بعد انتخاب ترامب.. هل اختارت أميركا دورا جديدا في العالم؟

2

عد انتخاب ترامب.. هل اختارت أميركا دورا جديدا في العالم؟

بعد انتخاب الأميركيين للرئيس السابق دونالد ترامب لفترة حكم ثانية تفصلها 4 سنوات عن الفترة الأولى، ستتسابق دول العالم على إعادة رسم علاقاتها معه وحساب الآثار المحتملة لوصوله إلى البيت الأبيض على أوضاعها وقضاياها الحيوية.

وفي تحليل نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “تشاتام هاوس” نقلت برونوين مادوكس الرئيس التنفيذي للمعهد عن مسؤول ياباني القول: “إننا في العالم تعلمنا التعامل مع الرؤساء الأميركيين الجدد كما نتعامل مع هدية عيد الميلاد، نفتحها ونقول هذه بالضبط هي ما كنا نريدها أيا كانت الهدية”.

لكن الأمر قد يكون أكثر تعقيدا مع الرئيس المنتخب ترامب، ففي حين تبتهج روسيا وإسرائيل بفوزه، فإن الدول الأوروبية وبخاصة بريطانيا وحلفاء واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي يواجهون موقفا أشد تعقيدا.

وهذه الدول تحاول بلورة ردها في ضوء تصريحات ترامب، مع العلم بأن صعوبة التنبؤ بقراراته وتناقض مواقفه كانا من أهم سمات فترة رئاسته السابقة وربما تكون أيضا في فترة رئاسته الثانية.

إيران تحدد الأولوية مع ترامب

والحقيقة أن أغلب دول العالم تترقب سياسات ترامب تجاه مجموعة كبيرة من الملفات الحيوية من التجارة إلى الصراعات الجيوسياسية ومن قضايا المناخ إلى العلاقات الأميركية الأوروبية.

ولعل ملف الرسوم الجمركية التي تعهد ترامب بفرضها على واردات الولايات المتحدة من الصين والعديد من دول العالم، هو الأوسع تأثيرا على علاقات الولايات المتحدة مع دول العالم.

ورغم أن الرسوم لن تؤدي إلى انفصال الاقتصاديين الأميركي والصيني، فإنه يمكن أن تحد من تجارة السيارات الكهربائية وغيرها من الواردات.

 

د. ماك شرقاوي يكتب: فوز ترامب: هل يحمل في جعبته صفقة قرن جديدة أم تصعيدًا في الصراع؟”

كما يمكن أن تدمر النمو الاقتصادي العالمي، حيث حذر خبراء الاقتصاد ــ دون أي تأثير واضح على حملة ترامب ــ من التأثير التضخمي الذي ستخلفه الرسوم الجمركية والضغوط التصاعدية المترتبة على ذلك على أسعار الفائدة والدولار.

أ
ويمكن أن يمتد التأثير إلى الدول الأوروبية. وسيتوقف ذلك على الرسوم التي سيختار ترامب فرضها وما إذا كانت إدارته ستسعى بنشاط للحد من الانفتاح الاقتصادي الأوروبي النسبي على الصين.

في خطاب النصر الذي ألقاه، كرر ترامب مقولة إنه في عهده لن تكن هناك “حروب جديدة”، وإنه في حين يريد قوات مسلحة أميركية قوية، فإنه يفضل عدم استخدامها، معربا عن رغبته في إنهاء الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط وتباهى بقدرته على عقد “صفقات” لتحقيق هذه الغاية.

ولكن برونوين مادوكس تقول في تحليلها إن السؤال الرئيسي المطروح هو ما إذا كان ترامب سوف يدفع باتجاه وقف القتال في أوكرانيا، وكيف سوف يفعل ذلك.

وإذا سعى إلى تجميد الصراع على طول خط المواجهة الحالي، فلن يكون هناك ما يكفي لحماية أوكرانيا ــ أو أوروبا ــ من المزيد من روسيا في المستقبل ما لم تتعهد الولايات المتحدة بمنع ذلك.

وربما تقدم الولايات المتحدة لكييف ضمانات أمنية صريحة، في حين أن عضوية حلف شمال الأطلسي تظل احتمالا بعيدا، لذلك قد يكون تقديم واشنطن تعهدا أمنيا مباشرا لأوكرانيا أكثر واقعية، لكن هل سيكون مثل هذا الوعد كافيا لإقناع أوكرانيا بوقف القتال.

فالقيادة والشعب هناك ينظرون إلى الحرب مع روسيا باعتبارها حرب وجود، وأن أي تنازل عن الأراضي لروسيا، حتى لو لم يتم ذلك بشكل رسمي، فقد يصبح عقبة يستحيل تجاوزها في المفاوضات.

وبالنسبة للصراع في الشرق الأوسط، فإن ترامب يمكن أن يجعله أسوأ أو يفتح الباب أمام استقرار المنطقة.

ورغم انحيازه التام لإسرائيل فإن علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متقلبة.

لا شك أن نتنياهو كان يأمل في فوز ترامب، وإذا انحاز الرئيس الأميركي المنتخب إلى نتنياهو والتيار المتطرف في حكومته الذي لا يقبل بوجود دولة فلسطينية، فسيمثل ذلك خطورة كبيرة.

وسترى قطاعات من المجتمع الإسرائيلي أن حكم ترامب فرصة لضم الضفة الغربية إلى دولتهم والسيطرة على قطاع غزة أو إعادة احتلاله جزئيا، على أمل أن يدفع ذلك الفلسطينيين إلى مغادرة تلك المناطق إلى دول مجاورة.

وقد يجد نتنياهو في وجود ترامب تشجيعا على شن المزيد من الهجمات ضد إيران.

من ناحية أخرى، يبدو أن ترامب يعني ما يقوله بشأن إنهاء الصراعات، حتى لو كان ذلك فقط من باب الاهتمام بالمصالح الأميركية، لذلك قد يتعرض نتنياهو لضغوط لوقف قصف جنوب لبنان والتوصل إلى اتفاق في غزة مع حماس، بما في ذلك إطلاق سراح الرهائن.

ويمكن أن يسمح ذلك للرئيس المنتخب بالادعاء أنه حقق السلام في الشرق الأوسط، لكن توقيع مثل هذا الاتفاق بين تل أبيب والرياض سيظل مستحيلا دون التزام إسرائيلي واضح بإقامة دولة فلسطينية.

أما بالنسبة لملف التغير المناخي الذي يثير قلق الكثير من دول العالم، فمواقف ترامب لا تبشر بخير.

فالتزام الرئيس المنتخب بالسعي إلى الحصول على النفط والغاز الأميركيين الرخيصين بتفق مع وضع الناخبين في الداخل في الاعتبار، في حين سيؤدي إلى إبعاد الولايات المتحدة أكثر عن محادثات المناخ العالمية.

إذا انسحب ترامب من اتفاق باريس للمناخ مرة أخرى كما فعل في ولايته الأولى، فمن المرجح أن يموت الهدف العالمي لتجنب ارتفاع درجة الحرارة بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية.

كما سيتلاشى أي احتمال لتحسين التعاون الغربي مع الصين والهند للتخلص من الانبعاثات الكربونية، وقد يسمح للصين بتصوير نفسها على أنها تتمتع بأرضية أخلاقية عالية فيما يتعلق بقضايا المناخ.

أخيرا فإن ترامب يتبنى رؤية مختلفة تماما لدور الولايات المتحدة، فهو يؤكد أن استمرار حماية الولايات المتحدة لأوروبا يتوقف على زيادة الإنفاق الأوروبي على الدفاع بما يجعل موقف الولايات المتحدة داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) مؤقتا.

في الوقت نفسه سيكون لدى كوريا الجنوبية واليابان سببا وجيها للشك في إمكانية الاعتماد على مظلة الحماية الأميركية في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية والصين، وهو ما يمكن أن يدفعهما إلى زيادة الإنفاق العسكري.

معنى هذا أن السياسة الخارجية الأميركية ستصبح أصعب في التنبؤ بها.

وقد كان تطبيق ترامب لخططه في ولايته الأولى غير منظم ولا فعال بدرجة كبيرة، في الوقت نفسه فإن ترامب حريص على التحدث إلى القادة الذين يقفون حاليًا ضد المصالح “الغربية”، بما في ذلك روسيا.

لذلك يخشى حلفاء الولايات المتحدة التقليديون من أنه قد يضحي بالقيم الغربية ويدفع نحو نظام عالمي قائم على الصفقات وليس المبادئ.