السودان : عشرات الأطفال يموتون في دور الأيتام بالخرطوم

22

في الأيام التي تلت اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في العاصمة السودانية الخرطوم، كانت الطبيبة عبير عبد الله تهرع بين الغرف في أكبر دار للأيتام في السودان في محاولة لرعاية مئات الرضع والأطفال الصغار بعد أن تسبب القتال في منع غالبية الموظفين من الحضور.

وروت عبير كيف كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء دار رعاية الطفل اليتيم كبيرة المساحة والمعروفة باسم دار المايقوما بينما كانت النيران الكثيفة تهز المناطق المحيطة.

ثم عرف الموت طريقه إلى الدار. وكان هناك أطفال رضع في الطوابق العليا من دار الأيتام التي تديرها الدولة. وقالت الطبيبة إنهم تعرضوا لسوء تغذية حاد وجفاف بسبب عدم وجود عدد كاف من الموظفين لرعايتهم. وأضافت أن عيادتها الطبية في الطابق الأرضي كانت تستضيف عددا من الأطفال حديثي الولادة الضعاف وتوفي بعضهم بعد إصابتهم بحمى شديدة.

وقالت عبير التي تشغل منصب المديرة الطبية لدار المايقوما عبر الهاتف من مقر عملها “هم كانوا يحتاجوا رضعة كل ثلاث ساعات. ماكنش في حد”.

وأضافت بينما كان بالإمكان سماع صرخات الأطفال في الخلفية “حاولنا نعملهم مغذيات بس في معظم الأحيان ما قدرنا ننقذ الأطفال دول”.

وقالت عبير إن معدل الوفيات اليومي ارتفع إلى حالتين وثلاث وأربع حالات وأكثر من ذلك. وأضافت أن ما لا يقل عن 50 طفلا، من بينهم 20 رضيعا على الأقل، توفوا في دار الأيتام في الأسابيع الستة منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل نيسان. وقالت إن 13 طفلا على الأقل منهم توفوا يوم الجمعة الموافق 26 مايو أيار.

وأكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام وقال جراح تطوع للعمل بالدار خلال الحرب إن عشرات الأيتام توفوا. وقال كلاهما إن الوفيات كانت في الغالب لحديثي الولادة وآخرين تقل أعمارهم عن عام. وأشار الثلاثة جميعهم إلى سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفن الدم) كأسباب رئيسية للوفيات.

وحدثت وفيات جديدة في اليومين الماضيين. واطلعت رويترز على سبع شهادات وفاة مؤرخة بتاريخي السبت والأحد قدمتها هبة عبد الله وهي يتيمة أصبحت فيما بعد واحدة من مقدمات الرعاية بالدار. وذكرت شهادات الوفاة أنهم توفوا جميعا نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية، كما ساهمت الحمى أو سوء التغذية أو الإنتان في وفاتهم جميعا باستثناء حالة واحدة.

وقالت الطبيبة عبير إن مشاهد الأطفال الضحايا في أسرتهم كانت “مفزعة ومؤلمة جدا”.

وتحدثت رويترز إلى ثمانية أشخاص آخرين زاروا دار الأيتام منذ بدء الصراع أو كانوا على اتصال بزوار آخرين. وقال جميعهم إن الأوضاع تدهورت بقدر كبير وإن عدد الوفيات ارتفع.

وكان من بين هؤلاء صديق الفريني مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم وهي الجهة التي تشرف على مراكز الرعاية بما في ذلك الميزانية والتوظيف والإمدادات. واعترف بارتفاع عدد الوفيات في دار المايقوما وعزا ذلك بشكل رئيسي إلى نقص الموظفين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب القتال. فبدون تشغيل مراوح السقف ومكيفات الهواء تصبح الغرف ساخنة بشكل خانق في ظل حر شهر مايو أيار في الخرطوم، كما يجعل انقطاع الكهرباء تعقيم المعدات أمرا صعبا.

وأحال الفريني وزينب جودة مديرة دار المايقوما الأسئلة المتعلقة بالعدد الإجمالي للوفيات إلى الطبيبة عبير. وقالت زينب إنها كانت على علم بأكثر من 40 حالة وفاة. وأضافت لرويترز أن القتال أبقى مقدمات الرعاية المعروفات باسم المربيات وغيرهن من الموظفين بعيدا عن الدار في الأيام الأولى من الصراع. وقالت إن مناقشات كانت تجري حتى يوم الجمعة الموافق 26 مايو أيار حول إجلاء الأيتام من الخرطوم.

وقال محمد عبد الرحمن مدير الطوارئ في وزارة الصحة السودانية إن فريقا يحقق فيما يحدث في دار المايقوما وسيصدر النتائج فور الانتهاء من التحقيق.

ولا تزال المنطقة خطرة. وفي مطلع الأسبوع الجاري استهدفت الضربات الجوية والمدفعية المنطقة التي تقع فيها دار الأيتام وفقا لما قالته الطبيبة وأكده اثنان آخران. وقالت مقدمة الرعاية هبة عبد الله إنه كان من الضروري إجلاء الأطفال من إحدى غرف دار الأيتام عقب وقوع انفجار في مبنى مجاور.

* ضحايا مجهولون

أطفال دار المايقوما من بين الضحايا المجهولين للصراع الدائر في السودان. ووفقا للأمم المتحدة أسفرت المواجهات عن مقتل أكثر من 700 شخص وإصابة آلاف آخرين ونزوح قرابة 1.4 مليون شخص إلى أماكن أخرى داخل السودان أو إلى دول مجاورة.

ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي للقتلى أعلى. وتعطل العمل في العديد من المكاتب الصحية والحكومية المعنية بتتبع عدد القتلى في الخرطوم التي يتركز فيها القتال. وسجلت وزارة الصحة بشكل منفصل وفاة مئات الأشخاص في مدينة الجنينة بإقليم دارفور الذي اندلع فيه القتال أيضا.

وتفجر الصراع في الخرطوم يوم 15 أبريل نيسان بين الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية والفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية والشهير باسم حميدتي. وكان الرجلان يستعدان للتوقيع على اتفاق إطاري يحدد ملامح عملية انتقال سياسي جديدة نحو انتخابات تحت قيادة حكومة مدنية. وأطاحا معا بحكومة مؤلفة من مدنيين في انقلاب عسكري في أكتوبر تشرين الأول 2021.

ووقع الجانبان في 20 مايو أيار اتفاقا لوقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام للسماح بوصول المساعدات الإنسانية. وساهم الاتفاق في تحقيق بعض الهدوء بعد قتال محتدم في العاصمة السودانية لكن حجم وصول المساعدات زاد بمقدار طفيف.

ولم يرد ممثلو الجيش وقوات الدعم السريع على طلبات للتعليق.

ويُعد السودان، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 49 مليون نسمة، من أفقر دول العالم. وأضر القتال بخدمات الرعاية الصحية الضعيفة أصلا وبخدمات أساسية أخرى بما في ذلك المستشفيات والمطارات. وكان ما يقرب من 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل بدء الحرب. وتقول الأمم المتحدة إن هذا الرقم قفز الآن إلى 25 مليونا. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية توقف أكثر من ثلثي المستشفيات في مناطق القتال عن العمل.

وقال عماد عبد المنعم مدير مستشفى الدايات، أكبر مستشفى للولادة في السودان، إن العاملين بالمستشفى اضطروا إلى الانتقال إلى أماكن أخرى في أواخر أبريل نيسان بسبب الصراع. وأضاف أن العاملين نقلوا عددا كبيرا من المرضى لكنهم اضطروا إلى ترك البعض وراءهم مثل المرضى اللذين يعتمدون على أجهزة التنفس الصناعي أو يرقدون في الحاضنات. وكان إجلاؤهم يستدعي توفير سيارات إسعاف جيدة التجهيز وهو ما لم يكن متوفرا. وقال إن نحو تسعة أطفال ماتوا، بالإضافة إلى عدد غير محدد من البالغين في وحدة العناية المركزة. وأكد مصدران آخران أن بعض المرضى تركوا في المستشفى لكن قالا إنهما لا يعرفان معلومات عن الوفيات.

ولدى سؤاله عن الوفيات في مستشفى الولادة، قال محمد عبد الرحمن مدير الطوارئ في وزارة الصحة إنه لا يعلم بوفاة أي من المرضى وشكك في ترك مرضى بالمستشفى وامتنع عن الخوض في تفاصيل.

ومما يؤكد التداعيات الصحية على السودانيين من مختلف الأعمار، حدثت وفيات أيضا في أحد مراكز رعاية المسنين بالخرطوم وفقا لما قاله موظف الرعاية رضوان علي نوري. وقال إن خمسة من المسنين المقيمين في مركز الضو حجوج لقوا حتفهم بسبب الجوع ونقص الرعاية. وقدم نوري صورة واحدة لما قال إنها جثة مغطاة لأحد النزلاء الذين ماتوا في ذلك الصباح.