الاقتصاد السوري بعد الحرب.. انفتاح غير مسبوق على البضائع الأجنبية
لم يعد الاقتصاد السوري ممسوكا من الحكومة على النحو الذي كان عليه قبل سقوط نظام الأسد وتجلت التحولات الكبرى التي طرأت عليه بخفض الرسوم الجمركية وتخفيف القيود على الدولار.
الاقتصاد السوري بعد الحرب.. انفتاح غير مسبوق على البضائع الأجنبية
صورة تعبيرية / RT
وساهم ذلك في تدفق غير مسبوق للبضائع الأجنبية إلى الأسواق السورية وطالعت أعين السوريين منتجات غابت لسنوات الحرب الطويلة عنهم مثل أنواع الجبنة الأجنبية المتعددة والمشروبات الغازية التي تقدمتها الأمريكية منها لتشهد البلاد تحولا اقتصاديا جذريا رسم سياسات جديدة جعلت الأسواق السورية عامرة بالبضائع المستوردة.
ماذا قال الرئيس المصري عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء؟
المستورد سيد المحلات
البضائع التركية التي سبق لها وأن غزت الأسواق السورية إبان سني العسل بين الحكومتين السورية والتركية والتي استمرت إلى عشية إندلاع الأزمة في سوريا في العام 2011 كان لها قصب السبق في العودة مجددا وعلى نحو أكبر وأشمل لتعلو رفوف المحلات التجارية في المحافظات السورية وصارت أنواع البسكويت التركية بمختلف أشكالها تباع على قارعة الطرقات فيما شقت عبوات المياه التركية طريقها إلى المؤسسات الحكومية والمتاجر الخاصة.
صاحب أحد المحلات التجارية في دمشق أكد في حديثه لـRT أن محله استقبل أول ما استقبل من البضائع الأجنبية التركية منها على اعتبار أنها تدفقت مباشرة من الشمال السوري حيث كانت تتواجد هناك بكثرة وحملها معهم التجار إلى الداخل السوري بعدما ازدادت الكنيات المستوردة نتيجة ازدياد الكتلة البشرية المستهلكة فضلا عن أن الموضوع بقي محكوما بالعلاقة القوية بين تركيا والسلطات الجديدة في دمشق.
وأضاف صاحب المحل بأن قسما كبيرا من هذه البضاعة ويعكس البضاعة التي يتم تهريبها من لبنان هو من الدرجة الثالثة لكنها معتمدة الآن بسبب مرابحها الكثيرة وكونها جديدة على السوريين ومتناسبة مع دخلهم المتواضع وهذا ما يجعل تسويقها رهنا بتحسن الأوضاع المادية للمواطنين حينها قد تدخل البضائع التركية من الدرجة الأولى أو التي هي دونها بقليل.
أنواع الحليب المجفف اللبناني ونكهات الطعام القادمة من المملكة العربية السعودية تتواجد بكثرة داخل المحلات التجارية في سوريا. فيما حضرت العلامات التجارية الغربية في واجهات هذه المحلات ليبدو الأمر وكأن السوريين يعيشون في ظل اقتصاد حر لا تمسكه قيود الرقابة خلافا لزمن كانت البضاعة السورية على اختلاف جودتها هي الطاغية.
بن غفير يعلق على اقتراح ترامب “نقل سكان غزة إلى الدول المجاورة”
وفي محاولة منه للحفاظ على ما تبقى من القطع الأجنبي في المصرف المركزي من أجل تمويل عمليات الاستيراد المهمة والضرورية فقط كانت السياسات الاقتصادية السابقة تتمحور حول منع وصول السلع الأجنبية إلى الأسواق وهو قرار تم تنفيذه مع بداية الحرب حين حظر الحكم السابق التعامل بالعملات الأجنبية وزاد في الوقت نفسه الرسوم الجمركية على الواردات بشكل كبير جدا الأمر الذي دفع السوريين إلى الإنصراف شبه الكلي والقهري نحو البضائع المنتجة محليا والتي زادها سوءا التقنين القهري في استعمال موادها الأولية المستوردة في مجملها من الخارج أو الاعتماد على طرائق التهريب لتوفير السلع الضرورية أو الاتجار بها في ظروف الحصار وما زاد الطين بلة هو وجود حواجز تفتيش عسكرية مكثفة على شبكات الطرق الحساسة على المنافذ الحدودية وفي الداخل وخاصة حواجز الفرقة الرابعة السيئة الصيت ما فرض قيودا إضافية على نقل البضائع وانعكس سلبا على تكاليف الإنتاج ورفع أسعار السلع بما فيها المحاصيل الزراعية التي كان أصحابها يضطرون لرشوة الحواجز بجزء من محصولهم ويستردونه لاحقا من جيوب المواطنين بعد رفع ثمنه عليهم.
قرارات برسم الاصلاح الإقتصادي
وعقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد مباشرة أعلنت الحكومة الجديدة عن سلسلة من القرارات التي وضعتها في خانة الإصلاح الاقتصادي أبرزها السماح بالتعامل بالدولار وتخفيض الرسوم الجمركية إلى نسب وصلت إلى حدود ال 60%.
وأوجز وزير التجارة الخارجية ماهر خليل الحسن في تصريحه، لوكالة سانا، الغاية من هذه الإجراءات بـ” ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد والحفاظ على المؤسسات وخدمة المواطنين”.
وسرعان ما ترجمت هذه الإصلاحات انخفاضا ملموسا في أسعار السلع بشقيها المستورد والمحلي وصار الموز الصومالي واللبناني ضيفا دائما على موائد السوريين بعدما انخفضت أسعاره بشكل كبير كما انخفض سعر البطاطا المحلية إلى الربع فيما بقيت هناك أصناف قليلة لم يطرأ عليها انخفاض ملموس في الأسعار مثل مسحوق الغسيل للغسالات الاوتوماتيكية الذي حافظ على سعره السابق.
الصعوبات لا تزال قائمه
وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في أسعار جل المواد الاستهلاكية والسلع وتوافرها بشكل عارم في الأسواق إلا أن المشكلة بالنسبة للمواطن والحكومة على السواء بقيت قائمة لجهة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين السوريين في ظل تأخر دفع الرواتب وتوقف بعضها ومع ذلك فإن الأمل بالمستقبل الأفضل بقي قائما لاعتبارات كثيرة كما يقول خبير اقتصادي سوري لموقع RT أهمها: الشعور بالأمان بالنسبة للتاجر في ممارسة نشاطه الاقتصادي وعدم وجود قوانين جائرة بحقه تعطي المنظومة الحاكمة شراكة غير مستحقة معه في نشاطه الاقتصادي كما كان يحصل في عهد النظام السابق.
وأشار إلى أن الأمان ينعكس إيجابيا على العمل وغياب الاحتكار يمنح الفرص على نحو شبه متكافئ بين التجار بما ينعكس توازنا في السوق الذي يمكنه أن يعدل نفسه بنفسه في ظل الإقتصاد الحر الذي بدأت سوريا تعيشه اليوم.
وأضاف الخبير الاقتصادي بأن القرارات الاقتصادية الأخيرة قد تكون ساهمت في طي عقود طويلة من التدخل السلبي للحكومات السورية المتعاقبة في مفاصل الاقتصاد الوطني وطبعه بأداء كلاسيكي يتجنب مواكبة احتياجات التطور إلا في حدودها الدنيا فيما يبدو المستقبل واعدا لجهة استجلاب الاستثمارات الأجنبية وارتفاع وتيرة النشاط الاقتصادي مع إيمان شبه يقيني بأن المجتمع الدولي سيعمد في نهاية المطاف إلى رفع سوريا عن قائمة العقوبات الاقتصادية نتيجة للسعي المحموم من جانب الحكومة السورية الجديدة لطمأنة الغرب بشأن العديد من القضايا التي ربط رفع عقوباته بها وقد أخذ رفع العقوبات شكلا متدرجا الأمر الذي سينعكس تباعا وبشكل إيجابي على الاقتصاد السوري الذي يملك وفق الخبير الاقتصادي كل مقومات النجاح شرط وجود الاستقرار السياسي وبقاء سوريا موحدة في ظل حكومة قوية يثق بها الداخل والخارج معا.