باحث سياسي : نعيم قاسم ليس وحيداً

2

أكد الكاتب والباحث السياسي، الدكتور ساعود جمال ساعود، أن “حزب الله” بتعيين نعيم قاسم أميناً عاماً “لا يعيد الانطلاق بمعنى الهيكلة والتأسيس بل هو مستمر كما كان، وهنا نحن أمام عدة نقاط رئيسة، منها أن لـ”حزب الله” بنية هيكلية تنظيمية قوية ومتماسكة الهيئات، إضافة إلى استمرار الدور العملياتي للحزب كقاعدة متقدمة لدول المحور”.

الأمم المتحدة تصف الشرق الأوسط بأحد أخطر الأماكن بالنسبة للصحفيين
وأجاب الدكتور ساعود عن “تأثير تعيين نعيم قاسم على العمل المقاوم للحزب” بأن الشيخ قاسم ليس وحيداً، بل هناك مجلس خبراء مصغر داخل الحزب تعاضده مرجعيات دينية وسياسية عدة، إضافة إلى أن تعيينه مستقل عن العمل المقاوم الذي كان مستمراً أثناء ساعات إعلان استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، بل أصبح هناك دوافع وروافد أخرى سياسية وعقائدية تعمل كحشوة دافعة نحو المزيد من العمل المقاوم”، مشيراً إلى أنه بطبيعة الحال وبالمفهوم الفيزيائي حالة العمل المقاوم موجودة ومستمرة ما دام التهديد موجودا.

النقد الدولي يتوقع معدلات قياسية للتضخم في السودان ومصر
وتابع الباحث السياسي: “إن استراتيجيات حزب الله في الدفاع والهجوم تتحدد بموجب تقييم قيادة حزب الله ورؤيته الخاصة لثلاثة متغيرات، أولها متغيرات الميدان، بما فيها من تصعيد إسرائيل العسكري وتوسيع نطاق استهدافاتها وتزايد تهديداتها للعمق اللبناني وللخلفية الداعمة لحزب الله، فمثلاً استهداف الحزب الله مستوطنات العدو الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل محمل بالدلالات”، مضيفاً أن المتغير الثاني هو متغيرات الوسط الإقليمي ومنها الجنوح لتسوية سياسية ووقف فعلي لإطلاق النار، وهذا ما لم يتحقق، والمتغير الثالث هو المتغير الدولي حيث يتزايد الدعم الأمريكي الأوروبي لإسرائيل سياسياً وعسكريا.
تطوير استراتيجيات “حزب الله” القتالية تلاحق ممارسات إسرائيل في الميدان
وأوضح الدكتور ساعود أن هذه المتغيرات الثلاثة “تتطلب تغييراً مستمراً لاستراتيجيات “حزب الله” السياسية والعسكرية، ودليل هذا المنطق أن الشيخ نعيم قاسم الذي تراهن إسرائيل أنه ليس بحزم السيد نصر الله، دشن منذ فترة استراتيجية “إيلام العدو” فهو عراب هذه الاستراتيجية وللمرة الأولى رأينا استهداف منزل نتنياهو ومن ثم توجيه إنذار لـ 25 مستوطنة إسرائيلية بالإخلاء، وتزايد مدى صواريخ “حزب الله”، فهذه دلائل على أن ممارسات إسرائيل في الميدان هي المحدد الأساسي لتطوير الاستراتيجيات”، مشيراً إلى أنه مع تصاعد الصراع أكد الشيخ قاسم بخطابه الأخير أنهم سيتابعون ما وضعه السيد نصر الله وينفذونه، فهو منفذ وقائد ومطوِّر والعبء ثقيل.
“إيلام العدو” استراتيجية الشيخ قاسم

البورصة تربح 24 مليار جنيه في أكتوبر وسط توجه العرب لشراء أسهم خارج المقصورة
وحول الاختلافات الاستراتيجية بين عمل القادة الثلاثة “نصر الله وصفي الدين وقاسم”، قال الدكتور ساعود: “إن هاشم صفي الدين هو ربيع المقاومة القصير، ولم تتضح معالم ما وضعه من استراتيجيات، أما السيد نصر الله فقد اتبع سياسية “التدرج الاستراتيجي، إذ أدرك أن المعركة طويلة الأمد والعدو مستمر بعدوانه ومذخّر بأعتى الأسلحة والتكنولوجيا، لذا اتبع التدرج باستخدام المخزون العسكري وإظهار نوعيات الأسلحة، والتكتيكات المتبعة، والنبرة السياسية، وكانت قواعد الاشتباك عنده واضحة مقابل خرقها من قبل الإسرائيلي عبر استهداف المدنيين”، مبيناً أنه “بالنسبة للشيخ نعيم قاسم، فالواقع المستجد المفروض عقب اغتيال القادة واستهداف سلاسل توريد الأسلحة والتصعيد الإسرائيلي، وضعه أمام واقع ومتطلبات “التساير في سبيل حفظ التوازن” فمن هنا اتبع استراتيجية “إيلام العدو” التي اتخذت أشكال المعاملة بالمثل استهدافاً وتأثيراً وأحياناً استباقاً ومفاجآت التكتيك وضبط إيقاع الميدان عبر إفشال الخرق البري للجنوب”.

وقال الباحث السياسي في حديثه عن أركان قوة “حزب الله”: “إن الغرق بتفاصيل الأسلحة أمر خاطئ، فنقاط قوته بحاضنته الشعبية التي لا تقتصر على الجغرافيا اللبنانية بل هي متمددة وانسيابية، والنقطة المهمة هي انقضاض “اللحظة الحرجة” وتدخل داعميه في لحظة تفاقم الأحداث، وهي نقطة يخطئ الكيان في تقديرها، وما تزال الحالة بعيدة ما دام حزب الله متوازن حتى الآن”، لافتاً إلى أنه “يجب التمييز هنا بين القدرة العسكرية ومستواها، فحزب الله لديه ترسانته العسكرية الكبيرة المتنوعة، والتي تأخذ بعين الاعتبار تسليح العدو الإسرائيلي ومكامن تفوقه ونقاط تهديده ومصادر إيلامه، ولكن تسليحه ليس بمستوى تسليح العدو، إذ إن حزب الله ليس تقليدي السلاح، ولديه ضمن ترسانته معدات خاصة بمخرجات الذكاء الاصطناعي، لديه عنصر بشري مغذّى عقائدياً وصفه السيد حسن بقوله: “تواجهون أناساً يملكون إيماناً لا يملكه أحد على وجه الأرض”، مقابل جنود إسرائيليين “مجرد هياكل بشرية يكسبها سلاحها القوة ولكنها لا تكسبه القوة”، وبنظري حزب الله هو حزب رجال “القلب الواحد” و”المعتقد الإيديولوجي الراسخ”.
وعلق الدكتور ساعود على تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت “أن حزب الله لم يتبقَ له سوى 20% من صواريخه”، أنه علينا التركيز على توقيت إطلاق هذه الرصاصة الإعلامية التي تصيب من وثق للمعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية وركن إليها، فإسرائيل اليوم تستمر بحربها الهجينة ضد حزب الله والتي تقرن بها البعد العسكري بالبعد النفسي، في ظل فترة دقيقة ينتقل بها حزب الله لأمين عام ثانٍ، مشيراً إلى أن التصريح مدروس وله أبعاد كثيرةـ، منها تقوية عزيمة جنوده للاستمرار، إضافة إلى أنه رسالة لحزب الله أنهم مستمرون بحربهم ولن تتوقف تلك الحرب حتى استنزافهم.

وتابع الباحث السياسي: “للأسف، لا يمكن الاستهانة بقدرات إسرائيل الاستخباراتية، ولكن السؤال هنا: ما الذي جعلهم يتحدثون عن الترسانة العسكرية؟، يكمن الجواب بعد شروعهم بتطبيق إستراتيجية ” تقطيع الأوصال” أي بتر روافد التغذية العسكرية للحزب، لتبقى ترسانة الحزب رهينة ما تم تخزينه سابقاً من معدات عسكرية متنوعة بما فيها الاستراتيجية”، مشيراً إلى أن الاعتقاد الإسرائيلي كنوع من الحسابات التكتيكية صحيح وخاطئ بالوقت ذاته، فهم لم يحيطوا إلا بالطرق التقليدية لإمدادات الأسلحة، ولكن الحسابات الإستراتيجية تقول: إن حزب الله حين يصل لدرجة نفاد الأسلحة كما يزعم غالانت، فسيواجه من سماهم السيد نصر الله سلاطين البر والبحر، وهي نقطة حرجة لن يقف داعمو الحزب متفرجين عندها، وبالمجمل ترسانة حزب الله مجهولة الحجم والنوعية ونوافذ الإمداد.
ليس من مصلحة إسرائيل المضي بحربها

الأمم المتحدة تصف الشرق الأوسط بأحد أخطر الأماكن بالنسبة للصحفيين
وأشار الدكتور ساعود إلى أن غالانت يتجاهل أن حالة الاستنزاف التي تمر بها الأطراف كافة ليست من مصلحة أحد، فهو يتجاهل أعداد حقيقية، فللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل هناك أكثر من 200 أسير إسرائيلي، وما يزيد على 11000 قتيل بين جندي وضابط و980 جريحاً، والملايين تهرع إلى الملاجئ مع كل صفارة إنذار تدوي، وأعتقد في علم “الحساب السياسي” ليس من مصلحة إسرائيل المضي بحربها، ولكنها تراهن على إنجازاتها ضد “حماس” و”حزب الله” وخاصة بعد اغتيال القادة وضرباتها الاستخباراتية والعسكرية واستغلال استهداف المدنيين والمساندة الدولية لها والخنوع القاتل للصف العربي، وعدم إقحام إيران ذاتها بالمعركة مباشرة وجها لوجه لما له من مغبات استراتيجية على الشرق الأوسط.

بيان للجيش المصري حول مزاعم التعاون مع إسرائيل فى عملياتها العسكرية
لا حل سياسي والحرب مستمرة
وحول إمكانية إيقاف الحرب، قال الباحث السياسي: إن العملية السياسية لإيقاف الحرب ثانوية بالنسبة لإسرائيل، والأساس هو ما تطمح إلى تحقيقه عسكرياً مدفوعة بطموحاتها الاستراتيجية المتعلقة بالوجود والتوسع والاستمرارية، والتي تتلخص بمخطط إسرائيل الكبرى التي تجعل نطاق عملياتها العسكرية يمتد ليشمل سورية والعراق وإيران إضافة إلى لبنان وفلسطين، مشيراً إلى أن إسرائيل وفق حسابات قادتها اغتالت القادة الفاعلين في المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتستنزف طاقاتهم ومواردهم وحاضناتهم الشعبية، وتقطع سلاسل استمرارهم عسكرياً، فهي تعتقد أن الاستمرار بالحرب عسكريا لصالحها، وأن العملية السياسية يجب أن تكون وفق الوضع الجيوسياسي الذي تطمح له وفق شروطها وطموحاتها وهي من تفرضه ولا تدخل للعملية السياسية كطرف في تسوية، فالتسوية مرفوضة وفق العقلية الإسرائيلية.
وختم الدكتور سأعود بالقول: إذاً لا حل سياسياً والحرب مستمرة، ورحم التمخضات السياسية هو الميدان ومجرياته العسكرية وتغيراته، لذا لا داعي للحديث عن شروط حزب الله لوقف إطلاق النار ما دام هو جبهة إسناد، ووقف الحرب على غزة مطلبه، فالحزب يتصدى الآن لهجوم إسرائيلي يستهدف لبنان مستقلاً عن غزة، ولا أمان لإسرائيل طالما لا أمان للبنانين، ويبقى حزب الله وليس طرف لبناني آخر هو من يجسد الأمن القومي اللبناني ويدافع عنه.