تحولات قضية الصحراء المغربية تفاقم كلفة تمسك الجزائر بدعم الانفصال

0

على الرغم من التحولات التي شهدها ملف الصحراء المغربية والاختراقات التي راكمتها الرباط في تدبير ملف وحدتها الترابية، فإن النظام الجزائري لا يزال يصر على السباحة عكس التيار الدولي الذي كرسه قرار مجلس الأمن الأخير، متمسكا بدعم الطرح الانفصالي الذي تتآكل شرعيته يوما بعد آخر في خضم هذه التحولات؛ ما يكشف عن حدود رهانات الجزائر الخارجية في ظل عالم يعيد ترتيب أولوياته وفق منطق المصالح والاستقرار.

ترامب يجري “مكالمة مثمرة” مع بوتين

ويثير استمرار النظام الجزائري في التشبث بمواقفه التقليدية تساؤلات متزايدة حول كلفة هذا الخيار سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الدولية على الجزائر وتنامي مظاهر العزلة التي يعيشها هذا البلد المغاربي الذي يصر حكامه على تجاهل الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، مقابل مواصلة دعم قضية صارت، وبحكم الواقع، عبئا ثقيلا يطارد السياسة الخارجية للجزائر ويقيد حركتها في محيط دولي وإقليمي سريع التحول.

شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، قال إن “النظام الجزائري، رغم الخسائر التي مُني بها في ملف الصحراء المغربية والمتغيرات الإقليمية والدولية والتطورات التي شهدها هذا الملف آخرها قرار مجلس الأمن الدولي، لا يزال مُصرا على دعم الطرح الانفصالي”.

تسونامي الذكاء الاصطناعي يجرف ملايين الموظفين إلى البطالة

وأضاف بن زهرة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “النظام يحاول تجاهل العواقب المترتبة عن خياراته؛ لأن هذه القضية وجودية بالنسبة له، ويحاول تأخير الحل بأي ثمن كان”.

وأوضح الناشط السياسي الجزائري المعارض أن “النظام الجزائري لم يحقق أية مكاسب استراتيجية في هذا الملف؛ بل تكبد خسائر اقتصادية ودبلوماسية كبيرة من دعمه لميليشيا “البوليساريو” على حساب حاجات الشعب الجزائري وصورة الدولة التي تضررت بشكل كبير نتيجة سياسات هذا النظام”.

وأبرز المتحدث ذاته أن “الجزائر خسرت الكثير على المستوى الدبلوماسي، وتحول موقفها إلى توتر مع الدول المغاربية والإفريقية والأوروبية أيضا؛ وهو ما تكشف عنه الأزمة مع فرنسا”.

وسجل بن زهرة أن “النظام رهن علاقاته مع الدول بموقفها من قضية الصحراء؛ وهو ما تسبب في أزمات دبلوماسية غير مسبوقة مع العديد من الدول، وأدى إلى عزلة دبلوماسية وزيادة الضغوط الدولية على الجزائر”.

وأشار الناشط السياسي الجزائري سالف الذكر إلى أن “التكلفة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة واضحة للعيان؛ من خلال الموارد المالية المهمة التي تخصصها الجزائر لدعم “البوليساريو”، وتمويل الجهود الدبلوماسية للترويج لأطروحة الانفصال”.

وشدد بن زهرة على أن “استمرار النظام الجزائري في هذا المسار سيجر البلاد إلى مستنقع جديد من الخسائر السياسية والاقتصادية دون أي أفق واضح، خاصة أن العديد من الدول التي كانت داعمة للبوليساريو في السابق أو متضامنة معها على الأقل أعادت تقييم خياراتها على أسس واقعية بما يخدم مصالحها القومية”.

من جهته، أوضح جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “استمرار الجزائر في دعمها للطرح الانفصالي وعدم التعاطي بإيجابية مع القرار 2729 لمجلس الأمن الداعم لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية يمكن أن تكون له تكلفة كبيرة على مستويات متعددة”.

وسجل القسمي، في تصريح لهسبريس، أن “مواقف الجزائر بعد قرار مجلس الأمن سوف تتأثر؛ لأنها ستكون في مواجهة مع قرار صادر عن أعلى هيئة دولية عُهد إليها حماية السلم والأمن الدوليين”.

وتابع الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي: “هذا الأمر سيجعل تعاطي الدول مع أي موقف أو تحرك جزائري مرهونا بمدى توافقه مع القرار الأخير؛ وهو أمر سيضيق هامش المناورة أمام النظام الجزائري، وذلك حتى أمام أهم داعميه التقليديين، كالصين وروسيا”.

ولفت المصرح لهسبريس إلى أن “هذا الوضع سيعمق من عزلة النظام الجزائري في المحافل الدولية، ويؤثر على مصداقية النظام الذي يحاول إنكار مضامين قرار مجلس الأمن. كما أن علاقة الجزائر بالدول الكبرى ستتأثر بهذا التعنت الجزائري، خصوصا دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، في ظل وجزد الرئيس ترامب في السلطة؛ مما قد يعجل بتصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية، خاصة وأنه كانت هناك مبادرات في الولايات الأمريكية حول هذا الأمر”.

وذكر الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي أن “الاستمرار في اتخاذ الجزائر للمواقف السابقة نفسها سيكون لصالح المغرب، الذي بادر إلى إيجاد حل للنزاع المفتعل حول الصحراء، مع إظهار الجزائر كطرف لا يريد حلا ولا يتعاطى بجدية مع قرارات مجلس الأمن. كما لا ننسى الكلفة الاقتصادية الهائلة التي تتكبدها الجزائر من ميزانية الدولة، والتي قُدرت بمليارات الدولارات، وهي ميزانيات ضخمة كانت الدولة في أمس الحاجة إليها لتنمية البلاد وتعزيز الاقتصاد الوطني”.

وخلص القسمي إلى أن “القرار الأخير لمجلس الأمن قد وضع الجزائر أمام خيار صعب: إما الاستمرار في تحمل هذه الكُلف المتصاعدة في ظل «عزلة متنامية»، أو الانخراط في مسلسل يفضي إلى الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.