المغرب والجزائر بمجلس الأمن الدولي .. دروس الواقعية والنضج الدبلوماسي
مع انتهاء ولايتها غير الدائمة تغادر الجزائر مجلس الأمن الدولي دون تسجيل أي اختراق دبلوماسي يُذكر في ملف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، بعدما راهنت طيلة سنتين على توظيف عضويتها للتأثير في مسار القرارات الأممية.
نتنياهو: أي هجوم إيراني سيقابل بـ«رد شديد من إسرائيل»
وجاء صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 ليختتم آخر حلقات هذا الإخفاق، بعد أن حسم بشكل نهائي في أولوية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الإطار الواقعي والعملي الوحيد للتسوية، ووضع الدبلوماسية الجزائرية أمام مأزق سياسي ودبلوماسي مخجل.
وعلى غير العادة؛ التزمت وزارة الخارجية الجزائرية الصمت مباشرة بعد اعتماد القرار، في سابقة عكست حجم الارتباك الذي أعقب فشل محاولات تعديل مضامينه أو إدخال صياغات تخدم أطروحتها، وهو ما فضح هامش تحركها داخل مجلس الأمن، في ظل الدعم الواسع الذي حظي به القرار من قبل الأعضاء الدائمين وغير الدائمين.
وبعد مرور ما يقارب شهرين كُسر هذا الصمت عبر تقرير مطوّل لوكالة الأنباء الجزائرية، خرجت فيه بالنيابة عن الخارجية، مقدّمة قراءة أحادية للقرار الأممي، حاولت من خلالها تسويق خطاب “النجاح الدبلوماسي” خلال فترة العضوية غير الدائمة، والترويج مجددا لخيار الاستفتاء. غير أن هذا الطرح بدا منفصلا عن النص الصريح للقرار، الذي لم يأت على ذكر هذا الخيار، بل ركّز على دعم الحل السياسي الواقعي القائم على التوافق.
في المحصلة كشف قرار مجلس الأمن رقم 2797 غياب أي وزن للجزائر داخل المؤسسة الأممية، وأظهر عجز البلاد عن التأثير في الاتجاه العام الذي بات يحكم مقاربة المجتمع الدولي لنزاع الصحراء المغربية، كما أبرز فشلها في استمالة حلفائها التقليديين داخل مجلس الأمن، لتعطيل القرار أو فرض تعديلات جوهرية عليه، ليخرج الخطاب الإعلامي اللاحق أقرب إلى محاولة امتصاص صدمة دبلوماسية منه إلى تعبير عن إنجاز فعلي على مستوى السياسة الخارجية.
تراجع النفوذ
قال إبراهيم بلالي اسويح، المحلل السياسي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس)، إن ظرفية السنتين الماضيتين للعضوية غير الدائمة للجزائر في مجلس الأمن الدولي حكمتها عدة متغيرات، همت منظومة الأمم المتحدة نفسها وأثرت على قرارات مجلس الأمن الأخيرة، لافتا إلى أن “هذا الوضع جعل رهان الجزائر على التغيير من داخل هذه المنظومة يفشل، وتحول دورها إلى مجرد دعاية لا ترقى إلى مستوى الفاعل المؤثر، وهو أمر زاد من تكريس دورها الرئيسي، ليس فقط كطرف في هذا النزاع المفتعل، بل باعتباره جزءا من عقيدتها الدبلوماسية”.
وأوضح اسويح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ذلك ثبت من خلال الترافع خلال التداول بشأن القرارين الأخيرين لمجلس الأمن حول الصحراء، سواء القرار رقم 2756 السنة الماضية أو القرار التاريخي الحالي 2797، مشددا على أن “جلسات اعتماد القرارين معا شهدت انسحاب الجزائر من التصويت عليهما في سابقة بمجلس الأمن، وهو ما يتناقض مع أي تأويل إيجابي لديباجتهما أو منطوقهما أو صيغهما الآمرة التي تدعيها الجارة الجزائر”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أن الطبيعة السياسية للحل المنشود، التي أصبحت من الثوابت في قرارات مجلس الأمن المتعاقبة منذ سنة 2007، تجعل من العودة إلى خطة التسوية السابقة أمرا غير وارد، سواء بعضوية الجزائر أم بعدمها، مذكرا بأن “هذا كان من مرتكزات الدبلوماسية الجزائرية في المناورة التي ساهم مناخ التجاذب القطبي في تغذيتها إلى أجل قريب؛ وهو ما يفسر المنحى المصيري الذي باتت الجزائر تقيس به وزنها الدولي والإقليمي، المرهون بهذا النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية”.
ونبه عضو “الكوركاس” إلى أن “الإستراتيجية الاستباقية التي انتهجتها الدبلوماسية الملكية، من خلال العمل من خارج المؤسسات في إطار شراكات إستراتيجية ثنائية منذ تقديم المبادرة المغربية للحكم الذاتي للمنتظم الدولي، ساهمت بشكل كبير في تغيير المعطيات على الأرض بتكريس السيادة المغربية على هذه الأقاليم، خصوصا السيادة الاقتصادية التي حسمت ميدانيا، كما أشاد بذلك جلالة الملك في خطابه الأخير بعيد صدور قرار مجلس الأمن حول الصحراء الأخير”.
كما أشار اسويح إلى انسجام واقعية التوجه المغربي مع رياح التغيير الدولي، التي تتجه نحو آليات جديدة لحسم الخلافات والنزاعات، تأخذ بعين الاعتبار تقاطع المصالح المشتركة، وإن كان ذلك في آخر المطاف تحت مظلة أممية تتعرض اليوم لانتقادات متزايدة بسبب عدم مواكبتها لهذه المتغيرات.
ولفت الخبير في النزاع الانتباه إلى أن فشل الجزائر في مجلس الأمن خلال السنتين الماضيتين في ملف الصحراء لا يُفسر فقط باصطدامها مع دول تملك حق الفيتو أو مواجهة التيار المتحكم في زمام القرار داخل أعلى هيئة أممية، بل إن التغييرات الجوهرية التي كانت تسعى إليها في مسودة القرار الأخير جعلتها معزولة بسبب الإجماع الدولي حول المبادرة المغربية، وسعي حلفائها التقليديين الوازنين، الذين يملكون حق الفيتو مثل روسيا والصين، إلى نهج أكثر براغماتية في تصاعد علاقاتهم مع المملكة المغربية، بالنظر إلى تطلعاتهم الجيوسياسية في إفريقيا، والرهان الذي أصبح على المملكة في ذلك.
وتابع المتحدث: “مفاتيح الحل السياسي الواقعي التي تسعى إليها الوساطة الأممية التي يقودها حاليا ستيفان دي ميستورا لم تعد قانونية ولا حتى تاريخية؛ لأن الأمر تجاوز ذلك بعد الإعلان الرسمي للقوى الوازنة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود هذه المساعي وتدعم السيادة المغربية وتسعى إلى فرض هذا الحل الواقعي على الأطراف، خصوصا أن عامل الزمن أصبح هو المحرك للإدارة الأمريكية الجديدة في حسم هذا النزاع في أقرب وقت ممكن، بالنظر إلى اعتبارات قد تتجاوز التجاذب الإقليمي بين المغرب والجزائر”، وزاد: “وبالعودة إلى تحركات وتصريحات صقور هذه الإدارة، من مسعد بولس أو ماركو روبيو أو ديفيد كوشنر، يتضح هذا المسعى الاقتصادي والإستراتيجي الذي يتحكم في هذه الأجندات السياسية، وعجزت الدبلوماسية الجزائرية عن مسايرته، وكان متوقعا أن مرور عضويتها بمجلس الأمن لن يغير أي شيء في إستراتيجية السياسة الخارجية لهذه الدول في ما يتعلق برسم تحالف جديد كبير حول تأييد المملكة المغربية في قضية الصحراء”.
واسترسل المتتبع ذاته بأن تراجع أطروحة الجزائر في ملف الوحدة الترابية للمملكة يعود إلى تراكمات متتالية، خصوصا على المستوى القاري، موردا أن “التمثيلية الدورية في مجلس الأمن الدولي تعود إلى مقعدي إفريقيا، إذ إن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وسعيه إلى تحقيق تحالف كبير مع الأفارقة، ونجاحه في كسب هذا التأييد القاري، كان عاملا مؤثرا في أي دور محتمل للجزائر في تغيير موازين القوى الحالية”.
وفي هذا السياق قال إبراهيم بلالي اسويح إن المملكة المغربية أصبحت رائدة في قيادة هذا التحالف، الذي لعب دورا كبيرا في سحب البساط من الدور الجزائري في مجلس الأمن، ويؤسس لمرحلة جديدة من التأثير من داخل المؤسسات، مشددا على أن “تبني هذا القرار الجديد في مجلس الأمن سيؤدي لا محالة إلى تغير جوهري في الاتحاد الإفريقي، الذي أصبح مرهونا بما ستؤول إليه المفاوضات المقبلة بين أطراف هذا النزاع الإقليمي المفتعل”.
ارتباك إعلامي
سجل عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن التجربة الجزائرية خلال عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن أظهرت محدودية قدرتها على التأثير في مسار القرارات الأممية المرتبطة بنزاع الصحراء، رغم المحاولات المتكررة لتوظيف هذا الموقع الدبلوماسي في معاكسة التوجه الدولي الداعم للمقترح المغربي.
وأضاف البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الجزائر دخلت مجلس الأمن دون ملفات دبلوماسية موازية يمكن البناء عليها لتعزيز موقعها التفاوضي، سواء تعلق الأمر بقضايا التنمية، أو البيئة، أو الاستقرار الإقليمي، أو الإصلاحات الداخلية، ملاحظا أن السياسة الخارجية الجزائرية ظلت رهينة ملف الصحراء المغربية دون أفق إستراتيجي بديل.
وشدد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش على أن هذا التركيز الأحادي أضعف الخطاب الجزائري داخل المنتديات الدولية، خاصة في ظل التحولات التي عرفها الملف، التي باتت تفرض مقاربات واقعية تتجاوز منطق المناورة السياسية، وتعكس موازين القوى الجديدة داخل المنظومة الأممية.
وتابع المتحدث ذاته بأن الصورة التي سعت الجزائر إلى تقديمها في مواجهة الحقوق القانونية والسيادية للمملكة، خصوصا في أقاليمها الجنوبية، لم تعد تجد الصدى نفسه كما كان في السابق، بالنظر إلى ما تحقق من تطورات ميدانية ومؤسساتية عززت الموقف المغربي ورسخت حضوره السياسي والاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة.
وأكد رئيس المركز المغربي أن الزخم الذي كانت تراهن عليه الجزائر قبل سنوات لم يعد متاحا اليوم، بحكم تغير مواقف عدد من الدول التي لم تعد مستعدة للدخول في مواجهات مباشرة مع المغرب، خاصة داخل المنتديات الدولية المخصصة للنقاش حول القضايا المرتبطة بالنزاعات الإقليمية.
واسترسل البلعمشي: “إن الارتباك الذي أعقب صدور القرار الأممي الأخير بدا واضحا في أداء وسائل الإعلام الجزائرية، التي تناولت القضية في كثير من الأحيان من زاوية غير واقعية، لا تعكس المعطيات الحقيقية كما هي على الأرض، ولجأت أحيانا إلى خطاب يتماشى مع التوجه الرسمي الجزائري خلال السنوات الثلاث الأخيرة”، مؤكدا أن “هذا الإعلام يتفادى، في الغالب، مقاربة ما تحقق فعليا في الأقاليم الجنوبية للمملكة بعين الواقع، سواء تعلق الأمر بالحقائق التاريخية أو المكتسبات الدبلوماسية أو بما تضمنه القرار 2797 من مؤشرات تجسد الاعتراف المتزايد بوجاهة الموقف المغربي وترجمة إنجازاته الملموسة في هذه المناطق”.
وبخصوص ذلك أورد المحلل نفسه أن العديد من الدول دائمة العضوية أو المؤقتة باتت تفضل النأي بنفسها عن أي مقاربات تستهدف التشويش على سيادة المغرب، مشيرا إلى أن “الدبلوماسية الجزائرية لم تعد قادرة على اعتماد الأساليب التقليدية نفسها في مواجهة المغرب، في ظل بروز مواقف دولية جديدة وأكثر توازنا، تُقر بوجاهة الطرح المغربي وتتعاطى بإيجابية مع مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حلا واقعيا وقابلا للتطبيق”.
وخلص عبد الفتاح البلعمشي إلى أن الجزائر مطالبة اليوم، وبقدر كافٍ من الشجاعة السياسية، بالانخراط في الدينامية الجديدة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، وإبداء استعداد فعلي للتفاوض على أساس المبادرة المغربية، بوصفها الإطار الوحيد المنسجم مع التحولات الإقليمية والدولية ومع منطق الاستقرار في المنطقة.
