د. ماك شرقاوي يكتب: التنافس الدولي في القرن الأفريقي بيئة خصبة لنشر الإرهاب
التنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي يمكن أن يوفر بيئة خصبة لزيادة انتشار التنظيمات الإرهابية، وذلك بسبب التداخل بين الصراعات الإقليمية، التدخلات الدولية، والفراغ الأمني الذي يتركه الصراع على النفوذ بين القوى الكبرى. تلعب عوامل عدة دورًا في تغذية نمو هذه التنظيمات الإرهابية، مثل عدم الاستقرار السياسي، الصراعات الداخلية، الفقر، التهميش، واستغلال التنظيمات الإرهابية لهذا الفراغ لزيادة نفوذها.
العلاقة بين التنافس الدولي والإرهاب
فراغ السلطة والنزاعات الداخلية
التنافس الدولي على النفوذ في القرن الأفريقي يؤدي في كثير من الأحيان إلى زعزعة الاستقرار السياسي في الدول المحلية، مثل الصومال، اليمن، وإثيوبيا. هذه النزاعات، التي غالبًا ما تتفاقم بسبب التدخلات الخارجية، تخلق فراغًا أمنيًا يسمح للتنظيمات الإرهابية مثل حركة الشباب في الصومال أو القاعدة وداعش في اليمن بالتوسع.
فراغ السلطة الناجم عن النزاعات الداخلية أو ضعف الحكومات المركزية يوفر للتنظيمات الإرهابية مساحة للتحرك وإنشاء ملذات آمنة لتجنيد المزيد من المقاتلين والتخطيط لهجمات.
استغلال التنافس الدولي
التنظيمات الإرهابية قد تستغل التنافس بين القوى الكبرى للحصول على الدعم أو الموارد بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، يمكن لبعض هذه الجماعات استغلال الفوضى الناجمة عن التنافس على النفوذ للحصول على أسلحة أو تمويل، كما حدث في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط.
يمكن أن تؤدي التوترات بين القوى الكبرى إلى تركيز هذه القوى على المنافسة بين بعضها البعض، مما يقلل من الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، وبالتالي يوفر بيئة مواتية للتنظيمات الإرهابية للنمو والانتشار.
التدخلات العسكرية الخارجية
التنافس الدولي يؤدي إلى عسكرة المنطقة وزيادة التدخلات العسكرية، الأمر الذي قد يسهم في تأجيج التطرف. التدخلات الخارجية، سواء كانت على شكل قواعد عسكرية أو دعم أطراف معينة في النزاعات الداخلية، غالبًا ما تؤدي إلى خلق مشاعر عدائية ضد هذه القوى، مما يجعل التنظيمات الإرهابية تستغل ذلك لتجنيد المزيد من الأفراد.
الغارات الجوية أو العمليات العسكرية التي تنفذها بعض القوى الدولية ضد الإرهابيين قد تؤدي أيضًا إلى سقوط ضحايا مدنيين، مما يزيد من نقمة السكان المحليين ويؤدي إلى مزيد من التطرف.
العوامل التي تسهم في انتشار الإرهاب نتيجة التنافس الدولي
الفقر والبطالة والتهميش
واحدة من أبرز العوامل التي تؤدي إلى انتشار الإرهاب هي الفقر والبطالة. التنافس الدولي قد يؤدي إلى استغلال القوى الخارجية للموارد الطبيعية من دون تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان المحليين، مما يعزز الشعور بالتهميش.
التنظيمات الإرهابية تستغل هذا الوضع لتجنيد الشباب العاطلين عن العمل والذين يشعرون بأنهم مهمشون من قبل حكوماتهم والقوى الدولية.
تزايد النزاعات العرقية والسياسية
التنافس الدولي قد يؤدي إلى زيادة النزاعات العرقية والطائفية في المنطقة، خاصة عندما تدعم قوى معينة أطرافًا محددة في هذه النزاعات. يمكن أن تستغل التنظيمات الإرهابية هذه الانقسامات لزيادة نفوذها وجذب مزيد من المؤيدين.
كما أن انهيار الأنظمة في بعض الدول نتيجة لهذا التنافس يعزز من فرصة التنظيمات الإرهابية للسيطرة على مساحات واسعة وتأسيس قواعد لها.
ج. ضعف التعاون الدولي
مع التنافس الدولي على النفوذ، قد يصبح التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب ضعيفًا أو غير متسق. بدلاً من وجود استراتيجية دولية موحدة للقضاء على الإرهاب، قد تعمل كل قوة وفقًا لمصالحها الخاصة، مما يتيح للإرهابيين فرصة استغلال الفراغات في التنسيق الدولي.
التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، على سبيل المثال، قد يؤدي إلى تباين في الأولويات، حيث تركز كل قوة على تعزيز نفوذها على حساب التعاون لمكافحة الإرهاب.
3. أمثلة على تأثير التنافس الدولي على انتشار الإرهاب في المنطقة
الصومال وحركة الشباب
الصومال تعد أحد الأمثلة البارزة على كيفية تأثير الفراغ الأمني والتنافس الدولي على نمو التنظيمات الإرهابية. حركة الشباب تستغل الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية لتعزيز وجودها. ضعف الحكومة المركزية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، إلى جانب تدخل قوى خارجية مثل الولايات المتحدة وتركيا، أدى إلى تعميق الفوضى، مما وفر للتنظيمات الإرهابية ملذات آمنة.
التنافس الإقليمي بين دول الخليج وتركيا أدى أيضًا إلى تفاقم الانقسامات السياسية في البلاد، مما جعل من الصعب على الحكومة المحلية السيطرة على الوضع.
اليمن والقاعدة وداعش
اليمن يعتبر مثالًا آخر على تأثير التنافس الدولي والإقليمي على انتشار الإرهاب. النزاع بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف الذي تقوده السعودية فتح المجال لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش للتوسع في المناطق التي فقدت فيها الحكومة سيطرتها.
القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة تستخدم الطائرات بدون طيار لاستهداف قيادات القاعدة وداعش، لكن هذه العمليات غالبًا ما تؤدي إلى سقوط مدنيين، مما يزيد من التوترات ويعزز تجنيد الإرهابيين.
السيناريوهات المستقبلية لانتشار الإرهاب في ظل التنافس الدولي
زيادة تجنيد الإرهابيين
إذا استمر التنافس الدولي دون تدخلات حاسمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، فإن التنظيمات الإرهابية ستجد أرضًا خصبة لتجنيد مزيد من الأفراد. الشباب المحبط والمهمش سيجد في التنظيمات الإرهابية فرصة للحصول على سلطة أو موارد.
احتمال توسع نطاق الإرهاب
مع استمرار الفراغ الأمني في دول مثل الصومال واليمن، قد تمتد التنظيمات الإرهابية إلى دول أخرى في القرن الأفريقي، مثل إثيوبيا وكينيا، اللتين تعانيان من ضغوط داخلية قد تجعلها عرضة للتوسع الإرهابي.
استمرار الصراع بين القوى الكبرى قد يزيد من الصراعات غير المباشرة
التنافس بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا قد يستمر في تعميق النزاعات الداخلية ويخلق بيئة جديدة للتنظيمات الإرهابية، خاصة إذا استمرت هذه القوى في دعم أطراف متنازعة من دون حل سياسي للنزاعات.
الخلاصة
التنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي يوفر بيئة مواتية للتنظيمات الإرهابية للنمو والانتشار. الفراغات الأمنية، ضعف الحكومات المحلية، والتدخلات الخارجية التي تركز على المصالح الاستراتيجية للقوى الكبرى تساهم في زيادة تجنيد الإرهابيين وخلق ملاذات آمنة. الحل يتطلب تعاونًا دوليًا شاملًا وتنسيقًا فعالًا لمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، مثل الفقر، التهميش، والنزاعات المحلية، بدلاً من التركيز فقط على الأهداف العسكرية.
من نيويورك
د.ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي