها بشكل قانوني. ردود الزعماء السياسيين في هولندا، بمن فيهم رئيسة بلدية أمستردام، تدل على أنهم يدركون أن هذا الحدث غير محتمل، وأنه يهدد الاستقرار الداخلي وسمعتها كدولة يطبق فيها القانون ضد الجرائم، وبالأساس تدل على الإدراك بأن التسليم بأعمال الشغب العنيفة لجمهور مسلم منفلت العقال قد يضر ليس بمشجعي كرة قدم، بل سيضر مواطنيها أيضاً.

هولندا ليست الدولة الوحيدة في أوروبا التي فيها جالية مسلمة كبيرة، التي تسمح لنفسها أحياناً باستخدام العنف، حتى دون صلة بدولة إسرائيل واليهود أو بالشرق الأوسط. ألمانيا وفرنسا وبلجيكا بريطانيا ودول كثيرة أخرى، أصبحت هدفاً لهجرة المسلمين. الفجوة بين تراث دول أوروبا الاجتماعي ونمط الحياة فيها، وغياب نمط حياة ديمقراطي في الدول التي جاء منها المهاجرون المسلمون، تقلق أوروبا التي تضم مسلمين كثيرين. في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك هولندا، هذه فجوة خدمت أحزاب اليمين التي تعتبر المهاجرين المسلمين تهديداً لنمط الحياة الذي أغلبية ساحقة في هذه الدول تريد الحفاظ عليه. يبدو أن الصدمة التي تسببت فيها الهجمات العنيفة على مشجعي مكابي تل أبيب قد تؤدي إلى استخلاص الدروس، التي ستقود إلى مواجهات داخلية بين السلطات الحكومية في الدول الأوروبية والجاليات الإسلامية التي تعيش فيها.

بخصوص إسرائيل والإسرائيليين، ليس بالضرورة أن يحدث تغيير؛ لأن أعمال الشغب هذه ليست ظاهرة عنيفة من اللاسامية. فقد كانت بالأساس مظهراً من مظاهر كراهية معظم المسلمين لدولة إسرائيل ومواطنيها، بسبب ما حدث ويحدث في المنطقة، وليس استمراراً للاسامية التاريخية التي تكمن مصادرها في التعصب الديني المسيحي. الرد التاريخي الذي ساد في هولندا وتمثل في تصريحات هزلية لعدد من قادتها لا يمثل سبب الكراهية المتزايدة لإسرائيل ومواطنيها، لكن هذه الكراهية تتسع وتهدد بعزل إسرائيل بشكل سيهدد مكانتها ونمط حياتها.

محاولة المقارنة بين أعمال الشغب في أمستردام وحدث كارثي، هي في المقام الأول الدليل على فقدان الاتزان النفسي لجزء من الذين يردون داخلنا، لكن ذلك أكثر؛ فنحن نعيش منذ سنوات غير قليلة في أجواء تشجع فيها حكومة إسرائيل وترعى نظرية أن كل العالم ضدنا، وأن الجميع يحاولون القضاء عليها. الإسرائيلي الذي يعارض سياسة الحكومة أو جزءاً من عملياتها العسكرية في السنة الأخيرة يعتبر -حسب من يؤيدون الحكومة وبعض أعضائها- بأنه من حماس ويتعاون مع قتلة الإسرائيليين، وربما حتى نسق للهجوم في تشرين الأول في 2023 مع السنوار. ومن ينتقد خطوات الحكومة خارج الدولة أو ينتقد الأحداث التي تحدث في ساحات الحرب فهو بشكل تلقائي عدو الشعب ومؤيد لحماس.

في هذا المناخ، حولنا الرئيس الأمريكي التارك بايدن، الصديق الكبير لإسرائيل الذي هب لمساعدتها بشكل لم يفعله أي رئيس أمريكي آخر ذات يوم، إلى عدو ومؤيد لحماس. بايدن أرسل جيشه إلى الشرق الأوسط، وأرسل حاملات الطائرات والغواصات، والطائرات القتالية الأكثر تقدماً شاركت بالفعل في الدفاع عن المدن والمستوطنات من صواريخ إيران. ولكن تأخيراً صغيراً في تزويدنا بعدد من القنابل على ضوء استخفاف فظ من قبل الحكومة، وبالأساس رئيس الحكومة، بتصويتات الإدارة الأمريكية في مواضيع تتعلق بالمس الشديد بمئات آلاف الفلسطينيين الذين ليسوا إرهابيين في غزة، كاد يعرض بايدن كعدو.

حادث أمستردام لا يعتبر الواحد والوحيد. ربما حدث مثله الكثير في الدول الأوروبية. في المقام الأول، هذا تعبير عن الغضب المتزايد على ما يحدث في منطقتنا. ليس نتيجة الكراهية المتجذرة، القديمة، لليهود والإسرائيليين فحسب، بل غضب متزايد مما نفعله، وما نقوله وكيف نظهر في نظر الكثيرين الذين ليس لهم إرث تاريخي في كراهية اليهود.

ما يشكل الوعي في أرجاء أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية ودول كثيرة في آسيا، هو صور الدمار في غزة. التحقيق الذي تجريه الجهات الأمنية لدينا في هذه الفترة حول قتل مئات المدنيين الفلسطينيين الذين لم تكن لهم أي صلة بالإرهاب، لم يكن سوى طرف جبل الجليد للأحداث التي تهز مزاج الملايين في أرجاء العالم.

كثيرون تماهوا مع ألمنا بسبب المذبحة الإجرامية التي ارتكبها مشاغبو حماس في 7 أكتوبر، لكنهم ليسوا لامبالين إزاء المشاهد المتواصلة التي تبثها وسائل الإعلام في أرجاء العالم عن أكثر من مليون من الفلسطينيين الذين يسيرون حاملين أكياس البلاستيك في أرجاء غزة، مرة من الشمال إلى الجنوب وأحياناً من الجنوب إلى الشمال، بعد تدمير بيوتهم بالكامل. كثيرون في العالم لا يمكنهم التسليم بتحويل غزة إلى أنقاض. إعادة غزة أو الأحياء السكنية في بيروت (ليس الضاحية وحدها) إلى العصر الحجري كما وعد بعض زعمائنا، ليست الشعار الذي يحسن سمعة دولة إسرائيل ويعزز مكانتها في العالم. المظاهرات، العنيفة أحياناً، ضد إسرائيل والإسرائيليين ستستمر في مدن كثيرة أخرى في العالم، وهراء نتنياهو في أقواله التي تقارن هذه الأحداث بالكارثة لن تمنع ولن توقف هذا الهياج.

لا مناص من الاعتراف بأن المجتمع الإسرائيلي أحب حاجتنا إلى الظهور كضحايا للكراهية وما هو معروض كلاسامية، التي تأخذ تعبيرات عنيفة في أماكن مختلفة في العالم. ولكن هذه المظاهر، هذه المرة خلافاً لأحداث أخرى في التاريخ الدموي للشعب اليهودي، ترتبط بالتجربة المعاصرة لأعمال العنف والوحشية، أحياناً القاتلة، التي نحن أنفسنا المسؤولون عنها.

ما يحدث في هذه الفترة في غزة ليس حرب وجودية لنا، وليس تعبيراً عن حاجة مبررة للدفاع عن أنفسنا، بل استمرار دون أي مبرر لعنف لا هدف له ولا اتجاه واضح، لكنه يساهم بشكل حاسم في تقليص احتمالية إنقاذ المخطوفين، وهو يتعلق بموت الكثير من الجنود في أحداث لا تؤدي إلى أي نتيجة مناسبة، أيضاً يجب الاعتراف بذلك بنزاهة، يؤدي إلى موت الكثيرين من سكان غزة غير المشاركين في الإرهاب.

الادعاء الكاذب بأن جميع سكان غزة مؤيدون لحماس، ثم حسم مصيرهم وفقاً لذلك، هو بالضبط ما يثير غضب الكثيرين في أرجاء العالم، ويشجع المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا على التظاهر ضدنا، وأحياناً استخدام العنف ضدنا، الذي لا مبرر ولا طريقة للتسليم به. استحواذنا المرضي بأن نظهر ونشعر بالاضطهاد والكراهية ضدنا، يجد تشجيعاً حقيراً من حكومة إسرائيل، وهو يستهدف تبرير مواصلة المعركة العسكرية وتعزيز تضامن الضحايا بين السكان الإسرائيليين وإثبات الادعاء بأنه لا يجوز لنا تقديم أي تنازل قد يؤدي إلى إنهاء الحرب وإنقاذ المخطوفين، الذين بقوا على قيد الحياة وجثث الموتى. في الوقت نفسه، لعب دور الضحية يدفعنا إلى التورط بلا حاجة إلى استمرار القتال في لبنان، الذي يجبي أيضاً عدداً كبيراً من الضحايا في أوساط مواطني شمال البلاد وفي أوساط الجنود أيضاً.

ما حدث في أمستردام مؤسس، لكن هذه الأحداث شكلت أيضاً تذكيراً للعداء الآخذ في الازدياد تجاه إسرائيل والإسرائيليين، ليس لكونهم يهوداً. إنما جاء العداء لأنهم يعرضون في كل وسائل الإعلام العامة العالمية، وعبر الشبكات الاجتماعية، كممثلين لدولة تمثل العنف والتدمير والمس بالمدنيين الآن بصورة لا يمكن تجاهل أبعادها أو أخطارها.
نيويورك تايمز: ترامب سيواجه واقعا مختلفا في الشرق الأوسط

حتى الآن لم نقل شيئاً عما يفعله الإسرائيليون في الضفة الغربية. أعمال الشغب هناك، والقتل والتمييز وتدمير الممتلكات ونشاطات ممنهجة تستهدف سحق حقوق الإنسان لكثيرين هناك، ربما (للأسف) لا تجد أي تغطية كافية لها في وسائل الإعلام داخل إسرائيل، لكن أوروبا تشاهد وتسمع وتفقد صبرها علينا.

هذا يحدث بالذات في الأيام التي نسمع فيها وزراء مهمين في الحكومة وهم يتحدثون عن فرض سيادة إسرائيل في “المناطق” [الضفة الغربية]. وهذا يحدث في الوقت الذي يقتبس مكتب بن غفير الرسائل التي تنتقل بين أعضائه والتي تقول بأنه يمكن إشعال كل المنطقة عند الحاجة من خلال افتعال الاستفزازات في الحرم. وعندما في وسائل إعلام معينة، التي لديها الشجاعة، يقتبسون الأقوال الفظيعة لشوفال بن نتان حول قتل الكثير من الأطفال والمدنيين وإحراق البيوت من أجل الفرح. هل علينا أن نندهش من أن هذه الأقوال تثير موجة ردود معادية قد تتحول إلى أعمال شغب عنيفة.

في كل الأحوال، أنا غير مستعد للتسليم مع إمكانية أن الاحتجاج ضد إسرائيل سيصبح موجة عنف ونموذج عمل ثابتاً ودائماً. ولكن هل نحن غير مُسلّمين بالانغلاق تجاه الفلسطينيين في المناطق كنموذج سلوك دائم وثابت؟ عندما تهدد الإدارة الأمريكية إسرائيل بفرض عقوبات بسبب رفض إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، هل يمكن أن نندهش من أن هناك من يرون في هذا السلوك جريمة حرب تبرر الردود الشديدة؟

أعرف الرد البافلوفي لكثيرين في أوساطنا، الذين يقولون إن المساعدات الإنسانية لغزة تعبر ويستحوذ عليها قتلة حماس، وهي تخدمهم، ولا تصل إلى المواطنين المحتاجين إليها. بالتأكيد، هناك القليل من الحقيقة في هذا الادعاء، لكن إسرائيل، وجيشها، التي تقوم بشق الشوارع الجديدة وتبني الممرات المريحة للوسائل القتالية في غزة، وتقوم بتحسين البنى التحتية التي تخدم استمرار القتال، لا يمكنها تشغيل المنظومات اللوجستية لتوفير الغذاء للمدنيين الذين يفقدون وجودهم.
بري: ترامب أعطى الضوء الأخضر لوقف النار.. ولبنان آخر دولة توقع اتفاق سلام مع إسرائيل

سنواصل أعمال الشغب، والكشف عن عدم الحساسية، وكوننا متوحشين تجاه الناس الذين يعيشون في مناطق القتال رغم أنهم ليسوا إرهابيين، إضافة إلى جميع الأثمان التي ندفعها مقابل القتال. وهم سيواصلون التظاهر ضدنا في أرجاء العالم والتنديد بنا في وسائل الإعلام العالمية وسيواصلون أيضاً كراهية أفعالنا وكراهية من يتماهى مع هذه الأفعال. انفصال إسرائيل عن العالم سيتواصل، لن يأتوا إلينا ولن نسافر، وسيقاطعوننا في المطارات والموانئ والتصويت ضدنا في الأمم المتحدة. يمكننا القول برضا وبقدر كبير من الشفقة على الذات: الجميع يكرهوننا.