د. خالد عمر يكتب: سياسية الحمائية الجمركية ؟ هل ترامب على حق ؟
تطالعنا الصحف والاخبار العالميه ، التي تتناول تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ، عن التهديد والوعيد بفرض رسوم جمركية عالية علي صادرات كثير من الدول حول العالم : أهمها الصين ، وقد حمل أحد التصريحات أن هذه الدول قد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طويلة من إغراق الأسواق الأمريكية بكم هائل من السلع والمنتجات ، دون استيراد تلك الدول بنفس القدر من السلع والمنتجات الأمريكية ، مما يجعل الميزان التجاري دائما في هذه الدول .
وبشكل مبسط فإن الحمائية هي سياسة تجارية تهدف إلى حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية، وتستند إلى مجموعة من الأدوات التي تحد من الاستيراد وتعيق زيادة السلع الأجنبية إلى الأسواق الداخلية.
* وتتبع الدول سياسات تهدف إلي الحمائية بعدة أدوات في سبيل تحقيق أهدافها، من أهمها:
1- الرسوم الجمركية: وهي ضرائب تفرضها الدول على السلع المستوردة من الخارج أو المصدرة إليه، وتُدفع أثناء عبور هذه السلع للحدود وولوجها إلى داخل التراب الجمركي الخاضع للضريبة أو خروجها منه.
2- حصص الاستيراد: وتمثل تقييدا مباشرا لكمية السلع التي يمكن استيرادها سنويا، حيث تحدد الحكومة الكمية المسموح باستيرادها من كل سلعة، وتمنح رخصا للشركات المحلية من أجل توريد هذه السلع في حدود الكميات المحددة.
3- مكافحة الإغراق: وهو بيع السلعة بسعر أقل من تكلفة إنتاجها، أو بيعها بأقل من سعرها في البلد المصدر. وتعد هذه الممارسة نوعا من المنافسة غير الشريفة، لذلك فإنها مُدانة في جميع الاتفاقيات التجارية الدولية.
وتسمح اتفاقيات منظمة التجارة العالمية بفرض رسوم جمركية تعويضية على السلع التي يقوم الدليل على أن منتجيها يمارسون الإغراق.
4- المعايير التقنية والصحية: وهي شروط تحددها التشريعات والقوانين الوطنية، وينبغي توفرها لزاما في السلع من أجل السماح بولوجها إلى السوق الداخلية، وتتعلق بالمواصفات التقنية لهذه السلع وجودتها أو بشروط السلامة الصحية.
5-الدعم المالي والمساعدات: وهي عبارة عن مبالغ مالية تقدمها الحكومة لمنتجي بعض السلع المحلية التي تفتقد القدرة التنافسية ولا تستطيع الصمود أمام البضائع الأجنبية في السوق الداخلية. والهدف منها هو تمكين هؤلاء المنتجين من البيع بأسعار تقل عن الأسعار التي تباع بها السلع المستوردة من الخارج.
5- تخفيض قيمة العملة: هو خفض سعر الصرف الرسمي لهذه العملة مقابل عملة دولية مرجعية (مثل الدولار الأميركي)، بحيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة واحدة من العملة الوطنية.
ومن شأن هذا الإجراء أن يجعل السلع الأجنبية المستوردة أكثر تكلفة مقارنة مع السلع المصنعة محليا.
هذا وسبق وأن تبنى الكونغرس الأميركي قانونا عام 2010 يقضي بالتعامل مع البلدان التي تتدخل من أجل الإبقاء على أسعار صرف عملاتها الوطنية عند مستوى يقل عن قيمتها الفعلية، على أنها تمارس نوعا من الإغراق بهدف دعم صادراتها في تنصل تام من مقتضيات الاتفاقيات التجارية الدولية، ويسمح هذا القانون لوزارة التجارة بفرض رسوم جمركية تعويضية على الواردات الأميركية القادمة من هذه البلدان. وقد تضررت الصين التي تتهمها الولايات المتحدة بالتلاعب بقيمة اليوان وممارسة الإغراق عبر سعر الصرف من هذا الإجراء الحمائي وتراجعت صادراتها إلى السوق الأميركية خلال السنوات الأخيرة.
كما تمثل المساعدات المالية التي تقدمها كلا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمزارعين المحليين نموذجا آخر يشهد على اللجوء إلى الإجراءات الحمائية بهدف حماية قطاع اقتصادي كامل (الزراعة) غير قادر على الصمود أمام المنافسة الخارجية دون الاتكال على ميزانية الدولة.
وأيضا وقد قامت المفوضية الأوروبية مؤخرا بصرف الملايين من أجل دعم قطاع الزراعة في أوروبا الذي يعاني من أزمة. وخاصة تقديم الدعم لمربي الأبقار ومنتجي الألبان وتعويض خسائرهم، بعد أن شهد إنتاج الألبان تراجعا كبيرا في بلدان الاتحاد.
ولعلنا نتذكر العام الماضي عندما شهد القطاع الزراعي الفرنسي مظاهرات من المزارعين ، أستمر لعدة شهور احتجاجا علي عدم قدرة الحاصلات الزراعية الصمود والمنافسة أمام مثيلتها القادمة من دول الإتحاد الأوروبي ، مما يسبب لهم خسائر كبيرة.
وهنا سؤال هام هل تكفي الحماية؟
يؤكد العديد من الاقتصاديين أن البلدان التي حققت مستويات متقدمة من التنمية في العقود الأخيرة (مثل كوريا الجنوبية والصين والهند والبرازيل) لم تنفتح على التجارة الحرة إلا بعد أن بنت نسيجا في مجال المقاولات وآلة إنتاجية وطنية قادرة على مواجهة المنافسة الأجنبية والتصدير في اتجاه الأسواق الدولية.
وكذلك كان الأمر بالنسبة للقوى الاقتصادية الأخرى (مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان) التي طورت صناعاتها في مراحل سابقة تحت سقف الحمائية، كما بينته عدد من الدراسات والإحصاءات في عدد من الدول لكبار الباحثين والخبراء الاقتصاديين حول العالم.
ولكن في المقابل أظهرت تلك الدراسات أن كثير من البلدان وخاصة النامية في بناء صناعات متطورة وقادرة على المنافسة الدولية. ولم تنعكس سياسات الحمائية التجارية أو تخفيض العملة أو سياسة الدعم للقطاعات الزراعية والصناعية وكذلك دعم الصادرات و التي انتهجتها هذه البلدان إيجابا على النمو والتنمية الاقتصادية، بل أوجدت حالة من الريع استفاد منها -فحسب- بعض رجال الأعمال المقربين من الأنظمة الحاكمة.
علما بأن منظمة التجارة العالمية ، والاتفاقات الدولية تجرم المغالاة والتعسف في الرسوم الجمركية الحمائية وكذلك سياسات الدعم للصناع والمزارعين، ورغم ذلك هناك دول من تخرج عن تلك الالتزامات ، خاصه وأننا نعيش في فوضي دولية .
لذا، فإن كان الرئيس الأمريكي مستر ترامب هو وقف التنين الصيني من توحشة التصديري ، والذي أثر كثيرا علي دول كثير من دول العالم ، وخاصة الدول النامية والناشئة ، ولحماية المنتج والمصنع الأمريكي!! فهو محق في سياسة، وهو الأمر الذي يجب علي الدول من والتصدى للهجوم الصيني والذي احتلت به العالم تصديريا بكافة المنتجات والصناعات والسلع في القطاعات والمجالات ، فإذا كانت الولايات المتحدة تتحكم في العالم إقتصاديا وماليا وعسكرياً ، فالصين تتحكم في موارد وايرادات وأرزاق الشعوب ، فهي تسعي لحل مشكلاتها الاقتصادية علي حساب دول العالم ، دون إطلاق رصاصة واحدة ….انتبهوا أيها السادة…..خالص تحياتي