ترامب وماسك في مواجهة عاصفة من الانتقادات
في أول تجمع له بعد فوزه الكبير في انتخابات الخامس من نوفمبر الماضي، ظهر الرئيس المنتخب دونالد ، في ولاية أريزونا، وتحديدا بمدينة فينكس؛ حيث وجد نفسه مضطرًّا للرد على تلك الموجة الهائلة التي راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحتى على وسائل الإعلام الرسمية، وهي تقول إن حليفه المقرب إيلون بات الرئيس الفعلي للولايات المتحدة، بالنظر إلى حجم النفوذ المتزايد الذي بات ماسك يتمتع به في الإدارة الانتقالية، بل وبات يحرص على أن يُظهر ذلك للرأي العام الأمريكي في كل مناسبة.
ترامب سخر من هذه الانتقادات والتعليقات، قائلًا إنها غير صحيحة بالمرة وإنه لن يسمح لماسك بأن يكون الرئيس الفعلي للبلاد، مشددا على صحة موقفه من خلال التذكير بمواد الدستور الأمريكي التي تشترط في الرئيس أن يكون مولودا على الأراضي الأمريكية وهو الشرط الذي لا يتوفر لماسك؛ بسبب ميلاده في جنوب أفريقيا وليس في الولايات المتحدة.
أخبار ذات علاقة
هذه الردود من جانب ترامب تظهر حجم الرواج الذي تجده هذه الاتهامات من قبل عموم الأمريكيين ومن قبل أعضاء الكونغرس. وهذه المرة من نواب جمهوريين وبطبيعة الحال من قبل الديمقراطيين المعارضين لسياسات وخيارات ترامب.
دعم ترامب لماسك
هذه الموجة ازدادت اتساعا في أعقاب التدخل المباشر لماسك في مسار المفاوضات التي شهدها مبنى الكابيتول بين نواب الحزبين، وكذلك اعتراضه ورفضه لنسخة اتفاق أولي بين رئيس مجلس النواب “مايك جونسون” والنواب الديمقراطيين بشأن الإنفاق الحكومي؛ مما أجبر الطرفين الجمهوري والديمقراطي على العودة إلى المفاوضات مجددا. ولكن بمفارقة إضافية، وهي انضمام الرئيس المنتخب إلى الجدل الذي شهدته منصتا (إكس) المملوكة لماسك، و”تروث سوشيال” المملوكة لترامب، بعد قرار الأخير بدعم ماسك في مطالبه.
وتكرر الأمر ذاته، بعد التوصل إلى الاتفاق حيث رحب به ماسك قبل أن يصدر موقف من قبل ترامب، وظهر ترامب هذه المرة غاضبًا من نواب حزبه؛ بسبب رفضهم تنفيذ طلبه بجعل المصادقة على الإنفاق تشمل مطلبه برفع سقف الدين العام الحكومي.
هذا النفوذ الذي بات ماسك يتمتع به على مستوى الإدارة الجديدة أثار غضب الديمقراطيين؛ لأنه أخرج واشنطن عن تقاليد عملها السياسي، وأظهر أن هناك صوتًا في الإدارة الجديدة أكثر ارتفاعا من صوت الرئيس المنتخب، وهو لرجل أعمال ثري عديم الخبرة بطريقة عمل الحكومة الفيدرالية، وأساليب إنفاقها لخدمة مصالح الأمريكيين، كما قال قادة الحزب الديمقراطي.
مخاوف لدى الجمهوريين
المفاجأة، أن الانتقادات هذه المرة لم تقتصر فقط على الجناح الديمقراطي وإنما صدرت من قبل عشرات النواب الجمهوريين الذين لم يُخفوا استياءهم من حجم وثقل الدور الذي بات ماسك يمارسه على قرارات وتوجهات الإدارة الجديدة.
ماسك في مقابل هذا النفوذ المتزايد في الجهاز التنفيذي، يُخيف الجمهوريين من طموحه المعلن في التخطيط لمد سيطرته إلى داخل الحزب الجمهوري، وخاصة بعد إعلانه على منصة (إكس) أنه سيعمل في الانتخابات التشريعية المقبلة بعد عامين على تمويل حملات مرشحين ديمقراطيين معتدلين لمحاربة الأصوات اليسارية في الحزب الديمقراطي، فيما يقول الجمهوريون إن هذا يخفي طموح الرجل الثري الساعي إلى توسيع نفوذه السياسي في الكونغرس في النصف الثاني من ولاية ترامب، وذلك من خلال إيصال نواب مؤيدين لسياساته، وهناك يكون الجناحان التنفيذي والتشريعي تحت سيطرة الملياردير الأغنى والذي بات في مرحلة ما بعد انتخابات نوفمبر، الأشهر سياسيًّا في البلاد.
الاحتلال الإسرائيلي يقصف مستشفى كمال عدوان ويطالب بإخلائه فورا
في الجانب الآخر، هناك امتعاض بدأ يظهر جليًّا لدى مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن خلال أيامهم الأخيرة في البيت الأبيض؛ بسبب تدخل ماسك كما وصف من قبل بعضهم في الشؤون الداخلية لحليف تقليدي وتاريخي للولايات المتحدة في أوروبا وهو ألمانيا.
ماسك كان قد وجه انتقادات لاذعة للمستشار الألماني أولاف شولتس وطالبه بالاستقالة من منصبه بعد الهجوم الذي شهدته مدينة “ماغدبورغ” وأدى إلى مقتل وإصابة عشرات المواطنين الألمان في أسواق أعياد الميلاد، قائلا، على منصته “إكس”، إنه أحمق وغير كفؤ.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أعرب فيها ماسك عن انتقاده للمستشار الألماني لكن الذي صدر منه هذه المرة كان مخالفا للتوقعات باعتبار أن انتقاده للمسؤول الألماني صاحبه تأييد الحزب اليميني المعارض “البديل من أجل ألمانيا” الذي يدعو إلى سياسات معادية للمهاجرين والمسلمين، وهو موقف يضع الإدارة الأمريكية في حرج أمام مواطنيها، كما يضع الإدارة المقبلة كذلك في موقف غير مريح أمام مواطنيها المسلمين، خاصة بالنظر للدور الكبير الذي بات ماسك يلعبه في رسم سياسات وخيارات إدارة ترامب، وبالنظر أيضا إلى تلك التعهدات الانتخابية التي كان ترامب قد قطعها على نفسه لمسلمي الولايات المتحدة لضمان تأييدهم الانتخابي وقتذاك.
إيران: سوريا يجب ألا تصبح ملاذا للإرهاب
الانتقادات لماسك والأسئلة عن أدواره المتنوعة والمتعددة في الإدارة الجديدة ليست جديدة؛ إذ ظهرت إلى الواجهة منذ انتخاب ترامب في الخامس من نوفمبر عندما كان شريكا في اتصالات ترامب الهاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكذلك من خلال ذلك اللقاء السري الذي جمعه بمسؤولي البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة بمدينة نيويورك.
صورة مصغرة عن المقبل
ويقول ديمقراطيون غاضبون من طبيعة الأدوار التي بات إيلون ماسك يمارسها في مشهد السياسة الأمريكية، إن الرجل الذي قدم مساهمات مالية محدودة لحملة انتخاب ترامب، حصل على أضعافها ماليا منذ إعلان نتائج الانتخابات، لكن توجهه الحالي لتعزيز النفوذ ومحاولة بسط سلطته على المؤسسات الحكومية الفيدرالية بالعاصمة واشنطن، مسألة باتت تشكل تجاوزا للخطوط الحمراء لدور سياسي منوط بعضو في حكومة الرئيس ترامب، معيّن لأداء أدوار استشارية في كيفية الإنفاق الحكومي.
الديمقراطيون يقولون إن إعلان ترامب دعمه الكامل لمواقف ماسك سيفتح مزيدًا من أبواب الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل مبنى الكونغرس، فيما يتعلق بمشاريع الإنفاق الحكومي في العامين المقبلين، وأول هذه المواجهات التي يتحدث عنها الديمقراطيون ستكون حول مصير موظفي الحكومة الفيدرالية الذين يعملون عن بُعد.
ماسك كان قد أعلن مباشرة في أعقاب تعيينه في منصبه الجديد، رفقة رجل الأعمال الآخر فيفك راماسوامي، أنه سيخيّر الموظفين الفيدراليين العاملين عن بُعد، بين العودة إلى العمل في مكاتبهم أو الاستقالة من مناصبهم، بينما فضّل المعنيون الانتظار إلى حين إعلان الرئيس المنتخب موقفا واضحا من هذه التصريحات.
فيصل المقداد يصدر بيانا بشأن التطورات الأخيرة في سوريا وسقوط نظام الأسد
من جهته، أعلن ترامب، الأسبوع الماضي، أنه يؤيد هذا الخيار، وأنه سيعتمد المقترح الذي تقدم به ماسك، لحسم مصير الموظفين الحكوميين الذين يعملون في بيوتهم، منذ أزمة كورونا ليتحول الأمر وبناء على اتفاق بين الموظفين والحكومة الفيدرالية على أن يكون أسلوب عمل مريح للطرفين، كما يقولون إنه حقق نتائج أفضل من النتائج السابقة، من الناحية العملية، ولديهم الأرقام التي تؤكد هذه الحقيقة.
ويقول الديمقراطيون، إن الانحياز المتكرر من قبل الرئيس ترامب لوزيره لتطوير الأداء الحكومي سيجعل من مهمة العمل المشترك بين الحزبين مسألة معقدة وصعبة التجاوز في ظل المواقف التي بات يظهرها ماسك والحوار مع المشرعين عبر منصته للتواصل، بدلا من الحوار المباشر والحضور إلى مبنى الكابيتول، وهي مسالة يرفضها النواب الديمقراطيون شكلًا ومضمونًا حتى وإن قبلها رئيس مجلس النواب “مايك جونسون”، ورأى فيها الطريقة المناسبة لخدمة أجندة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، خلال العامين المقبلين.