خاص “من أمريكا”| بايدن.. جولة أم محاولة ترميم للعلاقات الآيلة للسقوط مع الحلفاء الأوروبيين
يبدو أن جولة بايدن الأوروبية ليست مجرد محاولة لإعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الأوروبية، بل امتدت إلى محاولة لإقناع الأوروبيين وغيرهم من الحلفاء بالانضمام بشكل فعال للولايات المتحدة في الحرب الباردة الجديدة التي تنوي خوضها.
ولكن الحرب الباردة القديمة كانت ضد عدو واحد هو الاتحاد السوفييتي، إلا أن الحرب الباردة الجديدة التي يستعد لها الرئيس الأمريكي ستكون مع عدوين: الصين، وبصورة أقل روسيا.
الغرض المعلن من جولة بايدن الأوروبية هو تعزيز هذا الأمر. في مقال نُشر في صحيفة واشنطن بوست عشية رحلته، تحدث الرئيس عن التزام “متجدد” و”ثابت” بالعلاقة عبر الأطلسي، تقوم على “القيم الديمقراطية المشتركة”.
البداية بالحلفاء والختام الخصوم
بدأ خط سير جولة بايدن الأوروبية في كورنوال مع تجمع لقادة مجموعة السبع. ثم إلى بروكسل لحضور قمة الناتو، بالإضافة إلى عقد عدة اجتماعات مع رؤساء المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، قبل المحطة الأخيرة في جنيف، حيث الاجتماع المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إن إعادة تمثيل تصميم الأحداث بشكل يشابه الحرب الباردة من شأنه أن يناسب بوتين من خلال إرضاء ادعائه بأن روسيا لا تزال قوة عظمى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في الواقع، ترى واشنطن أن موسكو قوة متراجعة تعوض عن نفوذها المتقلص من خلال توجيه الضربات حيثما أمكن، والتسبب في الأذى وبث الفتنة. يُنظر إلى بوتين على أنه مصدر إزعاج وليس منافساً.
الهدف الرئيسي من الجولة
يبدو الهدف الرئيس من جولة بايدن الأوروبية متمثلا في تأسيس تحالف ضد الصين في تناقض ملحوظ مع وجهة نظر الصين كقوة عظمى فعلية، والقطب الشرقي الذي يفكر فيه بايدن عندما يتحدث عن إحياء تحالف الديمقراطيات الغربية.
في هذا الصدد، قد يكون التنصل من خطاب التدمير الترامبي مضللاً. هكذا يبدو الأمر للآذان الأوروبية، إذ يأتي بايدن ليطلب من أوروبا أن تتعاون في السباق القادم للسيطرة على العالم مع بكين.
ولا ينظر الأوروبيون إلى الصين باعتبارها المنافس الند مثلما تنظر إليها واشنطن، ولا يزالون أكثر اعتماداً على الصين وروسيا في التجارة والطاقة، مقارنةً بالولايات المتحدة. ويشعر البعض بالقلق من أنَّ مسعى بايدن لتعريف العالم باعتبارها منافسة بين الديمقراطية والسلطوية، هو نظرة ترى العالم من منظور أبيض وأسود أكثر من اللازم، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.
فجوة اقتصادية
تعلق صحيفة الغارديان قائلة “لا ينبغي للدول الأوروبية أن تتوقف لفترة طويلة إذا كان الخيار هو الانحياز إلى واشنطن أو بكين. من السهل حشد الاستياء من التبجح العالمي للولايات المتحدة والإشارة إلى النفاق في ادعائها بأنها منارة للحرية السياسية، لكن البديل هو دولة استبدادية توسعية تناضل ضد الديمقراطية، وتشارك حالياً في إبادة جماعية ضد الإيغور”.
لو كانت الصين دولة فقيرة لكانت مهمة بايدن أسهل، لكن الفجوة الاقتصادية بين القوة العظمى القائمة والمنافس تتضاءل. بالنسبة للفرد لا يزال الأمريكيون في وضع أفضل بكثير، لكن الصين يمكن أن تتفوق على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية هذا العقد.
مع هذا الثقل الاقتصادي تأتي القدرة التكنولوجية الرائدة عالمياً عبر التطبيقات العسكرية المتقاطعة مع الحياة المدنية التي لا تجعل البنتاغون لا ينام.
ماذا حقق بايدن من جولته حتى الآن
بايدن أراد من اجتماعاته في بريطانيا وبلجيكا التي كرر فيها، هو وبعض القادة الأوروبيين مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن الولايات المتحدة عادت إلى لعب دورها التقليدي في مثل هذه المحافل الدولية، أن يعزز من رصيده السياسي الشخصي ومن مكانة واشنطن تحضيرا لمواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف.
وعلى الرغم من الترحيب الحار الذي حظي به بايدن – لأنه ليس ترامب، ولأنه بالفعل يمثل التقاليد والسياسات الأميركية الدولية الثابتة تجاه الحلفاء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية – إلا أن الأجواء الإيجابية العلنية، لم تخف استمرار مشاعر الشكوك والقلق الحقيقية التي لا تزال تساور الحلفاء في أوروبا وكندا واليابان حول مدى استعادة الولايات المتحدة لعافيتها السياسية والديموقراطية، بعد مرور خمسة أشهر على الاقتحام العنيف لمبنى الكابيتول من قبل مئات المتطرفين والعنصريين من مؤيدي الرئيس السابق. اللافت أن القادة الأوروبيين الذين رحبوا ببايدن كنقيض لترامب ولكل ما مثله من سياسات وأسلوب شخصي فظ ونافر وحتى مهين، تفادوا ذكر الرئيس الأمريكي السابق بالاسم، على الرغم من انه القى بظله الثقيل فوق مداولاتهم مع بايدن.
لقاء بوتين
وتنتهي جولة الرئيس الأمريكي في جنيف حيث يلتقي بوتين بعد غد الأربعاء. وتؤذن خطوة بايدن في عودة إلى الدبلوماسية الأمريكية التقليدية، بعد أربع سنوات تقرّب خلالها سلفه دونالد ترامب من مستبدين ورفض نهج التعددية.
والتوقعات للقمة مع بوتين منخفضة لدرجة أن مجرد جعل العلاقات الأمريكية الروسية “أكثر استقرارا” سيُعتبر نجاحا، بحسب مسؤولين.
ويرى البيت الأبيض تمديد معاهدة الأسلحة النووية نيو ستارت، في شباط/فبراير الماضي مثالا على المكان الذي يمكن العمل منه. ويحتاج بايدن أيضا للكرملين لتحقيق تقدم مع إيران القريبة من روسيا. غير أن قائمة الخلافات أكبر بكثير.
فبايدن يحمل روسيا المسؤولية في الهجوم الإلكتروني الكبير الذي استهدف سولارويندز، والتدخل في الانتخابات، وأخيرا إيواء مجرمين ضالعين في هجمات ببرامج فدية استهدفت أنبوب الوقود الحيوي كولونيال بايبلاين، والفرع الأمريكي للشركة البرازيلية العملاقة في مجال تعبئة اللحوم جي بي إس. وسيثير بايدن مع بوتين مسألة التوتر العسكري على الحدود الأوكرانية وسجن المعارض أليكسي نافالني ودعمه للزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو.