العلاقات الأمريكية-الصينية بعد 2025 .. سباق القوة الجديد… بقلم: شحاتة زكريا
دخلت العلاقات الأمريكية-الصينية مرحلة جديدة بعد 2025 مرحلة لم تعد فيها التوترات الاقتصادية أو المناورات السياسية مجرد عناوين يومية بل أصبحت سباقا استراتيجيا متكاملا على النفوذ العالمي التكنولوجيا والقدرة على صياغة مستقبل النظام الدولي. في هذا السياق لم يعد العالم يتابع الصراع بين القوتين كمسألة ثنائية بل كاختبار لقدرة الدول والمجتمعات على التكيف مع قواعد قوة جديدة تتشكل في الوقت الحقيقي.
تاريخيا كانت العلاقات بين واشنطن وبكين تتوازن بين المنافسة الاقتصادية والتعاون المحدود لكن الواقع الحالي كشف أن التكنولوجيا هي ساحة النفوذ الأبرز. الذكاء الاصطناعي الحوسبة الكمية والقدرات السيبرانية لم تعد أدوات علمية فقط بل أصبحت عناصر قوة استراتيجية تحدد ترتيب القوى العالمية في العقود المقبلة. الولايات المتحدة بسياستها التقليدية في حماية مصالحها تواجه تحديات كبيرة أمام صعود الصين كقوة اقتصادية وتكنولوجية متكاملة بينما تسعى الأخيرة لإعادة تعريف مكانتها على الساحة الدولية دون الانخراط في صراع مفتوح قد يضر بمصالحها الداخلية.
الاقتصاد لا يزال محور هذا الصراع لكن أبعاده تغيرت. فبينما كانت الحروب التجارية سابقا تدور حول الرسوم الجمركية وسلاسل الإمداد أصبح اليوم الحديث عن الاستثمارات في التكنولوجيا الحديثة الاستحواذ على براءات الاختراع والسيطرة على الأسواق الرقمية الأكثر تأثيرا على الاقتصاد العالمي. بكين لا تسعى للهيمنة فحسب بل لخلق نموذج اقتصادي بديل يتيح لها الاستقلالية التكنولوجية فيما تحاول واشنطن منع أي انزلاق نحو نظام متعدد القطبية يفقدها السيطرة التقليدية على السوق الدولي.
السياسة الخارجية الأمريكية تتسم اليوم بالمزيج بين الردع التقليدي والتحالفات الاستراتيجية الجديدة. من خلال تعزيز علاقاتها مع الهند دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي تحاول واشنطن إحاطة بكين بدائرة ضغط متعددة الأبعاد. بالمقابل تبنت الصين ما يُعرف بـدبلوماسية المشاريع الكبرى ، حيث تستثمر في البنية التحتية والربط الاقتصادي عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا لتؤكد حضورها وتوسع نفوذها بطرق غير تقليدية بعيدا عن المواجهة العسكرية المباشرة.
الجانب الآخر المهم في هذا السباق هو الإعلام والوعي العالمي. كل خطوة بين القوتين تعرض للعالم كرسالة سياسية كل تصريح رسمي يُحلل بعمق وكل حراك اقتصادي يفسر كإشارة تحذيرية. في هذا الإطار القوة ليست فقط في ما تنتجه الدولة على الأرض بل في القدرة على تشكيل الرأي العام الدولي لصالح مصالحها وهو ما يجعل الصراع الحديث متعدد المستويات: اقتصادي، تكنولوجي، سياسي، وحتى ثقافي.
الذكاء الاصطناعي أصبح بمثابة سلاح مزدوج في هذا الصراع. فهو ليس أداة إنتاجية فقط بل آلية لتجميع البيانات التنبؤ بالتحولات وصنع القرار الاستراتيجي بسرعة تتجاوز القدرات التقليدية للبشر. هنا تكمن المفارقة: الدول التي تتحكم في هذه التكنولوجيا تتحكم جزئيا في مسار العالم. وبالتالي، السباق اليوم ليس على الأرض فقط بل في العقول والبرمجيات وهو ما يجعل هذا الصراع مختلفا عن أي مواجهة تاريخية بين قوتين عظيمتين.
في النهاية السباق الأمريكي-الصيني بعد 2025 ليس مجرد تنافس بين دولتين بل اختبار لقدرة النظام الدولي على التكيف مع تغييرات سريعة ومعقدة. العالم كله مراقب وكل دولة تحسب خطواتها بحذر. والتحدي الأكبر هو أن يجد المجتمع الدولي طرقا للحفاظ على التوازن ومنع أي انزلاق نحو صراع مفتوح قد يكون مكلفا للجميع. السباق مستمر لكنه لم يعد مقصورا على السياسة التقليدية بل أصبح تجربة عميقة في إدارة القوة، التكنولوجيا، والذكاء الاستراتيجي في عصر جديد.
