د. ماك شرقاوي يكتب: السد العالي ينقذ مصر من فيضانات السودان وتداعيات سد النهضة

36

مع تزايد المخاطر الناجمة عن الفيضانات العارمة في السودان وتداعيات التخزين غير المنظم خلف سد النهضة الإثيوبي، عاد السد العالي إلى واجهة المشهد كحائط الصد الأول لحماية مصر من أخطر السيناريوهات المائية. فمنذ اكتمال بنائه عام 1970، ظل السد العالي مشروعًا قوميًا أنقذ مصر مرارًا من مخاطر الجفاف والفيضانات، وأمَّن احتياجاتها من المياه والكهرباء، ليؤكد اليوم مجددًا أنه درع استراتيجي للأمن القومي المصري.

مشروع قومي بتخطيط مصري ودعم سوفيتي

بدأ العمل في السد العالي عام 1960، واكتمل إنشاؤه عام 1970، بدعم فني وتمويلي من الاتحاد السوفيتي بعد تعثر التمويل الغربي.

ارتفاع السد: 111 مترًا.

طول التاج: 3830 مترًا.

حجم جسم السد: نحو 44.3 مليون متر مكعب.

بحيرة ناصر: بسعة تخزين إجمالية 169 مليار متر مكعب.

السد لم يكن مجرد مشروع هندسي، بل مشروع أمة غيّر وجه مصر الاقتصادي والصناعي. فقد وفر مياه الري على مدار العام، وحمى البلاد من تقلبات الفيضان والجفاف، بالإضافة إلى توليد الكهرباء بقدرة تصل إلى 3000 ميجاوات (نحو 10% من استهلاك مصر حاليًا).

السد العالي يتصدى لأزمة فيضانات السودان

شهد السودان مؤخرًا كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث اجتاحت الفيضانات ست ولايات على الأقل نتيجة الأمطار الغزيرة وتخزين كميات ضخمة من المياه خلف سد النهضة.

السد العالي استوعب نحو 15 مليار متر مكعب من المياه الزائدة.

لم يتم حتى الآن فتح مفيض توشكا، ما يعني أن بحيرة ناصر ما زالت قادرة على استيعاب المزيد من الفيضانات عند الضرورة.

مصر أكدت أن جسم السد العالي آمن تمامًا رغم الشائعات عن تعرضه للخطر.

اتهامات لموقف إثيوبيا في أزمة سد النهضة

اتهمت القاهرة أديس أبابا بالتسبب المباشر في تفاقم أزمة الفيضانات السودانية، بعد أن فتحت الأخيرة بوابات سد النهضة وأطلقت ما يقارب 750 مليون متر مكعب يوميًا من المياه دون إخطار مسبق.

الخارجية المصرية حذرت من أن غياب اتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل السد سيؤدي إلى كوارث إنسانية لمصر والسودان.

مصر عرضت موقفها في مجلس الأمن مؤكدة أن التصرفات الأحادية لإثيوبيا تهدد استقرار المنطقة.

الجانب الإثيوبي ردّ متهمًا القاهرة بعدم التفاوض بحسن نية، في وقت تعتبر فيه مصر أن مفاوضات استمرت 14 عامًا كافية لكشف نوايا أديس أبابا.

المخاطر على سدود السودان

غياب التنسيق المسبق جعل السدود السودانية في مرمى الخطر:

سد الروصيرص (سعته 7 مليارات م³) بات مهددًا بانهيار بسبب ضعف قدرته على تصريف أكثر من 500 مليون م³ يوميًا.

سد سنار وسد مروي أيضًا واجها ضغوطًا هائلة قد تعرضهما للخطر.

مجمع سدود عطبرة وستيت، إلى جانب سد جبل أولياء وخشم القربة، لم تسلم هي الأخرى من تداعيات الفيضانات.

السد العالي.. ركيزة الأمن المائي المصري

بحيرة ناصر خلف السد العالي تمثل احتياطيًا استراتيجيًا يكفي مصر بين 3 و4 سنوات في حال تعرضها لجفاف ممتد.
هذا الاحتياطي منح القاهرة مرونة كبيرة في التعامل مع تقلبات النيل الأزرق القادمة من إثيوبيا، وحمى مصر من سيناريو الانهيارات التي تعانيها السودان.

أثبتت أزمة الفيضانات الأخيرة أن السد العالي ليس مجرد أثر هندسي ضخم، بل هو شريان حياة لمصر وركيزة لأمنها القومي المائي. وبينما يعاني السودان من تداعيات السياسات الأحادية الإثيوبية في تشغيل سد النهضة، تظل القاهرة متمسكة بموقفها: لا بديل عن اتفاق قانوني ملزم يضمن حقوق مصر والسودان ويحول دون تكرار الكوارث الإنسانية.

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلثة :