د. ماك شرقاوي يكتب: فضيحة الجزائر وعلاقاتها مع الكيان الصهيوني منذ 1870(لقاء حصري )

72

اليوم نناقش موضوعًا تاريخيًا مهمًا يكشف علاقات الجزائر مع الكيان الصهيوني منذ بدايات الحركة الصهيونية في عام 1870. ضيفنا في الحلقة هو الدكتور إجبار مصطفى كمال، الخبير في العلاقات الدولية والاقتصاد الدولي، الذي سيقدم لنا أدلة ووثائق تثبت عمق هذه العلاقات التي غابت عن الأذهان.
القناة التي نستعرض عبرها هذه المعلومات تهتم بالشأن الأمريكي والسياسة الدولية، وبالأخص بمنطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها مصر والأمة العربية. سنتناول اليوم حقيقة العلاقات الجزائرية الإسرائيلية التي بدأت منذ أكثر من قرن ونصف.
على الرغم من اتهام بعض الدول العربية للمطبعين بالتواطؤ، نجد أن الجزائر لها تاريخ قديم في العلاقة مع الكيان الصهيوني، وهي علاقات تفوق مجرد التطبيع السرّي أو العلني؛ يمكن وصفها بأنها تحالف رسمي موثق بالوثائق.
الدكتور إجبار مصطفى كمال يوضح أن هذه العلاقات بدأت منذ عام 1870، وتعود في الأصل إلى عهد الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث أصدر الاحتلال مرسومًا رسميًا أعلن فيه “الإسرائيليين الأصليين” في الجزائر، مما أرسى أساسًا تاريخيًا للهجرة اليهودية من الجزائر إلى فلسطين، وهو ما يمثل ولادة الكيان الإسرائيلي من الجزائر نفسها.
تتضمن الوثائق التي اعتمدنا عليها مراسيم رسمية وأرشيفًا فرنسيًا وصحفًا تاريخية تؤكد وجود اتحاد فيدرالي صهيوني جزائري في الأربعينيات من القرن الماضي، وتوضح أن الحركة الصهيونية نشأت في قسطنطينة والجزائر العاصمة، وامتدت إلى دعم استقلال الجزائر من فرنسا.
المفاجأة الكبرى التي كشفها الدكتور إجبار هي أن بعض النشطاء اليهود في الجزائر كانوا من أهم الداعمين للاستقلال، وأن هناك علاقة تاريخية معقدة تجمع الحركات الصهيونية والجزائرية، تفوق في عمقها أي علاقة تطبيع حديثة.
كما تناولنا دور إسرائيل في الضغط على فرنسا لإنهاء الاستعمار، وذلك لأسباب تتعلق بتجاربها النووية في الصحراء الجزائرية بعد الاستقلال، وهو ما يؤكد وجود تعاون وثيق بين الطرفين.
لم تتوقف العلاقة عند هذا الحد، بل شملت اتفاقيات ثنائية رسمية بين الجزائر وإسرائيل حتى بعد حرب 1967، مؤكدة وجود تعاون دبلوماسي موثق في الأمم المتحدة.
، تحدث الدكتور عن التمويل الذي تقدمه بعض البنوك والمؤسسات المالية في الجزائر لإسرائيل، مما يدل على استمرار علاقات الدعم والتمويل حتى اليوم
تحليل حول دور بعض البنوك الكبرى في التمويل ودعم الكيان الإسرائيلي
في البداية، نود الإشارة إلى أن الشركة العامة الجزائرية التي كانت تعمل في المغرب لم تعد موجودة هناك، وهذا البنك يُعتبر من البنوك الخطيرة جدًا، حيث يُعد حليفًا وداعمًا لإسرائيل، وليس مجرد شريك عابر. وهو موجود في الجزائر، مما يطرح تساؤلات حول العلاقات الاقتصادية التي يجب أن تكون موضوع نقاش جاد بدلاً من التركيز فقط على قضايا مثل ماكدونالد أو غيرها.
من بين هذه البنوك الخطيرة أيضًا بنك “كريدي أغريكول”، وهناك بنوك أخرى لن نذكرها في هذا المقال. ومن المهم التفرقة بين “التمويل” و”الإمداد”، حيث أن الجزائر تقوم بإمداد إسرائيل بمواد خام أساسية لصناعة الأسلحة، إلى جانب تمويلات مباشرة.
وفقًا لمنصة “أوبسيرفاتوري” التابعة للأمم المتحدة، صدرت الجزائر إلى إسرائيل ما بين 30.5 إلى 35 مليون دولار من مادة الهيدروجين، وهي مادة أساسية في صناعة الأسلحة والمتفجرات. هذه الصادرات موثقة ومباشرة بين الجزائر وإسرائيل، وليست صادرات وساطة كما قد يظن البعض، حيث يتم تسليم المواد مباشرة.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور بنك “باريبا الوطني” الفرنسي، الذي يُمول صناعة الأسلحة الإسرائيلية. هذه المعلومات مستمدة من منصة بلجيكية مستقلة، وليس من مصادر مغربية أو عربية، والمقال الذي يتناول هذه القضية صدر في يونيو 2025، ما يجعلها معلومات حديثة وحيوية.
بنك “باريبا” ليس فقط مشاركًا في التمويل، بل هو المسؤول الرئيسي عن كافة العمليات الاقتصادية والتجارية المتعلقة بالصادرات والواردات، سواء في الجزائر أو إيران. والحقائق تشير إلى أن البنك يعمل بقوة داخل إيران أيضًا، ما يؤكد حجم تأثيره ودوره في تمويل صناعات حساسة.
أما بالنسبة لإيران، فهناك تصريحات تؤكد أن واشنطن تسمح لهذا البنك بالعمل والتعامل التجاري الخارجي بشكل حصري مع إيران، ما يعكس تعقيدات أكبر في المشهد الاقتصادي والسياسي.
ومن ناحية أخرى، هناك جهات ومصادر جزائرية مثل منصة “الجزائري باتريوتي” التي كشفت عن مبيعات شركة الاتصالات “جيزي” إلى رجل الأعمال مايكل فريدمان، المعروف بدعمه للصهيونية العالمية، مما يطرح علامات استفهام عن علاقة النظام الجزائري بهذا الملف.
بالإضافة إلى ذلك، يشير رمز النجمة السداسية (نجمة داوود) التي تظهر في شعارات وبعض الرموز الرسمية الجزائرية، إلى ارتباطات تاريخية وثقافية يعتقد البعض أنها تمثل علاقة غير عادية مع الصهيونية، وهو أمر يستحق المزيد من البحث والتدقيق.
ولا ننسى الدور الأمريكي، حيث كانت هناك احتجاجات داخل الولايات المتحدة ضد شركة متخصصة في الغاز الصخري في الجزائر بسبب دعمها للصهيونية، وكذلك دعم شركات مثل “لوباي” المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنيتانياهو.
أما على صعيد العلاقات الشخصية، فإن جون بولتون، الذي يُعتبر صديقًا حميمًا لنتانياهو، بات يحظى بمكانة مهمة في الساحة الجزائرية، رغم الفضائح التي رُفعت حوله في الماضي.
وفي الختام، يتضح لنا أن هناك شبكة معقدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الجزائر وإسرائيل، تشمل تمويلات وصادرات وإمدادات مواد خام، وهذه العلاقات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن التطبيع أو مقاومة الاختراق الإسرائيلي.
الاختراق الحقيقي يبدأ من الداخل، وليس من الخارج فقط. والوعي بهذه العلاقات والخلفيات الاقتصادية والسياسية هو الخطوة الأولى لفهم واقع معقد يحتاج إلى تحليلات دقيقة وشفافة
نقاش حول العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل وأبعاد التطبيع
في البداية، هناك تباين واضح بين دول عربية مثل مصر والمغرب من جهة، والجزائر من جهة أخرى. المصري والمغربي مطالب بأن ينهض ويعمل بجد، أن يستيقظ مبكراً ويخلق ثورة في حياته، وأن يسعى لتحقيق ذاته. أما الجزائري، فهو يعيش وسط توافر كل شيء ولكنه يبقى واقفاً في الطوابير، وهذا ما يثير تساؤلات كثيرة.
سؤال من الأستاذة لطيفة من إيطاليا:
تساءلت الأستاذة عن موقف الجزائر من التطبيع مع إسرائيل، وهل يمكن اعتبار الجزائر من الدول المطبعَة أو غير المطبعَة؟
الدكتور جباره يوضح أن مصطلح “تطبيع” أو “normalization” بالإنجليزية والفرنسية لا يعني فقط إقامة علاقات طبيعية، بل يعني توحيداً أو توفيقاً بين طرفين. لذلك، من يقول إنه ضد التطبيع يعني في الواقع معارضته لهذا التوحيد. ويشير إلى أن الجزائر تُعد حليفاً ومموّناً لإسرائيل، رغم ما يظهر من مواقف معادية.
عن العلاقة بين الجزائر وإسرائيل:
الجزائر تعتبر دولة وظيفية تخدم أجندات دول غربية وأهداف صهيونية، منها خلق فتنة وتوتر داخل الدول العربية الإسلامية التي قد تنافس اقتصادياً. وهذا يفسر الهجوم الشرس على أي شيء له علاقة بإسرائيل أو اليهود.
حتى بعض الشخصيات مثل لويزة حنون، التي تحمل أصولاً صهيونية، تهاجم المغرب ومصر والإمارات، ما يدل على اختراق حقيقي داخل الساحة السياسية.
الدكتور يشير إلى أن خروج الناس ضد قرارات القيادة، خاصة المتعلقة بالعلاقات مع إسرائيل، هو خروج على العقيدة الإسلامية، لأن القيادة تمتلك كل المعلومات والمستشارين.
كما يؤكد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أبرم معاهدات مع اليهود والكفار، رغم علمه بغدرهم، وهذا نموذج لفهم الواقع السياسي المعقد.
عن البنوك الأجنبية وتمويل إسرائيل:
تحدث الدكتور عن بقاء بنوك مثل باريبا وسوسيتي جنرال والكريكورك بوستو في المغرب، رغم تمويلها لإسرائيل، بينما ترفض بعض الدول طرد هذه المؤسسات.
أما عن ماكدونالدز في المغرب ومصر، فهي تستخدم منتجات محلية وتوظف مواطنين، لذا لا تشكل تهديداً اقتصادياً.
أسئلة من مدينة العيون بالمغرب:
تم طرح سؤال حول دور الإسرائيليين في ما يعرف بـ “العشريه السوداء” في الجزائر، وهي فترة شهدت قتل جنرالات جزائريين، وكانت هناك زيارات متبادلة بين الإسرائيليين والجزائريين. الدكتور أكد وجود علاقات ومصالح مشتركة بين الصهاينة والفرنسيين والإسرائيليين في تلك الفترة.
كما أشار إلى أن اليهود الذين كانوا يمتلكون ممتلكات في الجزائر (ما يسمى “الأقدام السوداء”) كانوا يمثلون مصالح صهيونية في البلاد، وأن الجزائر عوضتهم بمبالغ كبيرة.
سؤال عن سليمان هوفمان:
هل هو نفسه الشخص الذي خانه اليهود النازيون في ألمانيا؟ الدكتور لم يؤكد هذه النقطة لكنه أوضح أن سليمان هوفمان، مثل كولينيف ورّبراب وشنكريحه، شخصيات ذات أصول صهيونية. هؤلاء الأشخاص عملوا على تغيير أسماء اليهود إلى أسماء عربية لتجنب الاضطهاد، وهم مرتبطون بأصول إسبانية ويهودية.
الدكتور شدد على ضرورة الاعتراف بالحقائق، حتى وإن كانت مؤلمة، حول تعامل العرب مع اليهود في الماضي والحاضر، وأن إسرائيل اليوم ترتكب انتهاكات في غزة، ما يرفضه كل مسلم شريف.

واللقاء قدم وثائق ومعلومات جديدة حول علاقة الجزائر بإسرائيل ودعمها للصهيونية منذ القرن التاسع عشر. وأوضح أن أول دولة اعترفت بالكيان الإسرائيلي كانت إسرائيل نفسها عام 1962، عقب ما سُمي بـ “استقلال” الجزائر الذي كان في الواقع تحت هيمنة فرنسا.
الدكتور جباره حث الجميع على نشر الحلقة لتوعية الناس بما جرى من تاريخ وخيانة لبعض الدول.

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة: