مرحبًا بكم في حلقة جديدة من “طريق المعرفة” على قناة “ماك شرقاوي شو”. أعتذر عن التأخير في تقديم هذه الحلقة، ولكن اليوم نناقش موضوعًا مهمًا للغاية أثار جدلًا واسعًا، خاصة بين الأشقاء المغاربة: هل كان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك أحد الضباط الذين أُسروا في حرب الرمال عام 1963؟
مقدمة:
قناتنا تهتم بالشأن الأمريكي والسياسة الدولية، مع تركيز خاص على منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها مصر والعالم العربي. هدفنا هو البحث عن الحقيقة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
خلفية تاريخية:
اندلعت حرب الرمال عام 1963، بعد عام واحد فقط من استقلال الجزائر. الصراع كان نتيجة نزاع حدودي قديم بين الجزائر والمغرب، خصوصًا حول منطقتي تندوف وبشار، واللتين ضمتهما فرنسا إلى الجزائر في الخمسينيات. تحول النزاع إلى صراع عسكري مباشر، تدخلت فيه قوى إقليمية ودولية، وترك إرثًا ثقيلًا ما زلنا نشهد آثاره حتى اليوم.
موقف مصر في الحرب:
الرئيس جمال عبد الناصر أرسل كتيبة مصرية تضم نحو 1000 جندي وضابط، إضافة إلى طيارين ومدرعات، دعمًا للرئيس الجزائري آنذاك أحمد بن بلة. وقامت هذه القوات بمهام عسكرية، من ضمنها عمليات استطلاع وقصف جوي لأهداف داخل الأراضي المغربية.
حادثة الطائرة وأسر الطيارين:
خلال إحدى الطلعات الاستطلاعية، اضطر طيارون مصريون وجزائريون للهبوط اضطراريًا داخل قرية مغربية نتيجة عاصفة رملية وعطل بالطائرة. تم أسرهم، وربط الطائرة بالنخل كما تشير بعض الشهادات، وتم اقتيادهم إلى المخابرات المغربية.
هنا بدأ الجدل: هل كان من بين هؤلاء الطيارين حسني مبارك؟
تفنيد الادعاءات:
هناك من يزعم، بنسبة تصل إلى 99%، أن حسني مبارك كان أحد هؤلاء الضباط الأربعة. ولكن بالرجوع إلى الأدلة، يتضح أن هذا الادعاء غير صحيح.
الرئيس الراحل حسني مبارك وُلد عام 1928، أي أنه كان يبلغ 34 عامًا عام 1963، وكان يحمل وقتها رتبة عقيد.
الصور التي انتشرت لأسرى الطائرة تظهر شبانًا لا تتجاوز أعمارهم 21–22 سنة، أحدهم برتبة ملازم أول.
ملامح الأشخاص في الصور لا تتطابق مع حسني مبارك، سواء من حيث ملامح الوجه أو الشكل العام.
الكاتب محمد حسنين هيكل نُسب إليه قول إن مبارك كان ضمن الأسرى، لكن بالرجوع إلى مقاله المنشور في جريدة الأهرام بتاريخ 25 أكتوبر 1963، لا نجد أي إشارة إلى اسم مبارك ضمن الضباط.
الإفراج عن الأسرى:
الملك الحسن الثاني، خلال زيارته لمصر للمشاركة في مؤتمر القمة العربية، سلم الرئيس جمال عبد الناصر الأسرى الأربعة، في بادرة حسن نية، وقال له: “لدي هدية لك”.
زيارة مبارك للمغرب:
بعد سنوات من حرب الرمال، وتحديدًا في السبعينيات، زار حسني مبارك المغرب بصفته نائبًا للرئيس أنور السادات، وتوسط لدى الرئيس الجزائري هواري بومدين للإفراج عن 2200 جندي جزائري كانوا محتجزين لدى المغرب بعد محاولة تسلل فاشلة. فلو كان مبارك أسيرًا في السابق، فكيف يعود للتوسط في ملف بهذه الحساسية؟
نعم، وقعت حرب الرمال، ونعم، شاركت فيها القوات المصرية، بل وأُسر أربعة ضباط مصريين. لكن الادعاء بأن حسني مبارك كان أحدهم لا يستند إلى أي دليل موثق، سواء من حيث السن، أو الرتبة، أو الشكل. بل إن الوقائع والزيارات الرسمية اللاحقة تدحض هذا الزعم بالكامل.
رحم الله الرئيس حسني مبارك، والملك الحسن الثاني، وكل الزعماء الذين مضوا، ونسأل الله أن يحفظ أمتنا العربية من الفتن والفرقة.
د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي
رابط الحلقة :
