د. ماك شرقاوي يكتب: أسرار تُكشف لأول مرة عن سد النهضة: وثائق وخرائط تاريخية تدعم حقوق مصر المائية

7

في تطوّر مهم لملف سد النهضة، ظهرت إلى العلن وثائق وخرائط تاريخية لم تُستخدم من قبل في أي مفاوضات رسمية، تكشف عن أبعاد جديدة للصراع القائم حول مياه نهر النيل، وتؤكّد بما لا يدع مجالًا للشك أن لمصر حقوقًا تاريخية وقانونية ثابتة في مياه النهر الأطول في العالم.

الخلفية التاريخية للنزاع

نهر النيل يُمثّل شريان الحياة الرئيسي لمصر، حيث تعتمد البلاد على أكثر من 95٪ من احتياجاتها المائية من النهر. ومنذ إعلان إثيوبيا عن بناء سد النهضة عام 2011، تصاعدت التوترات بين دول المصب (مصر والسودان) ودولة المنبع (إثيوبيا) بسبب الخلافات حول آلية ملء وتشغيل السد دون اتفاق ملزم.

على مدار السنوات الماضية، دار الملف في أروقة التفاوض، دون الوصول إلى اتفاق نهائي. ورغم أن الجانب المصري قدّم مرارًا موقفه القائم على الحق التاريخي والقانوني، إلا أن الوثائق التي تدعّم هذه الحقوق لم تُستخدم بالشكل الكافي.

وثائق وخـرائط تكشفها الأبحاث للمرة الأولى

عدد من الباحثين والخبراء المتخصصين في القانون الدولي وترسيم الحدود كشفوا عن وثائق وخرائط تاريخية محفوظة في أرشيفات دولية، من بينها الأرشيف البريطاني والفرنسي، وكذلك محفوظات الجامعة الأمريكية والأرشيف المصري، تتضمّن ما يلي:

نوع الوثيقة التاريخ المصدر ما تثبته
خريطة أرشيفية 1896 أرشيف بريطانيا تُظهر مجرى النيل وفروعه وحقوق الاستخدام للمياه في مصر والسودان
مذكرة دبلوماسية 1903 الخزانة البريطانية تؤكد دعم بريطانيا آنذاك لحصة مصر التاريخية في مياه النيل
نسخة أولية من اتفاق 1959 قبل التوقيع النهائي وزارة الري المصرية تكشف أن الحصة المتفق عليها كانت مشروطة بعدم إقامة مشروعات تؤثر على التدفق
تحليل أقمار صناعية حديث 2019-2023 جمعيات بحثية دولية توضح الأثر البيئي المتوقع للسد على التربة والمياه في مصر والسودان

تؤكّد هذه الوثائق أن حصة مصر من المياه ليست فقط قائمة على اتفاقية 1959، بل تمتد إلى حق تاريخي راسخ نابع من استخدام دائم واعتراف دولي منذ قرون.

أُسس قانونية راسخة تدعم الموقف المصري

وفقًا لمبادئ القانون الدولي، فإن الأنهار الدولية يجب أن تُدار بالشراكة بين الدول المشاطئة، مع ضمان عدم الإضرار بدولة على حساب أخرى. وتُعد اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية لعام 1997 مرجعًا أساسيًا في هذا الشأن، حيث تنص على:

عدم التسبب في ضرر جسيم لأي دولة مشاطئة

الاستخدام المنصف والمعقول للمياه

الإخطار المسبق قبل تنفيذ أي مشروع قد يؤثر على تدفق المياه

من هذا المنطلق، فإن بناء سد النهضة دون اتفاق مُلزم، وبدء عملية الملء الأحادي، يُعد خرقًا لهذه المبادئ.

الآثار المحتملة على مصر والسودان

إذا استمر ملء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق، فإن التأثيرات ستكون واسعة وخطيرة:

على مصر:

انخفاض حصة المياه خاصة في سنوات الجفاف، مما سيؤثر على الزراعة والصناعة ومياه الشرب.

تدهور التربة الزراعية نتيجة نقص الطمي.

زيادة ملوحة المياه في الدلتا.

ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء بسبب انخفاض المساحات القابلة للزراعة.

على السودان:

مخاطر فيضانات محتملة في حالة انهيار أو سوء تشغيل السد.

انخفاض تدفق المياه في فترات معينة يؤثر على الري التقليدي.

اضطراب في محطات التوليد الكهرومائي السودانية نتيجة غياب التنسيق في إطلاق المياه.

الطريق إلى الأمام: ما الذي يمكن لمصر فعله؟

مع توافر هذه الوثائق والدعم القانوني، هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها:

إعداد ملف قانوني موثّق دوليًا يشمل الخرائط، الوثائق، وشهادات الخبراء.

التحرك دوليًا أمام محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن، استنادًا إلى هذه الأدلة.

بناء تحالفات مع السودان ودول المصب الأخرى لتشكيل جبهة دفاع قانونية.

استخدام الإعلام الدولي لشرح القضية من منظور الحق والعدالة.

التفاوض المشروط من موقع قوة، مع المطالبة باتفاق مُلزم وعادل لجميع الأطراف.

سد النهضة ليس مجرد مشروع تنموي، بل قضية وجود لملايين البشر في مصر والسودان. ومع انكشاف هذه الوثائق التاريخية، يتضح أن الملف لا يُدار فقط بسياسة الأمر الواقع، بل هناك فرصة حقيقية لإعادة رسم المشهد من جديد، إذا تمّ توظيف هذه الأدلة في المسار القانوني والدبلوماسي الصحيح.

المعركة الآن لم تعد فقط حول الماء، بل حول الحق، والسيادة، والعدالة الدولية.

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي

رابط الخلقة :