تنسيق الجزائر وجنوب إفريقيا وتنزانيا ضد الصحراء المغربية يتهاوى في جنيف

12

شهدت أشغال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان، المنعقدة الثلاثاء بجنيف، هجوما منسقا استهدف الوحدة الترابية للمملكة المغربية، قادته كل من الجزائر وجنوب إفريقيا وتنزانيا في مداخلات متقاربة من حيث المضمون والخلفية السياسية، بحيث حرص الوفدان الجزائري والجنوب إفريقي معا على استغلال النقاش الحقوقي لتمرير مزاعم مرتبطة بنزاع الصحراء المغربية، في محاولة لإثارة ضغط على المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

المغربية بثينة بوجردة مخترعة سيارة تعمل بالماء.. ضمن قائمة “رواد الشباب العربي”

وفي هذا الإطار، انخرطت ممثلة الجزائر في تجسيد عقيدة العداء للسيادة المغربية على الصحراء، عبر ترديد ادعاءات حول ما وصفته بـ”انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان” و”انتهاكات للقانون الدولي”، داعية المفوض السامي فولكر تورك إلى إرسال بعثة لتقصي الحقائق؛ غير أن هذه المزاعم تصطدم بالواقع الميداني الذي عاينته الوفود الدولية خلال زيارات متكررة إلى العيون والداخلة، والتي أبرزت دينامية تنموية متسارعة واستقرارا حقوقيا ملموسا بالأقاليم الجنوبية.

وفي تفاصيل موقف جنوب إفريقيا، فقد ذهبت بريتوريا في الاتجاه ذاته، مستعملة بدورها منبر المجلس للدفاع عن أطروحة جبهة “البوليساريو” وسن عقيدة العداء ضد المغرب، حين أكد مندوبها استمرار بلاده في دعم المواقف الانفصالية، مستحضرا بدوره مزاعم حقوقية مطعّمة بخلفيات سياسية، وداعيا إلى إيفاد بعثة لتقصي الحقائق بالأقاليم الجنوبية.

إلا أن هذه الرواية المزدوجة التي حاولت الجزائر وجنوب إفريقيا وتنزانيا ترويجها معا، سرعان ما تهاوت أمام شهادات وتقارير ميدانية صادرة عن دبلوماسيين ومنظمات دولية عاينت الأوضاع عن قرب؛ وذلك من خلال كشف تلك الزيارات عن واقع مختلف كليا، يُبرز تنمية اقتصادية واجتماعية متواصلة بالأقاليم الجنوبية، إلى جانب استقرار مؤسساتي وحقوقي يجعل مزاعم الخصوم مجرّد ادعاءات فاقدة للصدقية.

ازدواجية الخطاب
في هذا الصدد، قال الدكتور دداي بيبوط، فاعل سياسي وباحث في التاريخ المعاصر والحديث، إننا نأسف كفاعلين سياسيين بالأقاليم الجنوبية لتصريحات ممثلي الجزائر وجنوب إفريقيا وتنزانيا، على هامش مشاركتهم في أشغال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف السويسرية، في الشق المتعلق بالنظر في التقارير المقدمة من لدن المفوض السامي لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن “محاولات هذه الأطراف تكريس قضية الصحراء المغربية كملف يستدعي تدخلا دوليا، تعكس إصرارا على عرقلة جهود المملكة الرامية إلى إنهاء هذا النزاع المفتعل في إطار القانون الدولي وتطلعات الصحراويين للعيش الكريم فوق أرضهم”.

وأوضح بيبوط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن إصرار الجزائر وجنوب إفريقيا على الانخراط في دعم تنظيم انفصالي مسلح فوق التراب الجزائري يبتعد عن مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ويقوض بشكل خطير جهود المغرب لاستكمال وحدته الترابية، مبرزا أن “احتضان وتسليح ودعم “البوليساريو” يمس بشكل مباشر بالأمن المغربي، ويشكل خرقا صارخا لقرار الجمعية العامة رقم 1514 القاضي بضرورة حماية الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية للدول”.

وأبرز المتخصص في نزاع الصحراء أنه من غير المنطقي أن تلتزم جنوب إفريقيا الصمت إزاء الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها الجزائر ضد الجزائريين والمحتجزين بمخيمات تندوف؛ بينما تاريخها القريب قائم على مقاومة التمييز العنصري والاحتلال، مسجلا أن “المغرب كان سندا قويا لجنوب إفريقيا في مسارها التحرري، وهو ما يضع علامات استفهام حول انخراطها اليوم إلى جانب الجزائر في محاولاتها تقسيم التراب المغربي”.

وعن موقف تنزانيا، أكد المتحدث عينه أن هذه الدولة، التي تدعي الحرص على حقوق الإنسان، تشهد بدورها انتهاكات خطيرة؛ من قبيل الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون ومنع المعارضين السياسيين من ممارسة أنشطتهم، فضلا عن الانتهاكات الممنهجة ضد شعب الماساي الأصلي عبر عمليات الإخلاء القسري، معتبرا أن “مطالبتها بإرسال لجنة لتقصي الحقائق إلى الأقاليم الجنوبية لا تستقيم مع واقعها الحقوقي الداخلي”.

وأورد الدكتور دداي بيبوط أن التلاقي بين مواقف الجزائر وجنوب إفريقيا وتنزانيا في جنيف يعكس مصالح متبادلة لا علاقة لها بحقوق الإنسان، مؤكدا أن “الشهادات التي تستند إليها هذه الدول مجروحة وتفتقد للشرعية، في وقت تشهد فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن والوفود الحقوقية والدبلوماسية على احترام المغرب لحقوق الإنسان في أقاليمه الجنوبية وفق المعايير الدولية”.

وكشف الفاعل السياسي، في خضم حديثه، أن الادعاءات الصادرة عن هذه الدول تشكل محاولة لتزييف الحقائق واستغلال المنابر الأممية لمهاجمة المغرب، مشددا على أن “السياسات التنموية والحقوقية المعتمدة في الصحراء المغربية تعد نموذجا إقليميا وقاريا”.

وتابع قائلا: إن استمرار هذه الأطراف في توظيف ملف حقوق الإنسان ضد المغرب، لن يغير من واقع الإنجازات الحقوقية والتنموية التي تشهد بها التقارير الأممية والوفود الزائرة، بل يكشف فقط عن توظيف سياسي مفضوح يروم التشويش على المسار المغربي.

وخلص دداي بيبوط إلى أن الجزائر وجنوب إفريقيا وتنزانيا، عبر خطابها الزائف في جنيف، تتجاوز كل القيم الأخلاقية التي قامت عليها منظومة حقوق الإنسان، مشددا على أن “هذه الممارسات لن تزيد المغرب إلا قوة في الدفاع عن وحدته الترابية وإبراز مشروعية قضيته في المنتظم الدولي”.

تشويش منسق
من جانبه، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” ونائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن المشاركة في أشغال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان، في إطار التفاعل مع تقارير المفوض السامي المدرجة تحت البند الثاني من جدول أعمال المجلس، كشفت عن قضايا على قدر عالٍ من الخطورة تمس الأمن والسلم الدوليين؛ في مقدمتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة وما رافقها من انتهاكات جسيمة وإبادات جماعية وتجويع ومحاولات تهجير قسري، إضافة إلى الاعتداء السافر الذي ارتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد دولة قطر الذي شكّل انتهاكا صارخا للقانون الدولي ومساسا مباشرا بسيادة الدوحة ووحدة أراضيها.

وأضاف الكاين، ضمن إفادة لهسبريس، أن الجزائر اعتادت استغلال كل مناسبة للتشويش على النقاش الحقوقي داخل المجلس عبر تسليط الضوء على نزاع الصحراء المغربية وتقديم ادعاءات غير مسنودة بوقائع أو أدلة.

واعتبر نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن هذا “النهج يعكس عداء متماديا للمملكة المغربية، في وقت تنتهج فيه الرباط سياسة قائمة على الحكمة والتبصر وفق توجيهات الملك محمد السادس، مرتكزة على قيم حسن الجوار ومدّ يد العون والمبادرة للصلح، عوض الانخراط في مشاريع لتفتيت المنطقة على حساب مصالح شعوبها”.

وأوضح رئيس منظمة “أفريكا ووتش” أن المجتمع المدني المتابع لأشغال مجلس حقوق الإنسان يدرك أن القضايا التي تُدرج في تقارير المفوض السامي تستوجب رصدا وتوثيقا دقيقا عبر آليات الأمم المتحدة التعاقدية وغير التعاقدية، كما هو الحال في قطاع غزة أو في ما يتعلق بالاعتداءات على قطر.

وشدد المتحدث عينه على أن “محاولة إقحام الصحراء المغربية في هذا النقاش الحقوقي عبر معطيات زائفة أمر مرفوض؛ لأنه لا يستند إلى أي أساس موضوعي أو قانوني”.

وأورد الكاين أن إصرار الجزائر على تقديم هذه المزاعم في محفل دولي رفيع مثل مجلس حقوق الإنسان “يبعث على الخجل”؛ لأنها تفتقر إلى أي دليل موثق، فضلا عن مطالبتها بإرسال لجنة لتقصي الحقائق في وقت يشهد فيه العالم على الوضع الحقوقي المتقدم في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وذكّر بأن “هذه المناطق تعرف احتراما للقانون وضمانات واسعة للحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك المشاركة السياسية والانتماء الحزبي والنقابي، وممارسة حرية التعبير حتى للخصوم السياسيين، دون أن يتعرضوا لأي تضييق”.

ولفت الفاعل الحقوقي الانتباه إلى أن الدعوة إلى تشكيل لجان تقصي الحقائق لا تُستعمل إلا في سياقات تُرتكب فيها انتهاكات جسيمة ضد الحق في الحياة والسلامة الجسدية، وهو أمر لا ينطبق على الحالة في الصحراء المغربية.

وزاد بأن “تقارير الأمم المتحدة نفسها، سواء تقارير الأمانة العامة أو إحاطات مجلس الأمن، تبرز التطورات الإيجابية بالمنطقة، رغم ملاحظات حول تجاهل الانتهاكات المرتكبة في مخيمات تندوف”.

واسترسل المتحدث في القول: إن المغرب يظل متقدما على الجزائر في التفاعل مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، سواء من حيث المصادقة على الاتفاقيات الأساسية التسع أو من حيث قبول الشكايات الفردية والتعاون مع آليات الرصد الأممية.

وأشار نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية إلى أن “دخول المغرب مصاف الديمقراطيات ليس ظرفا عابرا، بل خيار سياسي استراتيجي تجسده خطوات ملموسة؛ مثل المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والمساهمة في المؤتمر العالمي حول الاختفاء القسري، وإدماج مقتضيات نظام روما الأساسي في التشريع الوطني”.

وبخصوص الوضع الحقوقي في الجزائر، أكد المتحدث أن البلد الجار لا يزال يشهد انتهاكات جسيمة، منها القتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري ضد مواطنين ومهاجرين وصحراويين في مخيمات تندوف، فضلا عن ممارسة التعذيب وقمع الحراك المدني وتكميم أفواه المدافعين عن حقوق الإنسان.

وأضاف أن “الجزائر لم تصادق بعد على العديد من الآليات الأممية، ما يكشف هشاشة خطابها الحقوقي وتناقضه مع واقعها الداخلي”.

وتابع قائلا: “إن استغلال الجزائر للمنصات الدولية لترويج خطاب عدائي ضد المغرب لا يعدو أن يكون دليلا على قوة النموذج الحقوقي المغربي، وما تحقق في مجال احترام الحقوق والحريات داخل الأقاليم الجنوبية”.

وأبرز أن “المجتمع المدني المغربي مدعو إلى مزيد من الانخراط في التعريف بالمنجز الحقوقي وطنيا ودوليا، وفتح قنوات الحوار مع مختلف الفاعلين والمنظمات ومراكز البحث لتصحيح الصور النمطية المغلوطة التي تروّجها الجزائر”.

وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “المغرب ماضٍ في احترام التزاماته الحقوقية الدولية وترسيخ الديمقراطية من خلال الإصلاحات المؤسساتية والقانونية؛ وهو ما يجعل محاولات الجزائر ومعها خصوم وحدتنا الترابية مجرّد حملات فاقدة للمصداقية”، مشددا على أن “المغرب سيظل وفيا لاختياراته الاستراتيجية في حماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الشاملة في مختلف ربوعه، بما فيها أقاليمه الجنوبية”.