العالم على حافة إعادة تدوير القوة… ودول تصنع لحظتها..بقلم:شحاته زكريا

0

في زمن سريع التغير حيث تتقاذف الأحداث العالمية الدول الكبرى والصغرى على حد سواء يبدو أن العالم يقف على حافة إعادة تدوير القوة لم يعد هناك منطق ثابت في التوازنات الدولية ولا وصفة واحدة لقياس النفوذ فكل يوم يحمل في طياته مفاجآت تغير قواعد اللعبة. من الحرب الاقتصادية إلى التحولات الدبلوماسية ومن التحالفات الاستراتيجية إلى المنافسات التكنولوجية يعيش العالم لحظة فاصلة لحظة تحدد ملامح المستقبل السياسي والاقتصادي لأجيال قادمة.

ما يجري اليوم ليس مجرد إعادة توزيع للأدوار بين القوى التقليدية بل هو معركة وعي واستراتيجية. الدول التي تفهم هذا الواقع مبكرا وتقرأ تفاصيله بعمق هي من تصنع لحظتها وتكتب تاريخها بنفسها، بعيدا عن التبعية أو الانصياع لمعادلات مفروضة. هذه المعركة ليست بالأسلحة وحدها بل بالقدرة على إدارة المعلومات والتحكم في السياسات الاقتصادية ، وتوجيه الرأي العام الدولي ، وتحويل الفرص إلى مكاسب حقيقية.

في هذا السياق تظهر مصر كمثال حي لدولة تعرف كيف تصنع لحظتها وسط فوضى التغيرات العالمية. التوازن بين السياسة الداخلية والخارجية والاستثمار في القوة الناعمة وتعزيز الاقتصاد الوطني يجعلها لاعبًا مؤثرا على الساحة الإقليمية والدولية. ليس مجرد كلام شعاراتي بل واقع ملموس: مشروع الطاقة الجديدة والمتجددة تطوير البنية التحتية ، ومبادرات التصنيع المحلي ليست فقط أدوات نمو اقتصادي ، بل أسلحة استراتيجية تمنح الدولة ثقلها في أي مفاوضات أو تحالفات مستقبلية.

التحولات التي يشهدها العالم ليست محصورة في الشرق الأوسط فقط بل تشمل المشهد الدولي بأسره. إعادة ترتيب التحالفات وظهور قوى جديدة واندفاع التكنولوجيا نحو استبدال الموارد التقليدية كلها عوامل تغير قواعد النفوذ. الدول التي تصر على البقاء في نفس المكان أو التي تتعامل مع الأحداث بردود أفعال سطحية ستجد نفسها متأخرة في معادلة القوة الجديدة. أما الدول التي تخطط وتبني استراتيجياتها على الرؤية والابتكار فهي من تصنع المستقبل قبل أن يفرضه عليها الآخرون.

في قلب هذه التحولات تبرز أهمية الوعي السياسي والاقتصادي والمجتمعي. القوة العسكرية لم تعد وحدها معيارا للهيمنة؛ بل أصبحت القدرة على التأثير في الساحة الدولية من خلال المعرفة ، والديبلوماسية الذكية ، والاقتصاد القوي ، والمبادرات التنموية الملموسة. الدول التي تدرك ذلك، وتتعامل معه بذكاء ، تستطيع قلب الطاولة لصالحها ، وتحويل التحديات إلى فرص بينما الدول المترددة تقع في فخ الإحباط والتبعية.

التحدي الأكبر اليوم يكمن في توحيد الرؤية مع التنفيذ الفعال. فهناك فوارق كبيرة بين الإعلان عن خطط استراتيجية وبين تحويلها إلى إنجازات ملموسة على الأرض. ومن هنا يظهر الفرق بين الدول التي تترك أثرا حقيقيًا في التاريخ وتلك التي يذكرها التاريخ مجرد أسماء عابرة. لحظة صناعة القوة تتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات ودقة في قراءة التحولات ومرونة في التعامل مع المتغيرات المفاجئة.

إن العالم على حافة إعادة تدوير القوة ليس تحذيرا فقط بل فرصة حقيقية للدول التي تعرف كيف تصنع لحظتها. الفرصة ليست محصورة على الدول الكبرى وحدها بل تمتد لكل من يملك الجرأة والرؤية. من خلال استثمار الموارد المحلية وتطوير التكنولوجيا وتعزيز التعليم وبناء شراكات استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل يمكن لأي دولة أن ترفع من ثقلها في المعادلة الدولية وتصبح جزءا فعالا من المستقبل العالمي لا مجرد مراقب.

في النهاية لحظة صناعة القوة هي لحظة وعي وإدراك واستراتيجية. هي لحظة يمكن أن تحدد ملامح المستقبل لعقود قادمة. العالم يتغير بسرعة ومن يعرف كيف يستغل هذا التغير هو من سيترك بصمته في التاريخ. بينما من يتجاهل التحولات سيجد نفسه مجرد رقم في سجل الأحداث يراقب الآخرين وهم يصنعون لحظتهم.