د.خالد عمريكتب : مستر ماسك و إعادة اختراع الحكومة

9

كما سبق وأن تناولت في المقالات السابق نشرها ، والتي تناولت النظام الديموقراطي والأزمات التي يعاني منها
مؤخرا في التطبيق والتنفيذ ، وهي عديدة منها : زيادة أعداد الناخبين المتغيبين عن التصويت ، وعدم الذهاب للجان الاقتراع ، العملية الإنتخابية لا تفرز في الغالب الأجدر والحق والأكفأ ، تنامي أقصي اليمين ( المتطرف ) في عدد من النتائج الإنتخابية التي جرت في السنوات الأخيرة ، تأثير التكنولوجيا
الحديثة وتأثيرها ( التلاعب) في نسب التصويت ، ولعل من أهم العوامل التي تشكك في مصداقية النظام الديموقراطي المعاصر: هو التزاوج الفاضح بين رأس المال والمرشحين ، وهو أصبح يلعب دور خطير ، صحيح أنه موجود منذ بداية تطبيق الأخذ بالنظام الديمقراطي ، ولكنه في السنوات الأخيرة أصبح أكثر علانية وفجاجة عما سبق ، بل إنه يزاد يوما بعد يوم.
ولعل مثال السيد ايلون ماسك خير دليل علي ذلك الأمر ( وهناك الكثير ممن يسيرون على دربه) ، الذي كان له دور بارز في فوز عوده السيد دونالد ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى ، وبناء علي ذلك الأمر ، اختاره الفائز لشغل منصب المسئول عن زيادة ورفع كفاءة الجهاز الإداري بالولايات المتحدة الأمريكية.
وهو الأمر الذي ينبأ بأن مستر ماسك سوف ينقل تجربته الإدارية الي الجهاز الإداري في الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة والحكومية : واهمها تخفيض عدد الموظفين والعاملين ، بل وتخفيض وتخفيف عدد الوزارات والإدارات ، ودمجها لتصبح أقل عددا ، ولكن أكثر رشاقة واكبر كفاءة وفاعلية ، وبالطبع أقل كلفة وأكثر ربحية ..
وان هذه الفلسفة الإدارية ليست استراتجية أو منهجية أو مفهوم ونظام إداري جديد ، فقد سبقه في الأمر الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ، ونائبه السابق آل جور ( افضل نائب رئيس في تاريخ نواب الرؤساء الأمريكان) فقد تضمن برنامجهم الانتخابي والفوز عام 1993 ، حتي 2001 فقد تبنوا فكر مفهوم “إعادة اختراع الحكومة” Reinventing Government ،الذي انطلق في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً في عام 1992، وذلك بفضل كتاب بالعنوان نفسه لكلٍّ من ديفيد أوزبورن وتيد غيبلر : جاء حينها لتبني روح ريادة الأعمال من فكر القطاع الخاص ونقلها واستنساخها إلى آليات العمل في القطاع العام، ويدعو إلى تغيير في إدارة وعمليات الحكومة لجعل المؤسسات العامة أكثر كفاءة ومرونة واستجابة لاحتياجات المواطنين. وهو نهج تمحور حول نبذ النموذج البيروقراطي التقليدي إلى نظام أكثر ريادية متوجها نحو النتائج يقوم على التحفيز، والعمل المجتمعي، والتنافسية، والإدارة بالأهداف والنتائج، والاهتمام بالعميل ( الموطن) ، واللامركزية . وقد تطور الفكر الاقتصادي والسياسات العامة نحو خدمة هذه المحاور، وانطلقت منه مشاريع ومبادرات اقتصادية واجتماعية، من أهمها الخصخصة، Privatisation بأشكالها المختلفة الجزئية والكلية والإدارية، والشراكة العامة والخاصة PPP، وسياسات التعهيد Outsourcing، وغيرها من نماذج وسياسات تجعل من الحكومة أكثر توجها نحو التشريع، والتنظيم، والرقابة، منه إلى التدخل المباشر في الإنتاج في السلع والخدمات .
فقد اتحدت المصالح بين رجال السياسة ورجال المال والأعمال ، في ضغط وتقليل التكاليف والمصاريف والنفقات، ورفع وزيادة الإيرادات والأرباح والموارد
والمداخيل .
فهل سينجح مستر ماسك أغني رجل علي كوكب الأرض حاليا ( قارون هذا الزمان) والسيد ترامب في تحقيق ونجاح تلك الأفكار الإدارية ، أو بمعني أدق: أحياء تلك الفلسفة الإدارية ، التي أخرجها لنا كلا من ديفيد أوزبورن وتيد غيبلر … فهذا ما سوف تثبتة المستقبل
ويتضح من ذلك أن مستر ايلون ماسك لم يأتي بجديد ، ولكنه إعادة إخراج ورؤيا جديدة وتنفيذ حديث في واقع معاصر… ولكن اهم ما في هذا الأمر هو أن الإدارة والقدرة علي التنفيذ لتحقيق أهداف ( التي هي في الأساس أحلام وآمال ورغبات سواء فردية أو جماعية )
لا سبيل إلي تحقيقها إلا بالإدارة : فبالإدارة وبالإدارة وحدها فهي أكسير الحياة والنجاح فبها تنجح السياسية والاقتصادية ، وجميع نواحي ومجالات الحياة… من أجل التطور والتقدم والازدهار والرخاء ، والإدارة علم وفن وموهبة ورجال .