ترقب حذر لبدء عمليات التسوية في “درعا” أعنف بؤر الثورة السورية
تشمل المطلوبين للأجهزة الأمنية، والمتخلّفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين
منذ بسط سيطرته الأمنية والعسكرية على الجنوب السوري قبل 5 سنوات، لم يتوقف النظام السوري عن إجراء “التسويات”، وبينما كان يستنسخ هذه السياسة من بلدة ومدينة إلى أخرى مستهدفا “المطلوبين”، لم يتغير أي شيء على مشهد المنطقة والأهالي هناك، خاصة بمحافظة درعا.
ومنذ عام 2018، خيّمت حالة من الفلتان الأمني الواسعة على درعا، تمثلت بعمليات اغتيال وتفجيرات بالعبوات الناسفة، مما أسفر عن مقتل الكثير من المدنيين والعسكريين المحسوبين على مختلف الأطراف، سواء قوات النظام أو ممن كانوا سابقا في صفوف فصائل المعارضة، بحسب ما وثقت منظمات حقوقية، بينها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
ولم تقتصر الحالة على ما سبق، بل تحولت درعا، الحدودية مع الأردن، إلى نقطة عبور مهربي المخدرات وحبوب “الكبتاغون” إلى المملكة ودول الخليج.
وبقيت هذه الحالة مثار شكوك وتكهنات، ولاسيما بشأن الجهات المستفيدة منها والمسؤولة عنها، في وقت كانت أفرع النظام السوري تواصل حملات الدهم والاعتقال من جانب، وتجري “التسويات” من جانب آخر.
وقبل أسبوع أطلق النظام السوري حملة “تسويات” جديدة في مركز “قصر الحوريات” بمدينة درعا، قالت وسائل إعلامه إنها لا تزال مستمرة حتى الآن، وتستهدف الآلاف من الشبان الراغبين بـ”تسوية أوضاعهم والعودة للحياة الطبيعية”.
وقالت صحيفة “تشرين” الحكومية، يوم الثلاثاء، إن “إجمالي من سُويت أوضاعهم خلال الأيام الماضية بلغ 1937 شخصا”، مشيرة إلى أن “التسوية تستمر حتى الخميس المقبل، وقد يتم تمديدها لأيام قليلة”.
وبدورها، أضافت صحيفة “الوطن”، شبه الرسمية، أن الحملة الجديدة “ستكون لمختلف المناطق في محافظة درعا، وتشمل المطلوبين للأجهزة الأمنية، والمتخلّفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين”.
“مشروع روسي بامتياز”
وتعتبر عمليات “التسوية” مشروعا روسيا بامتياز، كانت موسكو أطلقت مساره قبل سنوات عدة، خاصة عقب السيطرة على المناطق التي كانت بيد فصائل المعارضة المسلحة، مثل الغوطة الشرقية وريف محافظة حمص، وأخيرا في محافظة درعا.
لكن، وعلى خلاف باقي المناطق السورية التي سيطرت عليها قوات النظام السوري قبل سنوات، كان لمدينة درعا طريقة تعاطي “استثنائية”، إذ استنسخت الأفرع الأمنية “التسويات” لعدة مرات، دون أن تغيّر أي شيء على صعيد المشهد الأمني المتعلق بالمواطنين.
ويستهدف هذا المشروع المطلوبين بقضايا أمنية وجنائية، بالإضافة إلى المنشقين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش السوري.
وبموجبه يُمنح كل شخص يمضي بالمراحل المنصوص عليها “بطاقة تسوية” تتيح له التنقل داخل مناطق البلاد الخاضعة بالأصل لسيطرة النظام السوري، وبالتالي كف البحث الأمني الذي صدر بحقه قبل سنوات.
لكن، وقبل الحصول على كف البحث الأمني، يتعين على فئة من الأشخاص تسليم قطع من السلاح، بعد تسليم أفرع الأمن وجهاء المدن والبلدات قوائم اسمية.
و”التسويات” الحالية هي الثالثة من نوعها، منذ سيطرة النظام السوري على محافظة درعا في 2018.
وكانت الأولى بعد أيام قليلة من انتشار قوات الأسد بدعم روسي في عموم المناطق، وتبعتها أخرى في أواخر العام 2021.
ويوضح الناطق باسم “تجمع أحرار حوران” الإعلامي، أيمن أبو نقطة، أن الحملة الحالية التي أطلقها النظام كان مقررا أن تتم في شهر أبريل الماضي، لكن تأجلت “بشكل متعمّد”.
ويقول الناشط الإعلامي لموقع “الحرة” إن “تعمّد التأجيل يرتبط بمساعي النظام لإظهار أن ما يعمل عليه في درعا يصب في سياق مقاربة خطوة مقابل خطوة”، التي تم التأكيد عليها مؤخرا في اجتماع عمّان التشاوري.
“النظام يقدّم موضوع التسويات على أنه خطوة لضبط السلاح والأمن والفلتان الأمني في درعا”.
ومع ذلك يرى الناطق باسم التجمع الإعلامي أن “النظام السوري يفرض على وجهاء مناطق الجنوب السوري شراء الأسلحة المراد تسليمها من التجار المتعاونين معه ومع أفرعه الأمنية”.
ويعتبر أن “المراد مما يحصل الآن هو تقديم ورقة بجداول وقوائم كخطوة أولى من جانب النظام إزاء ما اتفق عليه مؤخرا مع الدول العربية” على صعيد الحل السوري.
ويشير مسؤولو النظام السوري إلى أن “كل من يسوي وضعه من المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية يشطب اسمه من اللوائح الأمنية، ويحق له استصدار ما يريد من الوثائق والأوراق الشخصية كأي مواطن بشكل طبيعي”.
وقال عضو مجلس الشعب عن محافظة درعا، أحمد السويدان لصحيفة “تشرين”، الاثنين، إن “أهمية عملية التسويات وضرورة انخراط جميع الشبان فيها تأتي في إطار سعي الدولة لتعزيز الأمن والاستقرار في كل أرجاء الوطن”.
“ابتزاز وإيجابية وحيدة”
وتنقسم “التسويات” في الجنوب السوري إلى نوعين، الأولى “شاملة” على مستوى محافظة درعا، تستهدف كل البلدات والمناطق.
أما النوع الثاني فهي “تسوية محددة” تستهدف بلدة بعينها، بمعزل عن البلدات الأخرى من درعا.
ويوضح الناشط الحقوقي، عمر الحريري أن “التسوية الشاملة حصلت في درعا منذ السيطرة عليها في 2018 لمرتين، والثانية في 2021 بعد معركة البلد”.
ويتم اتخاد قرار النوع المذكور “على مستوى المحافظة”، أما “المحددة” يرتبط الهدف الأساسي منها بـ”الابتزاز”، وفق الحريري، مشيرا إلى أن النظام يفرضها بعد التهديد بـ”حملة عسكرية أو تسليم قوائم من المطلوبين”.
وبعد إطلاق التهديدات تبدأ المفاوضات مع الوجهاء، وتنتهي بـ”تسوية تضمن تسليم سلاح”، وغالبا ما يتم شراؤه من التجار المرتبطين بالأفرع هناك.
ويضيف الحريري لموقع “الحرة” أن “التسويات في معظمها ضحك على الذقون” حسب تعبيره، وأن “النظام لا يوقف الملاحقات والاعتقالات بعد إجرائها”.
ومع ذلك يشير الناشط الحقوقي إلى “إيجابية وحيدة”، تتعلق بالشبان المطلوبين للخدمة العسكرية، إذ يتاح لهم بعد الانخراط بـ”التسوية” استخراج جواز سفر ومغادرة البلاد.
ويضيف: “التسويات هدفها مساعدة الشباب على السفر ومغادرة البلاد. وهذه النظرية لها وجود”.
ويشير أبو نقطة إلى مغادرة الكثير من الشبان الجنوب السوري بعد إجراء التسوية والتمكن من استخراج أوراق رسمية وجوازات سفر.
ويرى أبو نقطة هدفا أخرا من “التسويات” واستنساخها لأكثر من مرة في المنطقة، إذ يقول إن “النظام السوري يحاول استقطاب عدد من الشبان، لتعزيز ثكناته العسكرية على جبهات القتال”.
وكان المرجو من اتفاق “التسوية” الأول في درعا، حين توقيعه، فرض حالة من الاستقرار في المحافظة التي كانت أجزاء كبيرة منها خارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، على أن تتبع ذلك تسوية أوضاع المطلوبين أمنيا، وإعادة الخدمات وإصلاح البنى التحتية.
لكن جميع ما سبق لم يطبّق على أرض الواقع، على خلفية عدة أسباب، أبرزها عدم التزام النظام السوري بأيٍّ من المطالب، وخاصة الإفراج عن المعتقلين ووقف عمليات المداهمة والاقتحام.
وما سبق جعل درعا، التي انطلقت فيها أولى شرارات الثورة السورية، تدور ضمن متاهة قتل و”فلتان أمني”، لا تعرف الأطراف المستفيدة منها أو الدافعة لفرضه باستمرار على الأرض.
وبينما يوجه البعض اتهامات لتنظيم “داعش” بالوقوف وراء الاغتيالات، يرجّح آخرون مسؤولية النظام السوري وأفرعه الأمنية، ويعزو طرف ثالث الأسباب بطبيعة الأطراف المسيطرة على الأرض، وسياق “تضارب المصالح” ومساعي “الأخذ بالثأر” لقضايا تعود قصتها إلى ما قبل “التسوية”.
وبلغت حصيلة الاستهدافات في درعا، منذ مطلع شهر يناير الماضي، وفقا لتوثيقات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” 226 حادثة فلتان أمني، جرت جميعها بطرق وأساليب مختلفة، وتسببت بمقتل 171 شخصا.
وفي شهر مايو الماضي وحده وثق المرصد الحقوقي 47 استهدافا، أسفرت عن مقتل 32 شخصا، من مدنيين وعسكريين ومتهمين بترويج المخدرات.