السعودية تسير على خط دبلوماسي شائك مع إيران
بعد سنوات من الحروب بالوكالة، تؤشر المحادثات السرية
بين السعودية وإيران إلى تحوّل دبلوماسي، في وقت تسعى
المملكة جاهدة الى إيجاد حل للنزاع في اليمن حيث تدعم الحكومة
في مواجهة المتمردين المدعومين من طهران، ولو أن احتمالات حدوث انفراجة تبدو بعيدة.
والتقى وفد سعودي بقيادة رئيس جهاز المخابرات خالد بن علي الحميدان بمسؤولين إيرانيين في بغداد في التاسع من نيسان/
أبريل. ومن المتوقع أن تجري المملكة مزيدا من المحادثات هذا الشهر، وفقًا لمصادر متعددة من بينها مسؤول غربي مطلع على المحادثات.
ويمثل الحوار الذي يستضيفه العراق أول جهد جدي لنزع فتيل التوترات منذ قطع العلاقات بين السعودية وإيران في 2016 إثر
مهاجمة بعثات دبلوماسية سعودية في إيران على خلفية إعدام رجل دين شيعي معارض في المملكة.
وتسعى الرياض الآن للحصول على دعم من طهران يساهم في إنهاء انخراطها العسكري المكلف الذي دام ست سنوات في
اليمن المجاور حيث يشن المتمردون الحوثيون حملة للسيطرة على مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال، ويصعّدون ضرباتهم
بالصواريخ والطائرات المسيرة على المملكة.
وفي موازاة الجهود المبذولة في بغداد، التقى وفد أميركي بقيادة المبعوث الخاص تيم ليندركينغ والسناتور كريس مورفي
خلال الأسبوع الماضي مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث في سلطنة عُمان كجزء من مسعى دبلوماسي لوقف إطلاق النار في اليمن.
ويقول الباحث في معهد “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” أحمد ناجي لوكالة فرانس برس “هناك صلة مباشرة بين المحادثات
السعودية الإيرانية وما يحدث في مسقط بالنظر إلى نفوذ الإيرانيين على الحوثيين”.
ويضيف “السؤال الرئيسي هنا هو: هل يمكن لهذه الجولة من المفاوضات أن تضع حداً لحرب اليمن التي طال أمدها أو أن تؤدي إلى وقف إطلاق نار مؤقت فقط؟”.
ويتابع “كل الجهود تهدف إلى محاولة تهدئة الصراع بين السعوديين والحوثيين، لكن هناك طبقات عدة من الصراع… وسيتطلّب الأمر آليات طويلة المدى ومتعددة المسارات تبدو غائبة” حتى الآن.
منفتحون على الحوار
وتأتي التحركات في وقت يضغط الرئيس الأميركي جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 والذي خرج منه سلفه دونالد ترامب.
وسعت السعودية للحصول على مقعد على طاولة المفاوضات.
لكن وسط تحفظ من جانب إيران بسبب مخاوف من أن تحاول السعودية تخريب الصفقة، قال مسؤول غربي لفرانس برس إن
المملكة تأمل على الأقل في “مقعد في غرفة مجاورة للغرفة”.
وبحسب الباحثة في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تشينزيا بيانكو، “لا يوجد شيء أكبر في الحوار السعودي الإيراني”، مضيفة “اليمن مقابل الاتفاق” النووي.
ولم ترد السلطات السعودية على طلب وكالة فرانس برس التعليق.
وقال مصدر مقرّب من مركز الحكم في السعودية إنّ توقعات المملكة من حوارها مع إيران محدودة، مستبعدا حدوث اختراق
سريع بعد سنوات من التنافس المرير.
فقد دعمت السعودية وإيران طرفي نقيض في العديد من الصراعات الإقليمية، من سوريا إلى اليمن. وتعتبر الرياض المجموعات المسلحة المدعومة من طهران تهديدا رئيسيا، لا سيما بعد هجمات عدة على منشآتها النفطية.
وقال المصدر السعودي لفرانس برس إنّ المحادثات ستساعد على الأقل “في القول لإدارة بايدن إننا عقلانيون ومنفتحون على الحوار”.
– دبلوماسية متجدّدة –
ويقول محللون إن الجهد الدبلوماسي المتجدد يؤكد القناعة في الرياض بأن سياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجها ترامب والتي تهدف إلى الضغط من أجل الحصول على تنازلات من إيران، لم تؤت ثمارها.
كما تراجعت علاقات الرياض مع واشنطن بعد العلاقات الوثيقة جدًا في عهد ترامب، إذ يسعى بايدن للضغط على المملكة في مسائل متعلقة بحقوق الإنسان.
وتتحرّك المملكة لخفض درجة التوتر على جبهات عدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك التصالح مع قطر بعد
قطيعة دامت ثلاث سنوات، وعلى الصعيد الداخلي الاستثمار لتمويل مشاريعها العملاقة الطموحة وتنويع مواردها بدل الاعتماد على النفط.
لكن هدفها الرئيسي هو إخراج نفسها من الصراع الدائر في اليمن والذي خلّف عشرات الآلاف من القتلى وتسبّب بأزمة إنسانية كبرى.
ويحذر بعض المراقبين من الآمال الخاطئة بأن المحادثات مع إيران ستساعد المملكة في تحقيق هذا الهدف.
وتقول الباحثة في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” إيلانا ديلوزير لفرانس برس “يفضّل الحوثيون أن يكون لهم وسيطهم الخاص مع السعودية ولن يرغبوا بأن تأخذ إيران مكانهم في ذلك”.
وتتابع “حتى إذا انتهى الأمر بحصول السعودية على بعض التأثير على خيارات إيران في ما يتعلق باليمن، فلن يتمكن الإيرانيون من اختطاف المحادثات السعودية الحوثية بالكامل”.