د. ماك شرقاوي يكتب:نفق جبل طارق: مشروع القرن بين المغرب وإسبانيا… من حلم 1979 إلى واقع 2040؟”

2

في خضم التحولات الجيوسياسية، والسباق نحو التكامل الاقتصادي بين أوروبا وشمال إفريقيا، عاد إلى الواجهة من جديد مشروع النفق البحري الذي يربط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق. المشروع الذي يعود إلى العام 1979 بمبادرة ملكية بين الحسن الثاني والملك الإسباني خوان كارلوس، ظل لعقود رهين الأدراج بفعل التوترات السياسية والتحديات الجيولوجية والتمويلية.

اليوم، مع ترسيخ الشراكة المغربية الإسبانية واستضافة البلدين مع البرتغال لكأس العالم 2030، عاد المشروع ليطفو فوق سطح الاهتمام السياسي والهندسي. فقد رصدت الحكومة الإسبانية قرابة 5 ملايين يورو (منها 2 مليون من ميزانيتها و2.5 مليون من الاتحاد الأوروبي) لتحديث دراسات الجدوى، وتكليف الشركة العامة SATEXCA بإجراء دراستين محوريتين: الأولى حول طريقة حفر قاع البحر، والثانية حول النشاط الزلزالي في المنطقة.

النفق المقترح سيبلغ طوله حوالي 60 كم، منها 28 كم تحت البحر، متفوقًا بذلك على نفق “الشانيل” الذي يربط فرنسا ببريطانيا. وتُقدّر تكلفة المشروع الأولية بنحو 6 مليار يورو، مع إمكانية ارتفاعها حسب التطورات التكنولوجية والتحديات الجيولوجية.

لماذا الآن؟ ولماذا دراسة جدوى جديدة؟ رغم أن دراسات عديدة أُنجزت في العقود الماضية، إلا أن طبيعة المنطقة الزلزالية والمعقدة جيولوجيًا تتطلب تحديثًا دوريًا للبيانات التقنية.

هذه المنطقة تُعد واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية نشاطًا، حيث تتلاقى الصفائح التكتونية الإفريقية والأوروبية، مما يجعل من الضروري إعادة تقييم المخاطر كل فترة زمنية قصيرة نسبيًا.

كما أن التقدم في تقنيات الحفر والمعالجة الجيوفيزيائية خلال العقدين الماضيين أحدث ثورة في قدرات التنفيذ، مما يتطلب إعادة النظر في المنهجيات السابقة. إسبانيا، إذن، لا تعيد النظر في جدوى المشروع، بل تُثبت جديتها عبر تجديد المقاربة العلمية، وتفادي المخاطر المحتملة عند مرحلة التنفيذ.

التمويل والعقبات: تعددية الشركاء أم تعقيد التمويل؟ التمويل ظل ولا يزال أحد أبرز التحديات، رغم أن المغرب أصبح اليوم الشريك التجاري الأول لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، بحجم تبادل تجاري تجاوز 13 مليار دولار. دخول الاتحاد الأوروبي على خط التمويل، وتحركات دول الخليج العربي (الإمارات، قطر، والسعودية) للاستثمار في البنية التحتية المغربية، يشير إلى بوادر حلحلة في هذا الملف.
لكن التمويل لا يزال غير محسوم. بعض التقارير تشير إلى أن التكلفة قد ترتفع إلى أكثر من 6 مليار يورو، خاصة إذا تم إدماج شبكات السكك الحديدية والبنية التحتية اللوجستية المرتبطة. كما أن الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتضخم العالمي قد تحد من قدرة أوروبا على تمويل المشروع بالسرعة المطلوبة.

في المقابل، فإن دول الخليج قد تكون في موقع جيد لملء هذا الفراغ، خصوصًا في ظل شراكاتها الاستراتيجية مع المغرب، واهتمامها المتزايد بالمشاريع ذات الطابع العابر للقارات.

أهمية المشروع: بين الجيوسياسة والاقتصاد والمناخ النفق البحري لا يُعتبر مجرد مشروع نقل، بل يمثل رمزًا لربط قارتين، وممرًا استراتيجيًا لمرور أكثر من 12 مليون مسافر و12 مليون طن من البضائع سنويًا، وفق التقديرات. وهو أيضًا أداة جيوستراتيجية لتعزيز الحضور الأوروبي في شمال إفريقيا، وتقليل الاعتماد على ممرات عبور أخرى مثل قناة السويس أو البحر المتوسط.

كما أن المشروع يحمل في طياته بُعدًا بيئيًا، حيث يُتوقع أن يُقلل من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النقل البحري والجوي بين الضفتين، مما يجعله متماشيًا مع أهداف أوروبا البيئية.

هل سيرى المشروع النور؟ تحليل السيناريوهات الممكنة:

• السيناريو المتفائل: تبدأ عمليات الحفر في النصف الثاني من العقد الحالي (2026-2028)، بعد الانتهاء من الدراسات. التمويل تتأمن عبر شراكة متعددة الأطراف (إسبانيا، المغرب، الاتحاد الأوروبي، الخليج). النفق يُنجز في 2040.

• السيناريو الواقعي: تستمر الدراسات حتى 2027، يليها تقييم فني موسّع.

تبدأ الأشغال التجريبية في نهاية العقد، ولكن التنفيذ الكامل يتأخر إلى ما بعد 2040.

• السيناريو المتشائم: تأخر التمويل، تصاعد التوترات الجيوسياسية، أو حدوث زلازل قوية في المنطقة قد يُؤجل المشروع لعقود أخرى.

خاتمة: ما بين حلم بدأ في أواخر السبعينات، وعقود من الانتظار والتوترات، وتقارب سياسي واقتصادي متجدد، يبدو أن نفق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا يسير بخطى ثابتة ليكون أحد أعظم مشاريع الربط القاري في القرن 21.

وبينما لا تزال تحديات التمويل والتكنولوجيا قائمة، إلا أن الخطوة الحاسمة قد تم اتخاذها: النفق بات مشروعًا حقيقيًا قيد الدراسة، والكرة في ملعب أوروبا والعالم العربي لإنجازه.

د.ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن

رابط الحلقة :

‏https://youtube.com/live/JYf6u2MNWlI

‫رابط الصفحة :

‏‫https://www.facebook.com/Dr.MacSharkaw‬

‏‫https://www.facebook.com/MacSharkaw/‬

‏‫https://twitter.com/MacSharkawy