الانتخابات الرئاسية: بشار الأسد يروج لنفسه بإعادة الإعمار

136

بعد عشر سنوات من حرب بلا هوادة داخل بلاده، يستعد الرئيس السوري بشار الأسد لأن يصبح “الرئيس السابق والمقبل لسوريا”

قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي الذي سيسمح له بالفوز بولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات. فمن هو بشار الأسد

الحاكم بقبضة من حديد على بلاده؟

 

يستعد الرئيس السوري بشار الأسد للفوز بولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات، ووراء صورة رجل هادئ الطباع ومبتسم غالبا

تنقلها كاميرات الصحافيين يكمن حاكم غامض وقاس قاد حربا بلا هوادة على مدى عشر سنوات داخل بلاده تسببت بدمارها واستنزاف مقدراتها.

 

وطيلة أشد سنوات النزاع، خلال اجتماعاته الرسمية، واستقباله ضيوفا، في المقابلات أو حتى تفقده الجبهات، يبدو بشار الأسد

واحدا: يتكلم بصوت خافت وبابتسامة باردة غالبا، ويكرر ما قاله منذ السنة الأولى للحرب، بأن  بلاده ستخرج “منتصرة” بمواجهة ما يقول إنها “مؤامرة” نسجتها قوى خارجية ضدها.

 

وعقب عقد من نزاع مدمر، يتخذ الأسد، طبيب العيون السابق، البالغ 55 عاما شعار “الأمل بالعمل” لحملته الانتخابية، ويروج

لنفسه، وفق محللين، كـ”عراب” مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاجها سوريا بشدة، بعدما تمكن بدعم من حلفائه، من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد كانت قواته خسرتها خلال سنوات الحرب الأولى.

للمزيد: تذكرة عودة إلى إدلب

ويوضح صحافي ممن التقوه قبل الحرب وخلالها، “بشار الأسد شخصية فريدة ومركبة… في كل مرة التقيته، كان هادئا وغير

متوتر. حتى في أشد لحظات الحرب الحرجة والقاسية، وهذه تماما صفات والده” حافظ الأسد الذي حكم سوريا لمدة ثلاثين عاما.

 

ويتابع “استطاع أن يكون الرجل الذي لا يستطيع أن يستغني أحد عنه”، موضحا “قد يكون من السهل ترتيب الأوراق، لكن في

السياسة يجب أن تعرف كيف تخلط الأوراق.. وبشار الأسد أتقن لعبة خلط الأوراق”.

وورث الأسد الابن عن والده الراحل، كما يكرر عارفوه، الطباع الباردة والشخصية الغامضة. تتلمذ على يده في الصبر واستثمار

عامل الوقت لصالحه. ولعب ذلك دورا أساسيا في “صموده” في وجه “الثورة” التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها، ثم “العزلة” العربية والدولية.

“القرار بيده”

في العام 1994 تبدلت حياة الأسد بشكل جذري، إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتم إعداده ليحكم البلاد خلفا لوالده، في حادث سير قرب دمشق.

 

وعاد مضطرا من لندن حيث كان يتخصص في طب العيون، وحيث تعرف إلى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من إحدى أبرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل مع مصرف “جي بي مورغان” في حي المال والأعمال في لندن.

في سوريا، كان الأسد قد تدرج في السلك العسكري قبل أن يتتلمذ في الملفات السياسية على يد والده الذي وصل إلى سدة

 

الحكم العام 1970، وتحول رقما صعبا في سياسة الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي. ومع وفاة والده العام 2000،

خلفه وهو في الرابعة والثلاثين من العمر.

 

في مطلع عهده، ضخ بشار الأسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش إلى الحرية بعد عقود من القمع. لكن هذه

الفسحة الإصلاحية الصغيرة سرعان ما أقفلت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في ما عُرف وقتها بـ”ربيع دمشق”.

 

قبل اندلاع النزاع، اعتاد سكان دمشق رؤيته في الشوارع، يقود سيارته بنفسه، ويرتاد المطاعم مع زوجته. وحتى الآن، يعلق

العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم في دمشق صورا شخصية لهم مع الأسد أثناء زياراته.

 

في العام 2011، ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، أعطى الأوامر بقمع المتظاهرين السلميين، وتحولت الاحتجاجات نزاعا داميا، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعون فيها.

 

وعلى الرغم من انشقاقات كثيرة عن الأجهزة الأمنية سجلت في بداية النزاع، بقي الجيش، والأسد قائده الأعلى، وفيا له. وأودى

النزاع بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض، لكن الأسد بقي متصلبا

في رؤيته للأمور. وتمكن، وفق ما يقول باحث سوري تحفظ عن كشف اسمه، “من حصر القرارات كافة بيده وجعل الجيش معه

بشكل كامل”. ولم يسمح بأن تفرز بنية النظام أو المعارضة شخصيات قيادية يمكنها أن تلعب دورا بارزا في مواجهته.

السابق والمقبل

ويؤكد عارفو الأسد، وهو أب لابنين وابنة، أنه على المستوى الشخصي، لم يغير من عاداته اليومية كثيرا خلال الحرب وبعدها. ويقول الصحافي الذي التقاه مرات عدة إنه “يتابع أحيانا دروس أولاده بنفسه، ويصر أن تكون العلاقة مباشرة معهم دون الاستعانة بمربية أو من يخدمهم”.

وباستثناء صور قليلة بالزي العسكري قد يصادفها زائر دمشق أو مدن أخرى عند النقاط أو الحواجز الأمنية، يظهر الأسد دائما، بطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، ببزات رسمية وربطة عنق.

قبل أيام من موعد الاستحقاق الانتخابي، نشر حساب حملته الانتخابية صورا حديثة له يظهر في إحداها مرتدياً بزة أنيقة وربطة عنق ويسير حاملا حقيبته في طريقه إلى مكتبه على الأرجح داخل “قصر الشعب” الرئاسي الذي بني في عهد والده على تلة مشرفة على دمشق. ويظهر في صورة أخرى وهو يرتب أوراقا على مكتبه أو يقرأ وهو جالس على كرسي.

كذلك نشرت الحملة صورا من نشاطات سابقة: يعاين خريطة مع عسكريين، يشارك في حملة تشجير ويتحدث إلى عمال داخل ورشة.

ويقول المحلل نيكولاس هيراس “بشار الأسد على وشك أن يكون الرئيس السابق والمقبل لسوريا، وهو يبذل مع حلفائه قصارى جهدهم لدفع هذه الحقيقة في وجه خصومه المحليين والأجانب” الذين طالبوا في بداية النزاع برحيله.