اندبندنت : دعوات لمصالحات مالية في قضايا الفساد في الجزائر
اقترح رئيس حزب جبهة المستقبل والمرشح السابق للرئاسيات، عبد العزيز بلعيد مصالحة مالية
واقتصادية مع مختلف الشخصيات والإطارات ورجالات نظام بوتفليقة، وتقر هذه المصالحة بحسب
رأيه، لمقايضة حرية هذه الأسماء التي تقبع حالياً في السجن بسبب تورطها في قضايا فساد، مقابل
إعادة الأموال المنهوبة من الخزينة العمومية.
وقال بلعيد في تصريحات صحافية، إن مسؤولين حكوميين وإداريين وجدوا أنفسهم وراء القضبان
“كرهاً لا طواعية”، بحسب رأيه، إذ أقدموا على تطبيق التعليمات التي كانوا يتلقونها بالهاتف غالباً من
شخصيات نافذة في الحكم، ووجهاً لوجه أحياناً قليلة، وذلك يدخل كما قال “ضمن منظومة التسيير بالأوامر
من دون مناقشتها، بل كانت تقدم على هذه الإجراءات باعتبارها عادية”.
ووفق اعتقاده فإن هؤلاء الرجالات لم يقوموا إلا بتنفيذ أوامر غير قانونية صادرة من جهات فوقية
لها علاقة بمجموعات الكارتل المالي، والمرتبطة في حد ذاتها بالوسط السياسي، بمنح صفقات
لاستثمارات كبرى، أو قطع أرضية أو عقارات لصالح رجال أعمال، ليجدوا أنفسهم تحت طائلة
القانون والمحاسبة والمتابعات القضائية وفي السجون.
ثلاث محطات
ويدعو بلعيد الذي ترشح لثلاث محطات انتخابية آخرها الرئاسية في 12 ديسمبر(كانون الأول) 2019 ،
كمنافس لعبد المجيد تبون، إلى التفكير في إمكانية مصالحة اقتصادية مع المسؤولين المسجونين،
وفتح نقاش حول النظام بشكل كامل وحوار شامل يستدعي مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين
والخبراء، بحكم أن كل الجزائريين كانوا ضحايا النظام الفاسد، ومنظومته الإدارية التي تنخر الإدارة الجزائرية.
ومن خلال هذا المؤشر الأول، أعطت هذه التصريحات انطباعاً بأنها كانت فحوى ومضمون المحادثات مع الرئيس تبون، إضافة إلى ملفات أخرى طرحها الطرفان خلال اللقاء، بل وذهبت هذه القراءة بحسب الباحث في العلوم السياسية نورالدين بودهان، إلى طرح تساؤلات كبرى، أهمها أن الجزائر مقبلة على سلسلة من المشاورات السياسية حول فتح ملف العدالة في قضايا الفساد ولكن بـ “آليات سياسية وتقديم قراءة سياسة لقضايا مطروحة أمام العدالة ولا يزال القضاء ينظر فيها”.
وأوضح بودهان لـ “اندبندنت عربية”، أن تصريحات بلعيد ليست عبثية بل هي تمهيد لما يمكن وصفه بـ”إعادة النظر في عديد الملفات والأسماء التي تورطت في فترة حكم الرئيس بوتفليقة تحت مسمى مكرهاً أخاك لا بطل”.
ويرى الباحث أنه لا يمكن الجزم أن كل المنظومة السابقة كانت فاسدة، على رغم تجذرها في مختلف مفاصل الدولة والقطاعات، بل كان من ضمنها ضحايا تورطوا بسبب ما أسماه “تغول الكارتل المالي، بخاصة في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أي فترة مرضه لمدة سبع سنوات”.
في سياق متصل بإحدى القراءات المطروحة التي أعقبت هذه التصريحات، أن “المصالحة المالية والاقتصادية” بإمكانها أن تفكك ملفات الفساد وتسترجع الأموال المنهوبة، والتي تقدر بملايين الدولارات، وهو ما يعني إنعاش الخزينة العمومية، يرى المتخصصون أنه لا يمكن الإفلات من المحاسبة، وهو ما طرحته المحامية ليندة بن حراتي، التي تعتقد أنه “من غير الممكن أن نؤسس ونطبق إجراءات وتدابير مصالحة مادية من دون محاسبة أخلاقية أمام الشعب الجزائري وإحقاق العدالة وإعلاء بنود القانون وإنصاف المظلومين”، على حد تعبيرها.
وهناك قراءة أخرى تقول إن تصريحات بلعيد هي مقدمة سياسية، لمراجعة بعض الملفات القضائية المرتبطة ببعض المتورطين، ممن زج بهم في دواليب الاستثمارات والاتجار بالعقارات وتوزيع الريع والمال العام، بخاصة أن هناك أسماء كثيرة متورطة في قضايا لم تفتح بعد وقد يستغرق النظر فيها سنوات طويلة.
على الجانب الآخر، يذكر المتخصص الاقتصادي مصطفى بن خمو، بأنه لا وجود لشيء يمكن تسميته بمصالحة مالية واقتصادية مع مسؤولين تورطوا في الفساد، مبرزاً أن وجود وقائع مثبتة تحتم على القضاء إصدار عقوبات بالسجن حتى يكونوا عبرة في المستقبل لكل الذين يتقلدون مناصب المسؤولية في الدولة.
ويعتقد بن خمو في إفادة لـ “اندبندنت عربية” أن إقرار المصالحة أو إصدار عفو على رجالات بوتفليقة وحتى الإطارات المسجونة قد يشجع على الفساد في المجتمع ويشكك في مساعي التغيير الذي يطالب به الجزائريون، معتقداً أن استرجاع الأموال المنهوبة يكون من خلال بعث إجراءات عميقة والدخول في مفاوضات عالية المستوى وجدية مع الدول التي توجد فيها هذه الأموال على غرار فرنسا وإسبانيا وحتى سويسرا وبلدان أخرى.
ويوجد عشرات المسؤولين من وزراء سابقين ورجال أعمال وحتى جنرالات سابقين رهن الحبس، حيث صدرت في حق بعض منهم أحكام ثقيلة تصل إلى 20 سنة سجناً، لتورطهم في قضايا فساد، وجاء التحقيق معهم عقب اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) 2019، في خطوة لكسب ثقة المحتجين، الذين رفعوا مطالب تنادي بمحاكمة من وصفوهم بـ”العصابة”.
وأثارت هذه المحاكمات التي لا تزال مفتوحة على مستوى القضاء جدلاً واسعاً بين القانونيين الذين حذروا من “العدالة الانتقامية” وطالبوا بتوافر شروط المحاكمة العادلة، سواء لرجالات بوتفليقة أو لنشطاء الحراك، على اعتبار أن السياق العام الذي جاءت فيه مرتبط بأزمة سياسية يعيشها البلد وصراع داخل أجنحة السلطة، وفق تعبيرهم.