تلويح القاهرة بورقة الشارع لا يربك خطة ترامب لتوطين الفلسطينيين في مصر والأردن

0

شارك المئات من المصريين الجمعة في تظاهرة احتجاجية على مقربة من الحدود مع غزة، في رسالة من المسؤولين المصريين إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تؤكد أن بلادهم لا تقدر على تنفيذ دعوته إلى توطين الفلسطينيين على أراضيها، وأن ذلك يمكن أن يثير غضبا ضد السلطة في الشارع إذا استمرت في تنفيذ خطته.

لكن مراقبين يرون أن إدارة ترامب وكذلك إسرائيل تعرفان أن الاحتجاجات موجهة وأن المنظمين تلقوا ضوءا أخضر من الحكومة المصرية لتسييرها، حتى تتجنب القاهرة مواجهة مباشرة مع واشنطن وترفض الاستجابة لمطلب ترامب بشأن توطين الفلسطينيين في مصر أو في الأردن، وهو مطلب بات يكرره باستمرار ويؤكد أن المسؤولين في البلدين سينفذانه ويلتزمان به.

أول تعليق من «حماس» حول تسليم أسرى إسرائيل أمام منصة تحمل صور محمد الضيف

وسواء أعلنت القاهرة رفضها بشكل سياسي مباشر فكرة التوطين لكونها تمس من تعهدات سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أو أوكلت الأمر إلى تحركات موجهة، فمن الصعب أن يتراجع ترامب عن خطته تحت الضغط، وهو ما حرص على تأكيده في أكثر من مناسبة، لافتا خاصة إلى أن المسؤولين المصريين والأردنيين هم من سينفذ المطلوب من باب رد الجميل لواشنطن.

وعرضت قناة القاهرة الإخبارية المقربة من السلطات المصرية لقطات تظهر المئات من المحتجين وهم يلوحون بأعلام مصرية وفلسطينية بالقرب من معبر رفح الحدودي، وهي منطقة عسكرية تخضع لحراسة مشددة لا يمكن الوصول إليها إلا بمواكبة رسمية، وهو ما يشير إلى أن الاحتجاجات مدروسة وليست متروكة للصدفة.

واقترح ترامب الأسبوع الماضي خطة لـ”تطهير” قطاع غزة، على أن يستقبل الأردن ومصر فلسطينيين من المنطقة التي دمرتها الحرب. ورفضت الدولتان بشدة المقترح، لكن ترامب أصر الخميس مجددا قائلا “نحن نفعل الكثير من أجلهم (الأردنيين والمصريين)، وسوف يفعلون ذلك.”

وقال الرئيس المصري الأربعاء إن “ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه.” وحذّر مرارا من أن مثل هذه الخطوة “خط أحمر” ومن شأنها أن تهدد الأمن القومي المصري.

وفي اليوم ذاته قال عن الخطة المقترحة إن “الشعب المصري لو أنا طلبت منه هذا الأمر سيخرج كله في الشارع المصري ليقول لي: لا، لا تشارك في ظلم.” والاحتجاجات في مصر محظورة منذ 2013 باستثناء تلك التي توافق عليها السلطات.

هل شملت عمليات الاختراق مصر؟ إسرائيل تتجسس على مستخدمي «واتساب»

ويراهن المصريون على أن خروج تظاهرات في مصر ضد مقترح التوطين يعني أن القضية اتخذت منحى سلبيا، وأن الرئيس السيسي أراد توجيه رسالة حاسمة تفيد بأن الأمر لم يعد بيده، وأن تنفيذه ستترتب عليه تداعيات سلبية في الداخل تؤثر على المصالح الأميركية في مصر، وتعرّض العلاقات بين البلدين للخطر.

وتشير أوساط سياسية مصرية إلى أن وضع الكرة في ملعب الجانب الشعبي يعني أن الجانب السياسي لا يستطيع تمرير الخطة، وإذا صمم ترامب ومارس ضغوطا شديدة على القاهرة للقبول بالتوطين فسيصبح الموقف محرجا وقد يفجر احتجاجات واسعة.

ولا يقف الإرباك الذي سيسببه ترامب لمصر عند حدود الملف الفلسطيني، فهناك عناصر توتر أخرى قائمة، منها تدخل الحكومة المصرية لاحتواء تداعيات قرار ترامب وقْف المنح والقروض والمساعدات الفيدرالية التي تقدمها بلاده إلى العديد من الدول.

وأعلنت القاهرة تحملها كافة المخصصات والمصروفات الدراسية التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية إلى الطلاب المستفيدين من برامجها ويتجاوز عددهم الألف طالب في مختلف الجامعات المصرية، من بينها الجامعة الأميركية بالقاهرة.

ووعدت وزارة التعليم العالي بعدم تضرر أي طالب يدرس عبر تلك المنح، وأن جميع الجامعات ستتحمل مصاريف الدراسة والإقامة، مع أن المنح الأميركية يجري التعامل بها منذ فترة طويلة، وزادت خلال السنوات الماضية.

وتهيأت القاهرة للمزيد من الضغوط، إذا صممت الإدارة الأميركية على تمرير خطة لتهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة بأي ثمن، وتستعد لإجراءات أكثر صرامة ضمن سياسات عامة يتبناها ترامب، قد تصل إلى وقف المساعدات العسكرية لمصر.

وتعامل متابعون مع تحرك وزارة التعليم العالي بمصر لاحتواء أزمة المنح على أنه رسالة سياسية تفيد بأن مصر قادرة على استيعاب الصدمات الاقتصادية والعسكرية، وأن السلطة تحتمي بالمواطنين، مهما تعرضت لضغوط خارجية.

وأكد عضو مجلس الشيوخ المصري عبدالمنعم سعيد لـ”العرب” أن وقف المعونات لا يستهدف مصر، غير أن الطريقة الفجة التي جرى بها اتخاذ تلك الخطوات تشير إلى أن ترامب ماض في توظيف ملف المعونات للضغط على الدول.

وأوضح أن التعاطي مع ترامب بحاجة إلى قدر مختلف من الدبلوماسية، ولا بد أن تكون جميع الخيارات جاهزة للتطبيق في أي لحظة، وأن التعامل المصري مع الطلاب يأتي لتأمينهم أولا، ثم الاعتراض السياسي أو ما يمكن وصفه بالعتاب الدبلوماسي، تمهيدا لاتخاذ مواقف أكثر عنفا تحددها الضغوط الأميركية.

وتوقع سعيد ظهور المزيد من الضغوط على مصر إذا أصرت على موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين، مثلما فعل الرئيس الأميركي تجاه دول اعترضت على قراراته، وأن الضغوط دائما تكون حسب التأثير على الدولة، خاصة وأنه استثنى مصر من إلغاء المساعدات العسكرية، واعتبر ذلك إجراء كافيا لقبول القاهرة بتهجير أهالي غزة، وتصور الحصول على ردّ فعل إيجابي ووضع ذلك في إطار مشروع سلام كبير في المنطقة. وأشار عضو مجلس الشيوخ المصري إلى أن التعامل بين واشنطن والقاهرة لن يكون سهلا.

وقال الباحث المصري في الشؤون الأميركية عمرو عبدالعاطي إن قرارات ترامب تأتي في إطار إستراتيجية “أميركا أولا”، وإن الإدارة الجديدة مقتنعة بأن هذه الإستراتيجية تعود عليها بالفائدة ولا تكلفها ثمنا باهظا.

وذكر في حديث لـ”العرب” أن الولايات المتحدة استثنت مصر وإسرائيل من قرار وقف المساعدات العسكرية لأن ذلك يخدم مصالحها؛ فإسرائيل حليف إستراتيجي، وهناك ضغوط من اللوبي اليهودي يطالب باستمرارها.

ولا تتجاوز المساعدات العسكرية الأميركية 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لمصر، ورغم أهميتها لا تمثل حاجة رئيسية، عكس دول أخرى تخوض صراعات وهي في حاجة إليها، كما أن معظم المساعدات الاقتصادية يندرج في سياق شراكات بين البلدين.

وتدخلت وزارة التعليم العالي بشكل سريع من منطلق الالتزام الأدبي والسياسي بتقديم العون للطلاب، وهو ما حدث قبل ذلك عند نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية، وكان هناك تعامل مماثل مع الطلاب الذين علقوا في أوكرانيا، وقد كان ذلك في إطار مسؤولية الدولة المصرية.