بين التبعية والعزلة .. ناميبيا تعاكس مسار التاريخ في قضية الصحراء المغربية

4

رغم الانعطافات المهمة التي شهدتها قضية الصحراء المغربية، بما فيها توسع دائرة الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية وتوالي مسلسل سحب اعترافات الدول بـ”جمهورية المخيمات” في تندوف الجزائرية، مع تأكيدها على حصرية الحل السلمي لهذا النزاع المفتعل في إطار مخطط الحكم الذاتي، تستمر بعض الدول الإفريقية، على غرار ناميبيا، في تبني مواقف داعمة للطرح الانفصالي، كما جاء على لسان وزيرة العلاقات الدولية في هذا البلد خلال اجتماع عقدته بالعاصمة ويندهوك مع أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى هذه الدولة الإفريقية.

شباب الصحراء يُغلقون أبواب الانفصال ويفتحون نوافذ مستقبل الوحدة والتنمية

وأوضح مهتمون أن مثل هذه المواقف تكشف عن محاولات للحفاظ على هامش من المناورة الجيوسياسية، حيث تحول دعم الانفصاليين إلى تعبير عن حسن نوايا لتقوية الروابط مع دول داعمة للبوليساريو في المنطقة، على غرار جنوب إفريقيا، مبرزين في الوقت ذاته أن المواقف الداعمة للانفصال تواجه صعوبات متزايدة في الصمود، وتظل محكومة بميزان التحولات السياسية في القارة الإفريقية والعالم.

ويرى جواد القسمي، الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “دعم ناميبيا لجبهة البوليساريو الانفصالية في الصحراء يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل؛ منها التاريخ المرير الذي عاشته، ونضالها الطويل لنيل استقلالها عن جنوب إفريقيا، الذي لم تحصل عليه إلا في مطلع تسعينيات القرن الماضي. هذا النضال الطويل، الذي دام أكثر من 70 سنة، ترك أثراً عميقاً في الوعي السياسي والاجتماعي للشعب الناميبي، وهي بهذا الدعم تُظهر تعاطفاً مع جبهة البوليساريو كحركة تحرر وكشعب مقاوم يطالب بحقوقه في نظرها، رغم الفوارق الكبيرة بين الحالتين”.

وأضاف القسمي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الموقف يتماهى مع موقف جنوب إفريقيا بالنظر إلى علاقات البلدين الاقتصادية كعضوين في مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC)، وتأثير المواقف السياسية لجنوب إفريقيا على ناميبيا في دعم البوليساريو، لأن هذا التوافق السياسي يساهم في تعزيز مصالح ناميبيا الإقليمية، والاستفادة من المكانة الاقتصادية لجنوب إفريقيا”.

وسجل أن ” تغير مواقف الدول من قضية الصحراء المغربية قد يتأثر، لا شك، بتغير الظروف الإقليمية والدولية؛ فتغير مواقف الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية قد يساهم في إعادة تقييم مواقف ناميبيا، لكن قد يكون التحول في موقف جنوب إفريقيا هو المؤشر الذي يمكن أن نقيس به مواقف ناميبيا من هذه القضية. ومع مواقف بعض القادة السياسيين في جنوب إفريقيا، الذين دعموا مؤخراً الطرح المغربي، قد نرى مستقبلاً تحولاً في الموقف الناميبي من القضية، وظهور أصوات وقوى سياسية ناميبية تكسر هذا الموقف التقليدي، أسوة بمواقف قادة سياسيين في جنوب إفريقيا”.

من جهته، قال عبد الفتاح الفاتيحي، مدير “مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية”، إن “ناميبيا دولة ذيل بالنسبة لجنوب إفريقيا، التي ظلت خاضعة لها إلى سنة 1990، حيث أعلنت عن تأسيسها. وبالتالي فإن تبعيتها تبقى متواصلة لنظيرتها في بريتوريا”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن تصور تغير سريع في موقفها من مسألة الوحدة الترابية إلا بحدوث تغير في مواقف جنوب إفريقيا”.

وأوضح المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “ناميبيا دولة محدودة التأثير والنفوذ في العلاقات الدولية، لذلك لا يُعتد بموقفها، والدبلوماسية المغربية لا تجعلها ضمن أولوياتها في سياق استهداف الدول الكبرى، التي يمكن أن تُحدث فارقاً في الأداء الدبلوماسي لصالح المغرب”.

وسجل أن “دولة ناميبيا، وبعض الدول الأخرى الداعمة للانفصال، دول ضعيفة اقتصادياً وجيوسياسياً بسبب حداثة تأسيسها وقلة علاقاتها الدولية. وبالتالي فهي تحاول الحفاظ على مواقفها العدائية من الوحدة الوطنية لبعض الدول، كالمملكة المغربية، في إطار طبع تبعيتها المطلقة والتاريخية للدولة الوصية على مواقفها السياسية والاقتصادية، أي جنوب إفريقيا، ولذلك سيتواصل موقفها حسب تطور الدولة الحاضنة والداعمة لها”.