د. ماك شرقاوي يكتب: السيسي وبن سلمان يدعمان الجيش السوداني.. طبول الحرب تُقرع من جديد

10

في ظل تصاعد الأحداث الميدانية في السودان، واحتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، عاد الملف السوداني إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي، بعد أن تجاوزت الحرب عامها الثاني ودخلت في عام ثالث أكثر تعقيداً، حاملاً معه مآسي إنسانية غير مسبوقة وأزمات تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

موازين القوى تتغير بعد سقوط الفاشر

منذ سقوط مدينة الفاشر، تغيّرت موازين القوى بشكل جذري، وبدأت دوائر القرار الإقليمي والدولي تبحث عن مخرج للأزمة، بين مساعٍ لوقف إطلاق النار ومسارات أخرى تعيد خلط الأوراق في بلد أنهكته الحرب والانقسام.
وتتحدث تقارير عديدة عن دعم واضح من مصر والسعودية للجيش السوداني في محاولة لمنع تمدد الميليشيات المسلحة نحو الشمال، باعتبار السودان عمقاً استراتيجياً للأمن القومي المصري والخليجي.

اتهامات متبادلة ودعم خارجي متشعب

في المقابل، تشير اتهامات متزايدة إلى وجود دعم خارجي لقوات الدعم السريع يأتي من أطراف إقليمية متعددة، بينها إثيوبيا وليبيا، إلى جانب شبكات تهريب السلاح التي تنشط عبر الحدود.
ورغم نفي بعض الدول تورطها في دعم أي طرف، إلا أن المشهد السوداني يعكس واقعاً ميدانياً متشابكاً تشارك فيه أطراف متعددة المصالح، من روسيا إلى إيران مروراً بالإمارات، في ظل تداخل واضح بين الاقتصاد والسياسة والسلاح.

مبادرة الرباعية الدولية.. هدنة مؤقتة أم تسوية شاملة؟

طرحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الرباعية الدولية — التي تضم واشنطن والقاهرة والرياض وأبوظبي — مبادرة جديدة تقضي بوقف فوري للقتال وفتح ممرات إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تمهيداً لمسار سياسي يُفضي إلى انتقال مدني في غضون تسعة أشهر.
لكن المبادرة لم تلقَ قبولاً كاملاً من جميع الأطراف؛ فالجيش السوداني يخشى أن تكون الهدنة وسيلة لتكريس الأمر الواقع الذي فرضته قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على الفاشر وعدة مناطق أخرى، بينما يرى مراقبون أن أي هدنة إنسانية، ولو مؤقتة، تُعد خطوة أخلاقية ضرورية لإنقاذ المدنيين من المجاعة والنزوح.

أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد السودان

تحذر التقارير الأممية من أن السودان يعيش اليوم أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، مع نزوح الملايين وفقدان الأمن الغذائي في معظم الأقاليم، خاصة دارفور وكردفان، حيث تتفاقم الانتهاكات وعمليات القتل خارج القانون والاغتصاب الممنهج وحرق القرى بالكامل، في مشهد يعيد للأذهان سياسات “الأرض المحروقة”.

أطراف إقليمية تتصارع على النفوذ في السودان

تتقاطع المصالح الإقليمية في السودان على نحو معقد؛ فإثيوبيا، وفق محللين، تحاول استغلال الفوضى لتحقيق طموحها بالوصول إلى منفذ على البحر الأحمر، في حين تحرص مصر والسعودية على منع ذلك بكل السبل لما يمثله من تهديد مباشر لمصالحهما الاستراتيجية.
أما روسيا، فتسعى لترسيخ حضورها عبر التعاون مع قوات الدعم السريع مستفيدة من مصالح اقتصادية مرتبطة بالذهب والنفط، فيما تُتهم إسرائيل بمحاولة إشغال مصر في حدودها الجنوبية لصرف الأنظار عما يجري في غزة.

سيناريوهات مفتوحة لمستقبل الحرب في السودان

تتراوح السيناريوهات المحتملة للمشهد السوداني بين هدنة مؤقتة تقود إلى مفاوضات، أو ترسيخٍ لتقسيم فعلي بين مناطق نفوذ الجيش والدعم السريع، وهو ما يرفضه الجيش بشدة، أو مواجهة عسكرية واسعة يحاول فيها الجيش قلب موازين القوى قبل أي اتفاق سياسي.
وفي جميع الحالات، يدفع المدنيون الثمن الأكبر، فيما يزداد الضغط الدولي لإنهاء الحرب التي تحولت إلى صراع بالوكالة يهدد القرن الإفريقي والبحر الأحمر على السواء.

القاهرة والرياض.. دعم الجيش لا يعني تأجيج الحرب

تؤكد القاهرة والرياض، وفق مصادر قريبة من دوائر صنع القرار، أن دعم الجيش السوداني لا يعني الانحياز للحرب، بل السعي إلى استعادة الدولة السودانية ككيان موحد تحت سلطة مركزية قادرة على ضبط الحدود ومنع تفكك البلاد.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن تنسيق مصري سعودي مشترك قد يتطور إلى تعاون عسكري محدود إذا استدعى الأمر حماية الأمن القومي المشترك.

هل تقترب نهاية الحرب في السودان؟

يبقى السؤال الأهم: هل تنجح الرباعية الدولية في فرض هدنة حقيقية تُمهّد لسلام دائم في السودان، أم أننا أمام استراحة محارب قبل جولة جديدة من حربٍ لا تبدو نهايتها قريبة؟

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة: