ناشيونال جيوغرافيك : البحيرات العظمى تستغيث بنهاية 2020
تحتوي على 84 بالمئة من المياه العذبة السطحية لأميركا الشمالية
في مقال بعنوان “بحيرات عظمى.. تستغيث” بقلم تيم فولغر على موقع ناشيونال جيوغرافيك ، يقول الكاتب أن البحيرات العظمى الأضخم في الشمال الأمريكي تتعرض للخطر ، بل وتستغيث ، والتي يعول عليها في الحياة للانسان والحيوان هناك
حيث تضم البحيرات العظمى 84 بالمئة من المياه العذبة السطحية لأميركا الشمالية؛ وقد ساعدت على جعل الولايات المتحدة قوة زراعية وصناعية. ولكن هذه البحيرات، التي تعدّ أهم الموارد الطبيعية في القارة، باتت مهددة بالتغيّر المناخي والتلوّث والمخلوقات الدخيلة الغازية.
لم يكن الصيد يومًا مجرّد ترفيه لدى شعوب “الأنيشنابِي” الأميركية الأصلية، ولم تكن الطرائد يومًا شيئًا يُستهان به عندهم. ولهذا فقد شعر “توم موريسو بورغ” بخليط من الامتنان والرهبة والخشوع عندما اقترب منه ذكر موظٍ ضخم؛ إذ كان الموظ -في عيني بورغ- يقدّم نفسه هبةَ حياةٍ من الغابة كي يتقاسمها بورغ مع عائلته وأصدقائه. وكان صاحبنا هذا، وهو من أبناء “الأنيشنابِي” الذين يصيدون الحيوانات باستعمال الفخاخ التقليدية، قد نشأ على مقربة من بحيرة “نيبيغون” بغرب مقاطعة أونتاريو الكندية، في منزل غير موصول بشبكة الكهرباء والمياه. وكان من عادة “الأنيشنابِي” على مرّ قرون طويلة صيدُ السمك بالصنانير وصيد الحيوانات البرية بالقنص والفخاخ. لذا فعندما أردى بورغ الموظَ قتيلًا ببندقيته، نثر عليه بعض التبغ وهمس ببعض كلمات الشكر، تمامًا كما كان قد تعلّم من جدّه.
ولكن، بينما أخذ يُشرّح الذبيحة ويقصبها استعدادًا لإحضارها إلى منزله، تحوّل امتنانه إلى اشمئزاز. فعندما حاول انتزاع الكبد -وكان من المفترض أن تكون متماسكة ولحيمة- إذا بها تميع مُنسابةً بين أصابعه وقد تحوّلت إلى حمأةٍ دموية لزجة. وقد وجد بورغ، منذ ذلك الصيد، أكبادًا تشكو أمراضًا مشابهة في عدد من الحيوانات الأخرى. قال: “ألحظ ذلك في الأرانب والقنادس وطيور الحجل. كان الجزء المفضل لدي من الأرنب هو القفص الصدري مع القلب والكبد. لكننا اليوم لم نعد نأكلها”.
ويعتقد بورغ أن رشّ مبيدات الأعشاب الذي تمارسه شركات الأخشاب يؤذي الحيوانات التي تعيش في مستجمع مياه بحيرة نيبيغون. يقول: “إن العساليج هي طعام أيائل الموظ المفضل. فهي تتغذى بكثرة على هذه الأغصان الليّنة حديثة النمو”.. أو بالأحرى، كانت تتغذى عليها بكثرة، إلى أن سُمّمَت. ويستطرد بورغ قائلا: “هكذا تجري الأمور. تنساب مبيدات الأعشاب في الجداول المائية إلى بيوت القنادس؛ لذا نجد أحشاءها في حالةٍ يُرثى لها”. وأردف بورغ قائلا وهو يختم قصّته في أمسية لطيفة من أماسي الصيف بمنزله في نيبيغون: “عندما أرى الأذى والتمزّق، يعتصر الألم قلبي. وأمّا ما رأيته من تغيّرات في البراري على مرّ الأعوام الخمسة عشر الماضية، فلم أتخيّل أن يحدث بهذه السرعة”.
لدى بورغ شعرٌ أسود يتخلله بعض الشيب، وبِنيةٌ حسنة نحتتها حياة الكدّ والاجتهاد التي أمضاها في صيانة خطوط أنابيب الغاز، مع بعض الوقت الإضافي لممارسة صيد الحيوانات بالفخاخ. وبين حين وآخر خلال جلستنا تلك، كنت أسمع من بعيد هدير شاحنة تمرّ على الطريق السريعة العابرة لكندا. ومن مكان ما في جوف الليل، سمعت الصياح الآسر بغرابته لطائر غطّاس. ويطلّ منزل بورغ، الذي بناه قبل 33 عامًا بمساعدة زوجته وابنيهما وسط الصنوبريات الباسقة، على نهر “نيبيغون” الذي يصبّ في البحيرة التي تحمل الاسم نفسه. أما البحيرة، فتمتد على مساحة قدرها 4850 كيلومترا. ومع ذلك، فإنها تبدو على الخريطة كما لو أنها بركة صغيرة عند مقارنتها بالجسم المائي الذي تصبّ هي فيه؛ إذ إنها تصبّ في بحيرة “سوبيريور” -عظمى البحيرات الخمس العظمى- أو “أنيشينابيوي-غيتشيغامي” (أي بحيرة “الأنيشنابِي” الكبيرة)، كما يدعوها أهالي “الأنيشنابِي” أنفسهم. (أما في قصيدة الشاعر الأميركي لونغفيلو الملحميّة التي تحمل عنوان “أغنية هياواثا”، فقد أطلق عليها اسم “غيتشِه غومي” أي “الماء البحري الكبير البرّاق”).
ويمكن القول إن هذه البحيرات الخمس (سوبيريور وهورون وميشيغان وإيري وأونتاريو) هي أغلى الموارد الطبيعية للقارّة؛ إذ لا مجال للمقارنة بين أهميتها وأهمية النفط أو الغاز أو الفحم. فهي تضم مجتمعةً أكثر من خُمُس المياه العذبة السطحية في العالم، وتحديدًا 22.7 كوادريليون (22.7 مليار مليون) لتر، و 84 بالمئة من تلك المياه في أميركا الشمالية.
ويعيش نحو 40 مليون أميركي وكندي في مستجمع مياه البحيرات العظمى. فنحن نشرب من هذه البحيرات، ونصيد سمكها، وننقل بضائعنا عليها، ونزرع سواحلها، ونعمل في مدنٍ ما كانت لتكون لولا هذه البحيرات. وبالطبع فإننا نلوّثها كذلك. وقد أدخلنا فيها أنواعًا غازية من الكائنات، فكان من أثر ذلك أن تغيّر حال البحيرات إلى الأبد. أما الأسمدة التي نستعملها لزرع الذرة التي نطعمها علفًا للحيوانات التي نأكلها ولصنع الوقود الحيوي الذي نضخّه في مركباتنا، فقد أسهمت كذلك في إعادة ظهور الكتل الطحلبية المؤذية، التي يمكن أن تُرى من الفضاء بفعل ضخامتها. وبإطلاقنا المتواصل لغازات الدفيئة، فقد تسبّبنا في إعادة هندسة الأجواء الممتدة فوق المساحات الشاسعة لمستجمع مياه البحيرات العظمى؛ فازداد تواتر العواصف الشديدة فيها. وفي ذلك، قال بورغ ونحن نحتسي الشاي: “كبيرةٌ هي أبعاد ما يحدث هنا. عندما يُمضي المرء مدة طويلة على هذه الأرض، يستطيع أن يستشعر أن هناك مشكلة ما. فالأحوال تتبدّل. ولا أدري إن كان بمقدورنا وقف ما يحدث”.