فشلت القمة التي كنا نأمل أن تفتح أفقاً لحل أزمتنا الطاحنة، ويفترض أن توفر لنا طريقاً للخروج من مأزق سياسي وأمني استثنائي. أنا مكاوي، وأرحب بكم في حلقة جديدة من “طريق المعرفة” حيث نبحث الحقيقة حول ما يحدث في منطقتنا، وفي قلبها مصر والأمة العربية.
سياق الأزمة والاعتداءات الأخيرة
شهدت المنطقة اعتداءات استهدفت دولة عربية واعتُبرت اختراقاً لسيادتها، في ظل صمتٍ أميركي بدا كتصريح ضمني بمباركة بعض السياسات. هذه التطورات تطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى التحالفات الإقليمية وآليات الدفاع الجماعي العربي.
الانعكاسات الأميركية وزيارات ترامب للمنطقة
زيارات سابقة لمسؤولين أميركيين وصفقات ذات أبعاد عسكرية واقتصادية أعادت ترتيب مصالح واشنطن في الخليج. تركّز النفوذ الأميركي في قواعد ضخمة وبقوة عسكرية كبيرة أثارت جدلاً حول مسألة الحماية والمسؤولية تجاه سيادة الدول العربية المجاورة.
الدور التركي والوجود العسكري في قطر
كان متوقعاً أن يلعب الوجود العسكري التركي داخل قطر دوراً ردعياً، خاصة بعد اتفاقيات دفاع مشترك، لكنه لم يظهر كقوة فاعلة في مواجهة الاعتداءات الأخيرة، ما طرح علامات استفهام حول جدوى الترتيبات والاتفاقيات الدفاعية الإقليمية.
فشل فكرة “الردع العربي” ومبادرة السيسي
في مارس دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تفعيل قوة ردع عربية وفق ميثاق جامعة الدول العربية، وهي فكرة تهدف لتشكيل قوة عربية مشتركة لحماية السيادة. رغم اجتماعات وزراء الدفاع ومحاولات متكررة، باءت المبادرة بالفشل حتى الآن، مما يعيد الحديث عن ضعف الآليات التنفيذية العربية.
ضربات متكررة وأوهام المسرحيات السياسية
تعرضت قطر لسلسلة هجمات مماثلة في فترات سابقة، وفي كل مرة تتكرر روايات واشتباهات بتنسيق دولي أو تسريبات مدفوعة. تعيد هذه الحوادث المشهد السياسي إلى نقطة البداية وتكشف هشاشة الأمن الإقليمي أمام العمليات السيبرانية والتكنولوجية المتقدمة.
مأزق المفاوضات والرهان على استمرار الحرب
تبدو بعض الأطراف معنية بقتل المفاوضات لا المفاوضين أنفسهم، لأن استمرار الحرب يخدم أجندات سياسية داخلية لدى قادة معينين في إسرائيل وفي دوائر دعم متطرفة. هذا التعقيد يحول دون إنهاء النزاع ويعقّد المساعي الدبلوماسية.
مواقف القمة وكلمات الزعماء
تضمنت القمة كلمات قوية حملت إدانة واستنكاراً واستعادة للمبادئ القانونية والدعوات لوقف العدوان ضد المدنيين، كما جددت التأكيد على رفض سياسة العقاب الجماعي وهدم البنى المدنية في غزة. لكن التباين في حضور الزعماء وغياب بعض الرؤساء قلّص من وزن القرارات عملياً.
البيان الختامي ومضمونه الرمزي
صدر بيان ختامي تضمن دبابجاً ومواقف متكررة من مبادئ الأممية والقانون الدولي، مع إدانة للعدوان ونداءات للتضامن مع قطر ودعوات لوقف الممارسات الإسرائيلية. النص حمل عبارات قوية سياسياً لكنها افتقرت إلى آليات تنفيذية واضحة وقابلة للقياس.
مجلس الأمن والقرار الدولي
عقد مجلس الأمن اجتماعاً طارئاً وتبنّى قراراً يندد بالاعتداءات لكن دون تسمية إسرائيل صراحة، وهو ما يعكس توازنات دولية مُعقدة وقيوداً سياسية فرضت نفسها على صياغة النصوص الدولية. هذا التجاهل الصريح لإدانة الفاعل الحقيقي يثير تساؤلات حول فاعلية المؤسسات الدولية في حماية سيادة الدول.
التهم والاتهامات المتبادلة والتسريبات
طفت على السطح اتهامات وتسريبات عن اتصالات ومواقف سياسية أدت إلى مزيد من البلبلة الإعلامية. هذه التسريبات، سواء كانت حقيقية أم ملفقة، تُستخدم ساحة للكسب السياسي والتضليل، وتزيد من صعوبة بناء تفاهمات حقيقية.
التداعيات المحتملة وخطر التصعيد
الحديث عن فرض “أمر واقع جديد” في المنطقة والتحذير من عمليات تهجير أو توسعات له أبعاد خطيرة. التصعيد العسكري أو سياسات التهجير لن تخلق حلولاً وإنما ستؤدي إلى أزمات إنسانية وموجات لجوء قد تهدد استقرار أوروبي ودولي.
الدعوات الدولية وإجراءات إعادة الإعمار
تتجه بعض الجهات الدولية نحو مبادرات لدعم إعادة إعمار غزة وتقديم مساعدات إنسانية، بينما تزداد دعوات لتدويل الحل وإشراك مؤسسات دولية في حماية المدنيين. هذه الدعوات قد تُفضي إلى خطوات عملية إذا رُفعت عن السياسة الدولية قيود الاستقطاب.
لماذا نحتاج جيشاً عربياً فاعلاً؟
الفساد في الآليات السياسية والمماطلة في تنفيذ قرارات الجامعة والمنظمات الإقليمية يثبت أن الشعارات وحدها لا تكفي. وجود قوة دفاع عربية مشتركة قابلة للتفعيل قد يغير قواعد الاشتباك في المنطقة ويحمينا من استباحة السيادة. الخلاصة أن الحل يحتاج إرادة سياسية عربية حقيقية، وآليات تنفيذية ملموسة، وتعاوناً دولياً يضمن احترام القانون الدولي وحماية المدنيين.
دعوة إلى العمل والأمل بالمستقبل
أدعو لصياغة استراتيجية عربية حقيقية تلزم الدول باتفاقيات واضحة للدفاع المشترك، وتضع جدولاً زمنياً لتنفيذها، وتعيد الاعتبار للدبلوماسية الفاعلة. ما زال الأمل قائماً إذا توفرت الإرادة والعمل المشترك.
د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي
رايط الحلقة :
