اتفاقية الدفاع السعودي–الباكستاني: ولادة مفهوم جديد للأمن القومي الإسلامي

3

في السابع عشر من سبتمبر 2025، شهدنا حدثًا لافتًا بتوقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية. اتفاقية وصفتها وكالات الأنباء العالمية بـ”التاريخية”، لأنها تنصّ بشكل صريح على أن أي اعتداء على إحدى الدولتين يُعتبر اعتداءً على الأخرى. بهذا النص، تدخل الرياض وإسلام آباد عهدًا جديدًا من الشراكة الأمنية يتجاوز التعاون التقليدي إلى التزام دفاعي مُلزم.

هذه الاتفاقية ليست وليدة ظرف طارئ أو حادثة عابرة، بل هي امتداد لعلاقات استراتيجية ممتدة منذ أكثر من سبعين عامًا، تعمّقت فيها الروابط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية بين البلدين. لكنها تأتي اليوم في توقيت بالغ الحساسية، وسط تحولات إقليمية متسارعة وصراع محموم على إعادة تشكيل موازين القوى في الخليج وجنوب آسيا.

مدبولي: ندرس ما يُقال حول «إسرائيل الكبرى» ونستعد بخطط مواجهة

الأهم من ذلك، أن الاتفاقية تحمل بين سطورها رسالة ردع واضحة: السعودية لم تعد وحدها، وباكستان النووية لم تعد معزولة. بل إن الطرفين أعلنا عمليًا أن أمن الرياض من أمن إسلام آباد، وأن سيادة باكستان جزء من السيادة السعودية. وهذه صياغة جديدة لمفهوم الأمن القومي، لا تستند فقط إلى الجغرافيا السياسية بل إلى روابط الهوية الإسلامية والمصالح الاستراتيجية المشتركة.

من زاوية إقليمية، لا يمكن تجاهل أن الهند هي الطرف الأكثر قلقًا من هذا التطور. فالهند التي خاضت معارك طويلة مع باكستان، تجد نفسها اليوم أمام معادلة جديدة يدخل فيها لاعب بحجم السعودية بثقلها المالي والسياسي. أما في الخليج، فإن الاتفاقية تُعزّز مكانة الرياض كقوة إقليمية قادرة على بناء تحالفات أمنية عابرة للحدود التقليدية لمجلس التعاون الخليجي.

أما عالميًا، فالرسالة مزدوجة: الأولى إلى القوى الكبرى بأن المنطقة قادرة على إنتاج ترتيباتها الأمنية الخاصة بعيدًا عن الوصاية الخارجية، والثانية إلى العواصم الإسلامية بأن فكرة “الناتو الإسلامي” لم تعد مجرد شعار، بل بدأت تتجسد في تحالفات ثنائية قد تتوسع لاحقًا.

في المحصلة، ما جرى بين السعودية وباكستان ليس مجرد توقيع بروتوكولي، بل إعلان عن ولادة مفهوم جديد يمكن تسميته بـ”الأمن القومي الإسلامي”. مفهوم قد يُعيد رسم خرائط التحالفات، ويفرض معادلات ردع أكثر توازنًا في منطقة طالما عانت من اختلال القوى ومن التدخلات الأجنبية.