شحاتة زكريا يكتب:الشرق الأوسط على حافة التوازن: حين تتحرك الرمال من تحت أقدام الجميع

0

في منطقة اعتادت أن تكون مسرحا للتغيّرات الكبرى ، يبدو الشرق الأوسط هذه الأيام وكأنه يمرّ بلحظة فارقة.
ليست مجرد لحظة توتر أو مواجهة عابرة بل لحظة إعادة تموضع وإعادة رسم خطوط النفوذ وتقييم عميق للتحالفات التي كانت يوما ما تعتبر من المسلّمات.

الولايات المتحدة التي كانت اللاعب الأوحد في المشهد الإقليمي لعقود ، تجد نفسها الآن في معادلة أكثر تعقيدا.
فبينما تحاول إدارة بايدن الحفاظ على وجودها وتأثيرها يبرز لاعبون آخرون بأدوات مختلفة ، من تركيا التي تعيد ترسيم حدود مصالحها إلى الصين التي تنسج بهدوء خيوطا اقتصادية وجيواستراتيجية ، إلى إيران التي لا تزال حاضرة عبر وكلائها في المنطقة، رغم الضربات المتلاحقة.

الحرب في غزة والمواجهة المفتوحة بين إسرائيل وعدد من الفصائل ، أظهرت أن التهدئة لم تعد ممكنة إلا بوساطة قوية وشرعية وهو ما جعل الدور المصري أكثر بروزا.
القاهرة بحكم موقعها الجغرافي ومخزونها السياسي ، تمكنت من الحفاظ على توازن نادر بين الأطراف مما منحها مصداقية متزايدة في ملفات مثل “ما بعد الحرب” في غزة والمصالحة الفلسطينية وحتى في مفاوضات التهدئة غير المعلنة.

لكن الصورة الأوسع لا تكتمل دون النظر إلى السودان الدولة الشقيقة التي تمزقها حرب أهلية كارثية.
الخرطوم لم تعد فقط ضحية لصراع داخلي بل أصبحت ساحة جذب لقوى إقليمية ودولية تحاول تثبيت حضورها.
وإذا كانت الحرب هناك تُدار بالرصاص فإن ما يدور خلف الكواليس أكثر تعقيدا من مجرد صراع بين جنرالين.
هناك مصالح وهناك رسائل يُراد إيصالها، سواء لطهران أو لتل أبيب، أو حتى للعواصم الكبرى التي تتابع المشهد من على بعد.

في هذه اللحظة الدقيقة يتقدم سؤال جوهري: هل يمكن للمنطقة أن تستعيد توازنها أم أن القوى الكبرى تكتفي بإدارة الأزمات بدلًا من حلّها؟
هذا السؤال لا يخص الشرق الأوسط فقط بل يخص كذلك النظام الدولي الذي يعيش بدوره مرحلة انتقال غير محسومة.

في خضم هذه الاضطرابات تبقى مصر حالة خاصة.
ليست فقط دولة مركزية بحكم الجغرافيا والتاريخ بل لأنها نجحت – نسبيًا – في أن تحافظ على اتزانها وسط محيط متقلّب دون أن تنجرف إلى صراعات صفرية أو رهانات قصيرة الأمد.

تتّبع القاهرة سياسة خارجية قائمة على “التوازن الاستراتيجي” و”الاحترام المتبادل” ، وتحاول أن تلعب دور الوسيط لا الخصم ودور الجسر لا الجدار.
وهذا ما جعلها شريكا موثوقا في الملفات الأكثر تعقيدا من وقف إطلاق النار في غزة إلى دعم الحلول الوطنية في ليبيا والسودان وحتى في التعاطي مع موجات التطبيع الجديدة التي تعيد تشكيل مشهد الشرق الأوسط.

لكن هذا لا ينفي وجود تحديات داخلية وإقليمية هائلة.
فالاقتصاد العالمي يفرض ضغوطا وتزايد التوترات العرقية والطائفية في بعض المناطق يعقد أفق الاستقرار والمجتمعات العربية ما زالت تبحث عن نموذج يحقق التوازن بين الحداثة والاستقرار بين الحقوق والتنمية.

ربما لا يمكن الجزم بما ستؤول إليه الأمور لكن المؤكد أن المنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023.
العالم العربي يعيد التفكير في أولوياته، والقوى الكبرى تعيد ترتيب أدواتها ودول مثل مصر تحاول أن تملأ الفراغ بالدبلوماسية والعقلانية لا بالعناد والمكابرة.

ووسط هذا كله تبقى الحقيقة واضحة: من يريد للشرق الأوسط أن يكون أكثر استقرارا عليه أن يدعم خياراته المعتدلة، ويسمع لصوته ، لا أن يكتفي فقط بمراقبة دخانه من بعيد.