جنوب إفريقيا تلوّح بمذكرة احتجاج جديدة ضد المغرب بسبب ملف الصحراء

8

قال رونالد لامولا، وزير العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا، إن بلاده تعتزم استدعاء القائم بالأعمال المغربي ببريتوريا، احتجاجا على رفع العلم الوطني خلال لقاء جمع وزير الخارجية ناصر بوريطة بالرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما في الرباط.

وأوضح لامولا، في جواب برلماني مكتوب، أن زيارة زوما في يوليوز الماضي لم تكن بتكليف من الدولة، وإنما مبادرة حزبية بصفته زعيما لحزب “أومخونتو وي سويزي” المعارض، مضيفا أن “المظاهر البروتوكولية التي رافقت هذه الزيارة، وعلى رأسها عرض العلم الجنوب إفريقي بجانب العلم المغربي، منحتها طابعا رسميا يتعارض مع الموقف الدبلوماسي لبلاده من نزاع الصحراء”، معتبرا ذلك “إساءة لاستخدام رمز وطني” في سياق مخالف للسياسة الخارجية الرسمية لجنوب إفريقيا.

اعتراف أمريكي رسمي .. المصايد المغربية تُطابق معايير حماية الثدييات البحرية

وأشار المسؤول الحكومي ذاته إلى أن وزارته باشرت اتخاذ إجراءات عبر القنوات الرسمية، من خلال توجيه مذكرة احتجاج إلى البعثة الدبلوماسية المغربية في بريتوريا، مشددا على أن بلاده مازالت متمسكة بموقفها المبدئي الداعم لما تسميه “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”، واعترافها المتواصل بالجمهورية المعلنة من طرف جبهة البوليساريو الانفصالية.

وكانت وثائق دبلوماسية مؤرخة في 11 يوليوز كشفت أن سفارة جنوب إفريقيا بالرباط طلبت دعما بروتوكوليا لتسهيل مرور جاكوب زوما والوفد المرافق له عبر صالة كبار الشخصيات بمطار الرباط-سلا، وترتيب إقامته من 15 إلى 18 يوليوز، مع توفير لوائح جوازات السفر وفريق تمهيدي سبق وصوله، ما يعكس حصول الزيارة على دعم لوجستي من الجانب الجنوب إفريقي.

ويكشف هذا الموقف، وفق مراقبين، حجم التباين داخل المشهد السياسي الجنوب إفريقي، بعد أن وجد زوما نفسه في مرمى الانتقادات بسبب الصور التي أظهرت العلمين معا في لقائه مع بوريطة، في وقت يتسع الدعم الدولي والإقليمي للمبادرة المغربية باعتبارها الحل الواقعي لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء.

في هذا الصدد قال سعيد بوشاكوك، الباحث المهتم بقضايا التنمية والمجال، إن جنوب إفريقيا تواصل نهج سياسة عدائية تجاه المملكة المغربية، عبر البحث عن كل مناسبة لتسويق خطاب دعائي فاشل يفتقد للشرعية والتأثير.

وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ما تعتزم حكومة بريتوريا القيام به، من خلال توجيه مذكرة احتجاج إلى القائم بالأعمال المغربي على خلفية زيارة الرئيس السابق جاكوب زوما إلى الرباط، يعكس ارتباكا واضحا في مواقفها، متسائلا: “لماذا لم يُوجَّه الاحتجاج مباشرة إلى زوما نفسه؟ ولماذا هذا التأخير في اتخاذ الخطوة؟”، مشيرا إلى أن “السبب الحقيقي يكمن في فشل جنوب إفريقيا في تحقيق مكاسب ضد الوحدة الترابية للمملكة”.

ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن هذه المناورات ليست سوى انعكاس لأزمة عميقة داخل الحلف المعادي لمصالح المغرب، الذي يزداد اختناقا وتأزما وتشرذما، ما يدفعه إلى إنتاج مواقف معزولة قائمة على خطاب الأزمة بعقلية مسدودة الأفق.

وأوضح الخبير ذاته أن هذا الاحتجاج يتعارض مع الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها عالميا، ما يبرز محدودية وزن جنوب إفريقيا على الساحة الدولية، وسعيها الدائم إلى البحث عن شماعات لتبرير إخفاقاتها وتناقضاتها.

وبخصوص استقبال زوما في المغرب كشف المتحدث ذاته أنه حمل دلالات عميقة، أبرزها إظهار قيم التقدير والاحترام من جهة، ومن جهة أخرى تسويق صورة المملكة كأرض للتعايش وحسن الضيافة والعيش المشترك.

وأنهى بوشاكوك حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “هذه التطورات تؤكد وجاهة الخيار المغربي وتنامي جاذبية مبادرته، مقابل تراجع الخطاب العدائي لخصوم الوحدة الترابية، الذين باتوا يفتقرون لأي أفق سياسي أو واقعي”.

من جانبها سجلت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن تداعيات زيارة الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما إلى المغرب مازالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي، بالنظر إلى توقيتها وأهميتها الجيوسياسية على مستوى تناول الطبقة السياسية في بريتوريا ملف الصحراء قاريا ودوليا، مضيفة أن “حكومة جنوب إفريقيا اعتبرت الزيارة ‘غدرا’ من رئيس ثاني أكبر قوة سياسية، أي حزب أومخونتو وي سويزي، رغم أن مظاهر التمثيل السياسي تبقى حكرا على السلطات الرسمية، بما في ذلك استخدام العلم الوطني أو عقد اللقاءات السياسية الخارجية”.

وأوضحت لغزال، ضمن إفادة لهسبريس، أن التجربة أثبتت أن السلطات الجنوب إفريقية لم تعترض سابقا على مبادرات السياسيين لعقد لقاءات رسمية مع دول أجنبية برموز بلدهم، باستثناء زيارة زوما، الذي أعلن بوضوح دعمه مغربية الصحراء واعتبر مقترح الحكم الذاتي مشروعا شجاعا وجادا وواقعيا لتسوية نزاع طال أمده.

وأكدت المتحدثة ذاتها أن الإصرار على شيطنة هذه الزيارة لا ينفصل عن التنسيق القائم بين بريتوريا والجزائر لإحباط أي مبادرة توسع من دائرة النقاش السياسي والدبلوماسي حول النزاع، بما يشمل التضييق على أنشطة الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني المنخرطة في الدفاع عن حقوق الإنسان، مبرزة أن “هذه الأطراف تسعى إلى إعادة قراءة مسار النزاع وفهم تعقيداته ودعم جهود الأمم المتحدة لإحياء المفاوضات قصد التوصل إلى حل سياسي، واقعي وعادل يحفظ كرامة الصحراويين ويضمن استقرار المنطقة، في مقابل استمرار بعض القوى في توظيف النزاع لخدمة مصالحها”.

وشددت الفاعلة المدنية على أن قرار الحكومة الجنوب إفريقية توجيه احتجاج رسمي للبعثة المغربية ببريتوريا يعكس انحيازا واضحا لأجندة الجزائر، رغم سجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان وما يتعرض له شعب القبايل من تضييق واقتلاع للهوية وتهجير من مناطقه التاريخية، كما ذكّرت بأن “قادة المؤتمر الوطني الإفريقي يتجاهلون الدور المحوري للمغرب في دعم كفاح جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، سياسيا وعسكريا وماليا، رغم التحديات الدولية آنذاك”.

ولفتت لغزال الانتباه إلى أن تبرير وزير الخارجية الجنوب إفريقي بأن المظاهر البروتوكولية منحت زيارة زوما طابعا رسميا يدخل في إطار تهييج الرأي العام، ومحاولة تأليب الجنوب إفريقيين ضد حزب أومخونتو وي سويزي وقادته، بدعم من غريمه السياسي جوليوس ماليما، زعيم حزب “مقاتلو الحرية الاقتصادية”، مشددة على أن “انخراط بعض السياسيين في ملف الصحراء لا ينبع من قناعات مبدئية بقدر ما يعكس صراعا على النفوذ في القارة، ورغبة في عرقلة جهود القوى الإقليمية الهادفة إلى تعزيز صورة إفريقيا وتقوية تجربتها الديمقراطية في مجال تسوية النزاعات سلميا”.

وختمت المتحدثة ذاتها تصريحها بالتأكيد على أن مساعي حكومة بريتوريا للتقليل من أثر زيارة زوما الإيجابي تعود أيضا إلى تخوف المؤتمر الوطني الإفريقي من تنامي نفوذ حزب أومخونتو وي سويزي وقدرته على إحداث تحول في المشهد السياسي القاري؛ وهو ما قد يشجع بحسبها قوى سياسية إفريقية أخرى على مراجعة مواقفها من قضية الصحراء المغربية، مؤكدة أن “القانون الجنوب إفريقي المنظم لاستخدام العلم الوطني لا يتضمن أي مقتضى يمنع الأحزاب من استعماله في أنشطتها الداخلية أو الخارجية، طالما تم ذلك في إطار احترام الرمز الوطني”.