السودان: مقتل سبعة من قوات حفظ السلام الأممية في هجوم بطائرات مسيرة
قُتل سبعة جنود بنغلادشيين وأصيب 12 من قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي (يونيسفا) في هجوم بطائرات مسيّرة استهدف قاعدتهم اللوجستية في كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان المحاصرة، في حادث أدانه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وبنغلادش واعتُبر “تصعيدا خطيرا”. فيما حمّلت الحكومة السودانية وقادة الجيش قوات الدعم السريع المسؤولية، بينما نفت الأخيرة الاتهامات، في وقت تعمّق فيه المعارك في كردفان أزمة إنسانية حادة شملت إعلان مجاعة وهجمات دامية على مدنيين ومنشآت صحية.
مرشح ترمب الأبرز لـ«الفيدرالي» يَعِد باستقلالية البنك
أعلنت بعثة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا) أن سبعة من جنودها البنغلادشيين قُتلوا وأصيب 12 آخرون، أربعة منهم في حالة حرجة، عندما استهدفت طائرات مسيّرة معسكرهم في كادوقلي بجنوب كردفان، موضحة أن جميع الضحايا ينتمون إلى الكتيبة البنغلادشية ضمن قوة حفظ السلام.
وأفاد مصدر طبي في مستشفى المدينة بسقوط سبعة قتلى في قصف بطائرة مسيّرة على مقر تابع للأمم المتحدة، قائلا إنهم كانوا داخل المبنى لحظة الانفجار، بينما أكد شهود عيان أن غارة مسيّرة أصابت مبنى المنظمة الدولية.
رئيس الوزراء البنغلادشي محمد يونس أعرب عن “حزن عميق” إزاء الحادث وأكد حصيلة ستة قتلى و12 جريحا، مطالبا الأمم المتحدة بتقديم “كل دعم طارئ ضروري” لعناصر بلاده، ومعلنا وقوف الحكومة إلى جانب عائلات الضحايا.
وزارة الخارجية البنغلادشية أدانت الهجوم “بشدة”، فيما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الضربة بأنها “مروّعة”، محذراً من أن استهداف قوات حفظ السلام قد يشكل “جريمة حرب” بموجب القانون الدولي، ومجدداً الدعوة إلى وقف فوري للأعمال الحربية في السودان.
تبادل الاتهامات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع
الحكومة السودانية الموالية للجيش دانت الهجوم وحمّلت في بيان قوات الدعم السريع المسؤولية عنه، واصفة ما جرى بأنه “انتهاك خطير” لحرمة بعثة الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.
مجلس السيادة برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان اعتبر في بيان أن استهداف قاعدة أممية في منطقة محاصرة يمثل “تصعيداً خطيرا” في مسار الحرب، بينما وجّه رئيس الوزراء كامل إدريس أصابع الاتهام إلى “الميليشيا الإرهابية المتمردة”، داعيا الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات رادعة عاجلة ومحاسبة المنفذين.
في المقابل، نفت قوات الدعم السريع، في بيان على تطبيق تلغرام، ما وصفته بـ”الاتهامات الباطلة” بوقوفها خلف الضربة، مؤكدة أنها لم تنفذ هجمات بطائرات مسيّرة على مقرات أممية في كادوقلي، في حين نشر الجيش مقطع فيديو يظهر سحابتين كثيفتين من الدخان تتصاعدان من نقطتين داخل القاعدة الأممية والنيران مشتعلة في أجزاء منها.
جنوب كردفان: مجاعة وحصار وتحوّل في مسرح العمليات
كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، تعيش منذ شهور وضعا إنسانيا كارثيا، إذ أُعلن رسميا عن مجاعة في المدينة مطلع نوفمبر، في ظل حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام ونصف، مع صعوبات شديدة في وصول المساعدات الغذائية والطبية.
تقارير أممية أشارت إلى أن المدنيين يعتمدون على جمع ما يمكن أكله من البيئة المحيطة، في ظل انهيار الأسواق وارتفاع الأسعار، وأن المدينة باتت واحدة من أكبر بؤر الخطر على مستوى العالم من حيث شدة انعدام الأمن الغذائي.
بعد سيطرة قوات الدعم السريع أواخر أكتوبر على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، تحوّل ثقل العمليات نحو إقليم كردفان الغني بالنفط، المقسّم إلى ثلاث ولايات، حيث تمددت قوات الدعم السريع شرقاً ونشرت مقاتلين وطائرات مسيّرة وميليشيات متحالفة.
يشكل الإقليم الشاسع حلقة وصل استراتيجية بين مناطق سيطرة الجيش شمالا وشرقا ووسطا وبين دارفور غربا، ما يجعل السيطرة عليه حاسمة في كسر “القوس الدفاعي” الأخير للجيش حول وسط السودان والتقدم نحو الخرطوم ومدن كبرى أخرى، وفق تقديرات محللين.
استهداف المدنيين ومرافق الصحة والتعليم
الهجوم على قاعدة الأمم المتحدة يأتي بعد أيام من ضربة جوية دامية على روضة أطفال ومستشفى في كلوقي بجنوب كردفان، قالت منظمة الصحة العالمية إنها تسببت في مقتل 114 شخصا، بينهم 63 طفلا، وإصابة 35 آخرين، بعد استهداف متكرر للروضة والمستشفى الريفي المجاور.
مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس وصف القصف بأنه “اعتداء بلا معنى على المدنيين والمرافق الصحية”، محذرا من أن تكرار مثل هذه الهجمات يفاقم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
تقارير أممية ومنظمات حقوقية تشير إلى نمط أوسع من الانتهاكات في كردفان، يشمل قصف مدارس ومستشفيات وأسواق ومخيمات نازحين، إضافة إلى حالات إعدامات ميدانية، اعتقالات تعسفية، خطف، عنف جنسي، وتجنيد قسري بما في ذلك الأطفال، في ظل انقطاع الاتصالات وتعذر التحقق من الحصيلة الفعلية للضحايا.
تداعيات إنسانية متفاقمة
منذ اندلاع الحرب المفتوحة بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، قُتل عشرات الآلاف وشُرّد الملايين داخلياً وخارجيا، فيما تصف الأمم المتحدة الوضع بأنه من بين أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، مع تزايد تدفقات اللاجئين نحو دول الجوار مثل تشاد ومصر.
الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع، من محادثات جدة برعاية سعودية–أمريكية إلى مبادرات إفريقية وأممية، فشلت حتى الآن في فرض وقف مستدام للأعمال القتالية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد أعلن الشهر الماضي عزمه العمل على إنهاء النزاع بعد محادثات في واشنطن مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن هذه التصريحات لم تُترجم حتى الآن إلى نتائج ملموسة على الأرض، بينما يتواصل التصعيد العسكري ليطال هذه المرة قوات حفظ السلام الأممية ذاتها، في مؤشر إضافي على انزلاق الصراع إلى مستويات أعمق من الفوضى وانهيار الحماية التقليدية للمدنيين والعاملين الإنسانيين.
