بايدن يسير على خط رفيع في سياسته حيال الصين وروسيا
بينما تتهم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الصين بالإبادة
الجماعية إلا أنها توصلت معها إلى تعهّد مشترك بشأن التعاون
في مجال المناخ. واتبّعت سياسية مشابهة حيال موسكو إذ يعمل
البيت الأبيض على تنظيم قمة مع روسيا، رغم فرضه عقوبات جديدة قاسية عليها.
ولا تقوم استراتيجية بايدن على تخفيف مستوى التوتر، وهو الهدف المعلن للدبلوماسية عادة، بل تحديد الآفاق الضيّقة التي
يمكن من خلالها العمل معا — خصوصا في ما يتعلّق بتغير المناخ — مع الإدراك بأن العدائية ستطبع الجزء الأكبر من العلاقة.
وألمح بايدن إلى علاقة الحرب الباردة بين بلاده والاتحاد السوفياتي الأسبوع الماضي بعدما أمر بفرض عقوبات وطرد
دبلوماسيين روس للرد على تدخّل موسكو المحتمل في انتخابات الرئاسة الأميركية وعملية قرصنة إلكترونية واسعة النطاق.
وقال بايدن “نريد علاقة مستقرّة يمكن التنبّؤ بها”، واقترح قمة في دولة محايدة خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بينما كان في الوقت ذاته يضغط عليه على خلفية وضع المعارض المسجون أليكسي نافالني الصحي.
وأفاد “على مدى تاريخنا الطويل في التنافس، لطالما تمكّن بلدانا من إيجاد طرق لاحتواء التوتر ومنعه من التصاعد إلى حد خروجه عن السيطرة”.
وتقوم علاقة بايدن بالصين على فلسفة مشابهة يصفها المحيطون به في البيت الأبيض بأنها قدرة على القيام بمهام متعددة في الوقت ذاته.
ودافع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في خطاب الاثنين عن هذا النهج من أي انتقادات محتملة قائلا إن جهود أي دولة في مجال المناخ لا يمكنها أن تكون “مبررا لسلوكها السيء”.
وقال بلينكن “المناخ ليس ورقة مساومة، إنه مستقبلنا”.
وبعد زيارة أجراها إلى شنغهاي الأسبوع الماضي، أصدر المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري بيانا مشتركا مع الصين جاء فيه أن البلدين “ملتزمان بالتعاون معا”.
وبغض النظر عن مدى عمومية النبرة، إلا أنها مثّلت تناقضا صارخا مع اجتماع هيمن عليه التوتر بين كبار السؤولين من الجانبين
كان الأول لإدارة بايدن وعقد في ألاسكا في آذار/مارس إذ أعرب بلينكن خلاله عن قلقه حيال سلسلة من الخطوات الصينية بما فيها ما تعتبرها واشنطن “إبادة جماعية” بحق الأويغور وغيرها من الأقليات المسلمة الناطقة بالتركية.
تحوّل خافت
ودعا بايدن بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قمة للمناخ هذا الأسبوع، بينما قال كيري إن عدم العمل بشكل مشترك في ملف المناخ رغم الخلافات الأخرى يعد بمثابة “انتحار”.
ويعقب نهج بايدن الهادئ دبلوماسية سلفه دونالد ترامب ذات الطابع الشخصي، إذ أعرب الأخير عن إعجابه ببوتين بينما ندد باستمرار ببكين التي حمّلها مسؤولية وباء كوفيد-19.
ويشير الباحث لدى معهد “بروكينغز” رايان هاس، الذي عمل مستشارا خاصا بالصين في عهد إدارة باراك أوباما، إلى “تحوّل
تدريجي ولكنه كبير” في موقف الإدارة الأميركية من الصين في عهد بايدن.
وقال هاس إن “إدارته (بايدن) خففت من حدة السجالات وركّزت الأهداف بشكل محدد على الآفاق الملموسة في العلاقة حيث تتأثر المصالح الأميركية بأفعال الصين”.
وأفاد أن “الطرفين بدآ ببطء إعادة قنوات الاتصال الدبلوماسي المباشرة والفعالة للتعامل مع المسائل المقلقة والبحث في فرص التنسيق”.
وتعد الصين والولايات المتحدة أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم وتتحمّلان معا مسؤولية نصف الانبعاثات العالمية المسؤولة عن التغيّر المناخي. ويذكر أن روسيا رابع أكبر منتج للانبعاثات فيما قبِل بوتين دعوة لإلقاء كلمة خلال قمة المناخ.
وقالت نائبة رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية هيذر كونلي إن قرار بوتين المشاركة “يؤشر إلى أنه هو أيضا مهتم بالمحافظة على بعض المساحة في العلاقة الأميركية-الروسية المشحونة”.
مجرّد خطابات؟
لكن كونلي أكدت أن “التحدّث خلال قمة افتراضية وتخفيف التداعيات المناخية أمران مختلفان للغاية”.
وقالت “اللافت بالنسبة إلي هو أنه بينما تتحدّث كل من بكين وموسكو لغة التغيّر المناخي أمام الجماهير الدولية، تضغطان
في الداخل على دواسة البنزين لزيادة الانبعاثات الكربونية العالمية”، مشيرة إلى قطاع الوقود الأحفوري الروسي واعتماد الصين على مصانع الفحم.
وفي موضوع نشراه مؤخرا، قال الخبير المتخصص في شؤون الصين لدى الكلية الحربية البحرية الأميركية اندرو إريكسون
وقالا إنه بإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دورا رائدا في فرض ضريبة كربون على الصادرات، وهو أمر يدعمه الاتحاد الأوروبي بالفعل، لإجبار الصين على خفض اعتمادها على الفحم.
وكتبا في مجلة “فورين أفيرز” أن “حديث شي الواثق بشأن مكافحة تبدّل المناخ ليس إلا غطاء لأجندة محسوبة بشكل أكبر”.
وأضافا “يعرف صناع السياسات الصينيون أن بلدهم حاسم بالنسبة لأي جهد دولي شامل لخفض انبعاثات الغازات المسببة
لمفعول الدفيئة، ويحاولون استخدام ذلك كورقة ضغط لتحقيق مصالح صينية في مجالات أخرى”.