د. ماك شرقاوي يكتب: المخابرات المصرية تُحبط مخطط اغتيال قادة حماس في قطر

30

في تطور لافت على الساحة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، كشفت تقارير وتحليلات متعددة عن دور بارز للمخابرات المصرية في إحباط محاولة اغتيال استهدفت كبار قادة حركة حماس أثناء وجودهم في العاصمة القطرية الدوحة.

القصة بدأت عندما وردت معلومات استخباراتية حساسة، يُعتقد أن المخابرات المصرية كانت طرفًا رئيسيًا في تمريرها، تفيد بنيّة إسرائيل تنفيذ عملية تصفية لقيادات بارزة في حماس، بينهم خليل الحية، وخالد مشعل، ومحمد إسماعيل درويش، وزاهر جبارين. وقد أشارت بعض المصادر إلى أن الولايات المتحدة – عبر مسؤولين مثل ستيف ويتكوف – أبلغت قطر بنيّة إسرائيل تنفيذ العملية قبل وقوعها بيوم واحد.

ورغم السرية المحيطة، يبدو أن وفد حماس تلقّى تحذيرات من مصادر موثوقة – يعتقد أنها مصرية – جعلتهم يتخذون إجراءات احترازية، من بينها عدم التواجد في الفيلا المستهدفة، والاكتفاء بإرسال هواتفهم المحمولة مع مساعدين إلى الموقع، ما أدى إلى نجاتهم.

وأوضحت التقارير أن العملية الإسرائيلية كانت مخططة منذ أكثر من عام، وتستهدف القضاء على الصف الأول من قيادات حماس، بالتزامن مع ضغوط أمريكية متزايدة، خصوصًا من الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي طالب بتسليم الرهائن، ونزع سلاح حماس، وخروجها من غزة. وتم الحديث عن موافقة مبدئية من وفد حماس على هذه المطالب، ولكن “بشروط”، الأمر الذي أثار غضب ترامب ودفعه – وفق التحليلات – إلى إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو للمضي قدمًا في العملية.

في هذا السياق، لم يكن من قبيل الصدفة أن يتزامن الهجوم على الفيلا التي وُجدت فيها هواتف القيادات الأربعة مع خطاب ألقاه وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث أعلن تلقي بلاده لمكالمة بعد دقائق من الهجوم.

من الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل قادة حماس أو تستخدم أدوات تقنية متقدمة، مثل برامج التجسس (Pegasus) لتحديد مواقع الأفراد. ويُقال إن العملية الأخيرة اعتمدت على تتبع الهواتف، لكن إرسال القادة لأجهزتهم مع مساعدين حال دون إصابتهم.

العملية أسفرت عن مقتل خمسة من المساعدين، من بينهم مدير مكتب خليل الحية وابنه، بالإضافة إلى عنصر أمن قطري.

في ظل الغموض الذي أحاط بطريقة وصول التحذير، تبرز فرضية أن المعلومات نُقلت بطريقة شخصية ومباشرة، وليس عبر وسائل إلكترونية، تفاديًا للتجسس، وهو ما يدعم الدور المصري في هذه العملية الاستخباراتية المعقدة.

أهمية هذه التطورات تكمن في أن إفشال هذه العملية وجه ضربة معنوية لإسرائيل ونتنياهو تحديدًا، وأحرج الولايات المتحدة، التي باتت متهمة، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، بتسريب معلومات تسببت في فشل المخطط. كذلك، فإن قطر، التي تم إعلامها مسبقًا، أصبحت في موقف حساس سياسيًا، خاصة في ظل حديثها عن الرد القانوني على ما وصفته بـ”العدوان الإسرائيلي”.

من ناحية أخرى، نفت السعودية بشدة أي علاقة لها بالعملية أو بالسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور أجوائها. وأصدرت بيانًا رسميًا يؤكد تضامنها مع قطر، ويدعو إلى تحرك عربي ودولي ضد الاعتداءات الإسرائيلية.

العملية أثارت تساؤلات حول توازنات القوى في المنطقة، وأعادت طرح دور المخابرات المصرية كطرف فاعل يسعى للحفاظ على استقرار المنطقة، ومنع التصعيد، وتهيئة الظروف لاستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وصولًا إلى حل الدولتين.

وفشل اغتيال القادة قد يؤدي إلى تعقيد الوضع بالنسبة لإسرائيل ونتنياهو، ويعزز دور حماس في المفاوضات المقبلة. كما يكشف عن تصاعد حرب التجسس، وتغير قواعد الاشتباك في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، خاصة مع دخول أطراف إقليمية مثل مصر وتركيا على خط الوقاية الاستخباراتية.في الآونة الأخيرة، تصاعدت الأحداث السياسية والأمنية المتعلقة بمحاولة اغتيال عدد من قيادات حركة حماس أثناء وجودهم في العاصمة القطرية، الدوحة. ووفقاً لمصادر متعددة، فإن الشخصيات المستهدفة تشمل محمد إسماعيل درويش، رئيس مجلس الشورى بالحركة، ويُعتبر من أبرز قيادات الصف الأول داخل التنظيم، إضافة إلى زاهي جبارين، عضو المكتب السياسي والمُشرف على الشؤون المالية خلال السنوات الأخيرة.

نجاة الوفد من الاستهداف أعادت فتح باب التساؤلات عن الجهة التي أبلغتهم بالتهديد المحتمل، وسط تقارير تشير إلى أن الوفد لم يكن يحمل هواتفه المحمولة خلال الاجتماع، إذ تم إرسالها إلى الموقع قبل وصولهم – وهي خطوة يراها البعض سببًا رئيسيًا في نجاتهم، بسبب اعتماد الهجوم المحتمل على تعقب الإشارات الإلكترونية.

من هنا، تبرز عدة فرضيات أمنية، من بينها احتمال تدخل المخابرات المصرية أو التركية لتحذير الوفد، ما أدى إلى إحباط الهجوم أو الحد من آثاره. ويُشار إلى أن وفد حماس كان بالفعل في القاهرة قبل أيام قليلة من العملية، وتم تأكيد ذلك لاحقًا من عدة مصادر.

السؤال المطروح: من الأكثر مصلحة في فشل محاولة الاغتيال؟ البعض يرى أن مصر هي المعنية الأولى بنجاح المفاوضات الجارية، خصوصًا مع سعيها لإنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، تمهيدًا لحل سياسي أوسع يشمل حل الدولتين. من هذا المنطلق، فإن أي تصعيد ميداني أو اغتيال لقيادات حماس يُعرقل الدور المصري، ويمنح حكومة نتنياهو ذريعة لإفشال التهدئة.

على الجانب الآخر، هناك تضارب في المعلومات حول كيفية تنفيذ الهجوم، حيث أشارت تقارير إلى أن الطائرات المغيرة انطلقت من إسرائيل، مرورًا بالأجواء السورية والعراقية، ووصلت إلى منطقة الخليج العربي دون دخول الأجواء القطرية مباشرة. يُرجّح أن العملية نُفذت من خارج المجال الجوي القطري باستخدام طائرات من طراز F-15، F-16، وF-35، بدعم من طائرات تزويد بالوقود تابعة لسلاح الجو البريطاني كانت تحلّق في محيط قطر.

الرواية القطرية الرسمية جاءت على شكل إدانة للعدوان، ومطالبة المجتمع الدولي بمحاسبة إسرائيل، لكن دون إعلان موقف عسكري أو رد مباشر. من جهتها، أبدت السعودية، عبر تصريح للأمير محمد بن سلمان، تضامنها الكامل مع قطر، ودعت إلى تحرك دولي لردع إسرائيل وإيقاف اعتداءاتها، وهو ما يدحض الاتهامات غير المدعومة التي روج لها بعض النشطاء، مدّعين أن السعودية سمحت بعبور الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي، وهي رواية عارية من الصحة ولم يؤكدها أي مصدر رسمي.

في هذا السياق، ظهرت تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تكون سرّبت معلومات عن العملية، وهو ما أدى إلى فشلها جزئيًا، حسب ما نشرته قناة إسرائيلية نقلاً عن مصادر أمريكية. كما نُقل عن مسؤولين إسرائيليين نيتهم تكرار الضربات مستقبلًا، ما يُعد تصعيدًا خطيرًا يُهدد جهود الوساطة الإقليمية، ويزيد الضغط على واشنطن لكبح جماح تل أبيب.

لا بد من التذكير أن الشعب الفلسطيني في غزة هو المتضرر الأكبر من استمرار هذه المعارك، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو من تسلط بعض الفصائل التي تفرض سيطرتها على القطاع. ورغم الخلافات العميقة مع حركة حماس، وما تسببت به من خسائر في الأمن القومي المصري خلال العقد الماضي، تظل مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار، ويستمر التعاون المصري مع الأطراف الفلسطينية فقط من أجل حماية المدنيين وإنهاء المعاناة في غزة.

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة: