الجزائر بلا رئيس…
في الجزائر، لا أحد يجرؤ أن يسأل بصوت مرتفع: أين الرئيس؟ فالسؤال وحده صار أشبه بجريمة فكرية، كأنك تسأل عن شخص لا وجود له أصلًا. عبد المجيد تبون، الرئيس الذي يفترض أن يُطلّ من شاشة التلفاز ليبارك الأعياد ويخطب في المناسبات، اختفى كأنه لم يكن. غاب عن الكاميرات، عن المراسم، عن المجالس الرسمية. ومع ذلك، تصدر قرارات باسمه، تُقيل رئيس حكومة وتعيّن آخر، كأن الرجل يجلس وراء الستار ويملي ما يشاء.
لكن الحقيقة المرة التي يعرفها الجزائريون أكثر مما يعرفون وجوه وزرائهم، هي أن القرارات لا تُصاغ في قصر المرادية، بل في ثكنات بن عكنون. منذ الاستقلال، لم يكن الرئيس إلا قناعًا يُلبسه الجيش للشعب، واجهة مدنية تخفي وراءها قبضة عسكرية تتحكم في كل شيء. بوتفليقة نفسه، الذي صار رمزًا للغياب الطويل، لم يكن في سنواته الأخيرة إلا صورة على كرسي متحرك، فيما السلطة الحقيقية تتحرك خلف الستائر الثقيلة. اليوم يتكرر المشهد مع تبون، لكن بفظاظة أشدّ، إذ لم يعد هناك حتى جهد لإخفاء المسرحية.
حماس تحذر… الرهائن الإسرائيليون سيواجهون “الأخطار” نفسها للمقاتلين في مدينة غزة
المفارقة أن الجزائريين لم يعودوا يتفاجأون. الشارع صار يتعامل مع اختفاء الرئيس كما يتعامل مع انقطاع الكهرباء أو ندرة الحليب: حدث عابر يُضحك أكثر مما يُخيف. يسخرون من بلد يقال إنه جمهورية، بينما عرشه فارغ، وقراراته تأتي ممهورة بتوقيع شبح. يتهامسون بأن تبون ربما يعالج في مستشفى ألماني، أو ربما محجوز في جناح سري من قصر المرادية، أو ربما مات سياسيًا وما زال يُستعمل كدمية لتمرير الوقت. لكنهم متفقون على شيء واحد: من يحكم ليس هو تبون، بل أولئك الذين يرتدون البذلات الخضراء ويحركون الخيوط من وراء الستار.
